نظام الفوترة... (1)..بقلم: مضر جلال خيربك

نظام الفوترة... (1)

مضر جلال خيربك

سوريا بلد غني بموارده المتعددة والمتنوعة، والتي بحاجة للتعامل معها بأساليب صحيحة، ما ينتج عنه فائدة للدولة والمجتمع، فعدم القدرة على السيطرة تماماً على المشكلات التي طفت على السطح خلال الأزمة التي تعصف بوطننا منذ ما يقارب العامين وحتى اليوم، يساهم بزعزعة الوضع في البلد.

ومن أهم مشكلات الأزمة التي انعكست على المواطن مباشرة، هي حالة الارتفاع الهستيري للأسعار ولا سيما أسعار السلع والمواد الغذائية، التي باتت بحاجة ملحة لمن يضع خطة حقيقية وفعالة توقف ارتفاعها الجنوني، ومن ثم محاولة تخفيضها مرة أخرى.

لم تستطع النيابة الاقتصادية الحالية ولا وزارتي المالية والاقتصاد، ضبط الأسعار عند حد معين ومنع استمرار ارتفاعها المخيف، وفشلت بذلك جميع جهودها إن وُجدت، وما يبعث على الدهشة عدم إيجاد حل قطعي لهذا الأمر، وعدم الاستعانة بأصحاب الخبرة القادرين على وضع خطة منطقية وواقعية مدروسة تسهم بفاعلية بعدم ارتفاع الأسعار.

علماً أنه يوجد أشخاص قادرون على الإسهام بتحسين الوضع المعيشي عبر مشاريع قوانين لو أُخذت بعين الاعتبار لكان هناك أمل بإيقاف جنون ارتفاع الأسعار، لكن المعنيون بالشأن الاقتصادي والمالي في سوريا، سارعوا وبدون أسباب واضحة لإعفاء مدير أعد دراسة مالية ناجعة لو طُبِّقت للمسنا تحسناً بالوضع المعيشي، عوضاً عن الاستفادة من خبرته الكبيرة المالية منها والاقتصادية، وبمثل هذه الإجراءات الغامضة تكون النتيجة دائماً سلبية وعلى حساب الوطن والمواطن.

فمنذ بدء الأزمة في سوريا أخذت الأسعار بالارتفاع بشكل متتال ولا سيما أسعار المواد والسلع الغذائية، وانخفضت قيمة الليرة السورية بمعدل وصل إلى 50% تجاه الدولار، مما انعكس سلباً على الوضع المعيشي لمعظم المواطنين السوريين، كما إن الطبقة المتوسطة منهم قد تأثرت بذلك وبشكل واضح، ومن هنا يمكن معرفة تأثير هذا الأمر على الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود.

بداية يجب أن نقر بأن الأزمة في سوريا كان لها أثراً كبيراً على جميع القطاعات ولا سيما القطاع الاقتصادي والمالي للدولة، نتيجة الحصار والعقوبات على سوريا، وكذلك الأوضاع الأمنية.إذ إن أغلب الفعاليات الصناعية قد توقفت عن العمل، وانخفض التصدير بمعدلات كبيرة كالنفط الذي يعتبر من أهم الصادرات، كما انخفض الاستيراد، إلا أن استيراد السلع التجارية بقي بمعدلات مقبولة نسبياً، وبالتوازي تأثرت الإيرادات الضريبية والفوائض الاقتصادية بشكل واضح.

وبقيت الحكومة عاجزة عن لجم ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية الأساسية، كما إن الحكومة لم تغير سياستها المالية لتخفيف آثار الأزمة وارتفاع الأسعار، حتى إن سياسة وزارة المالية قد ساهمت بشكل كبير بتفاقم الأزمة.

فالمتابع يلاحظ اجتماعات حكومية متعددة وتصريحات وأحاديث عن إجراءات مختلفة، لكن الواقع يشير إلى تفاقم الأزمة، ما يعني أن الحكومة لم تجد حلول ناجعة وواقعية لتخفيف وطأة الأزمة، فمهما تعددت الاجتماعات والتصريحات فإنها لن تساهم بحلها، ولا بد من اتخاذ إجراءات واقعية وملموسة وتكاملية بين الوزارات المعنية، وإعلان هذه الإجراءات على الملأ، وتطبيقها بحزم تحت غطاء قانوني، وبالتساؤل عن كيفية ذلك، يمكن القول حسب مصدر متخصص ومتابع بأن الحل يكمن في الإجراءات التالية:

1 - أن يقوم المصرف المركزي باعتباره المسؤول عن السياسة النقدية، باتخاذ كافة الإجراءات التي تساهم بالحد من تذبذب سعر الصرف، وأن تُعلن هذه الإجراءات للمواطنين، وفق تقدير زمني افتراضي لاستمرار الأزمة، لأن تغير سعر الصرف لا يعني انخفاض فعلي بقيمة الليرة السورية، ولكن الأمر مرتبط بالوضع السياسي والأمني في القطر.

وحسب تصريحات حاكم المصرف فإنه قد تم صرف 10% فقط من احتياطي الدولة من العملات الصعبة، والمقدر بداية الأزمة بـ 18 مليار دولار، ما يعني أن وضع الاحتياطي لا يزال بخير، مما يُمكِّن المصرف المركزي من اتخاذ الإجراءات للحد من ارتفاع سعر الصرف.

2 – إحكام المراقبة الجمركية على أسعار السلع المستوردة لغاية تسعيرها بأسعار شبه واقعية، وقد فعلت الحكومة خيراً عندما ألغت عمل شركات المراقبة الأجنبية، فالخبرات الجمركية السورية قادرة على فعل ذلك بكفاءة، بالاعتماد على عناصر مؤهلة ونزيهة، فالإصلاح الجمركي عبارة عن مقدمة للإصلاح الاقتصادي في أي بلد من البلدان، ومن هنا يمكن اتخاذ الإجراءات التالية فيما يخص الجانب الجمركي:

أ – التحقق من الأسعار الواردة بالفاتورة المُبرزة من قبل المستوردين، من خلال وضع مؤشرات سعرية محدثة باستمرار.

ب – تفعيل واستكمال نظام الأتمتة الشاملة لعمل مديرية الجمارك من خلال تطوير نظام الأسكودا.

ج - تعميم وتفعيل المراقبة الالكترونية على الحاويات اختصاراً للوقت وتسهيلاً للمستوردين.

د – على مديرية الجمارك وجهاز مكافحة التهرب الضريبي العمل بشكل منسق عبر متابعة حركة البضاعة المستوردة في السوق المحلية، ومن هنا يمكن القول أن إلغاء عمل المكتب السري كان خاطئاً، وكان يجب تطوير عمله أو إيجاد بديل يقوم بالمهام المحددة له.

هـ - تفعيل أحكام المرسوم التشريعي رقم /56/ الخاص بشراء الصفقة المشكوك بسعر إدخالها، بل ويمكن تعديله بحيث تتم مصادرة البضائع المدخلة بسعر يقل عن السعر الحقيقي.

و – تسهيل الإجراءات الجمركية.

3 – على الحكومة الإسراع بإصدار نظام الفوترة لأن الظروف الحالية تستدعي ذلك، إذ أكد مصدر مطلع أن نظام الفوترة جاهز منذ أكثر من عامين، كما تم التوصل لصيغة مشروع قانون الفوترة من قبل لجنة متخصصة ضمن الوزارات المعنية (المالية – الاقتصاد)، بالاشتراك مع غرف التجارة والصناعة وجمعية حماية المستهلك.

فمن المستحيل مراقبة الأسعار بأي بلد في العالم دون توفر نظام فوترة يساعد بالقضاء على التهرب الضريبي المخيف الذي يؤثر سلباً على الإيرادات الضريبية والتي تعتبر من أهم موارد الدولة.

إن إصدار هذا النص التشريعي سيلزم المستوردين إبراز صور عن فواتير مبيعاتهم لتجار الجملة الذين سيلزمهم أيضاً بإبراز صور فواتير مبيعاتهم لتجار نصف الجملة ولتجار المفرق وللدوائر المالية بموجب إلزام قانوني.

هذا الإجراء سيكشف للدوائر المالية حجم أرباح كل الحلقات التجارية (مستورد – تاجر جملة – تاجر نصف جملة – تاجر مفرق)، وسيكون الشراء وسعر البيع واضحاً للدوائر المالية، كما سيكشف أماكن ضريبية جديدة تكون رافد جديد لخزينة الدولة، وسيوفر قاعدة معلومات هائلة عن المكلفين، علماً أن كافة الحلقات التجارية في سوريا تتعامل فيما بينها بالفاتورة الحقيقية، لكنها لا تبرزها للدوائر المالية بظل غياب نص يلزمهم بذلك...

يتبع

» نظام الفوترة... (3) :مضر جلال خيربك
» باب الحارة!!!!! بقلم : مضر جلال خيربك
» كلمة حق ...بقلم : مضر جلال خيربك
» عيد شهيد!!... بقلم : مضر جلال خيربك
» الصراع العالمي...بقلم : مضر جلال خيربك