خاص دام برس - بلال سليطين :
لم يعد الزمان اليوم كذاك الزمان ولا حتى المكان، فالمنطقة التي كان السوريون يقصدونها للسياحة والاستراحة أصبحوا يبتعدون عنها ولا يقتربون منها حتى يضمنوا لأنفسهم السلامة الراحة، فمناطق السياحة في ريف اللاذقية أصبحت للمعارك ساحة.
اليوم يعتبر المرور من تلك المناطق خطرا ًأكثر من الكهرباء فإذا نفدت من رصاص المعارك لن تنفذ من الخطف وإذا مررت من الخطف قد تلتهمك الحرائق كما التهمت الغابات، وقد تتساقط على رأسك إحدى القذائف وربما وصلت إليك شظايا البراميل.
الأحاديث والروايات هناك لا تعد ولا تحصى عن المعارك والضحايا الذين قضوا في تلك المنطقة من بلوران إلى الميدان وقسطل معاف وانتهاءً بالحدود السورية التركية عند معبر كسب الذي مازال يعمل حتى الآن، وهو تحت سيطرة الحكومة السورية، أحاديث اليوم بحسب الواقع تقول أن الجيش هو المسيطر والمتقدم في ظل حالة انسحاب من قبل المسلحين الذين سلموا مواقعهم في "قسطل معاف، الميدان، النقطة /45/، جبل القسطل، قمة النبي حمزة".
السيطرة على "قسطل معاف" كانت الأصعب بحسب أحد المقاتلين من أرض المعركة حيث يقول:«أن المسلحين كانوا يسيطرون على أعلى القمم في تلك المنطقة وكان الجيش تحت مرمى نيرانهم وعليه أن يعتلي القمم ويستعيد السيطرة عليها حتى يتمكن من التقدم في أرض المعركة، مما دفعهم للقيام بعملية نوعية تسلقوا قمة "النبي حمزة" على إثرها من /3/ محاور وأجبروا المسلحين على الانسحاب من المناطق الخلفية علماً أنه لم يتم إشراك الأسلحة الثقيلة في هذه المعركة، بعدها تابع الجيش سيطرته على بقية القمم "جبل القسطل، الإذاعة (النقطة 45)" ومن ثم أحكم الخناق على قسطل معاف قبل أن يحكم السيطرة عليها.
بعد السيطرة على أعلى نقطة بالمنطقة قام المقاتلون بسحب جثث الشهداء الأربعة الذين قضوا برصاص القناص، هذا القناص الذي عرف بأنه قناص العامود حيث كان يختبئ خلف احد أعمدة الكهرباء مقابل طريق المزرعة على بعد حوالي /1كم/ من قسطل معاف.
المعركة في تلك المنطقة استمرت أياماً وليالي شرد على إثرها الأهالي وتركوا منازلهم التي نهبت بمعظمها، وأشد المواجهات كانت بجانب القوس حيث قضى هناك /3/ شهداء، في حين قتل أكثر من /10/ مسلحين بحسب أحد المشاركين في تلك المعركة، علماً أنه مازال هناك بعض القرى في تلك المنطقة ينتشر فيها المسلحون "السودا، بيت ملق، والقنطرة" حيث يتم التعامل معهم من بعيد دون مواجهات مباشرة، والمصادر تشير إلى أن الجيش يريد تجميع المسلحين في ناحيتي "سلمى وربيعة" حتى يخوض ضدهم معركة الحسم هناك لتطهير شمال اللاذقية بالكامل وصولاً إلى مشارف ادلب، علماً أن المسلحين متحصنون بحسب مصدر مسؤول في المدارس والمساجد وبين المدنيين الذين يستخدمونهم دروعاً بشرية.
المستشفى الميداني ومركز القيادة للمسلحين عن بعد كانا في التفاحية، حيث استهدفتهم وحدات الجيش في برج التفاحية وتمكنت من تكبيدهم خسائر فادحة في القيادات.
بالانتقال إلى قرية "الميدان" التي شرد معظم أهلها منها قبل أن يدخلها الجيش نجد أن النقطة العسكرية المتواجدة هناك شهدت معارك طاحنة قبل أن يحكم الجيش السيطرة عليها بمساعدة اللجان الشعبية من أهالي القرية والذين قدموا /7/ شهداء أثناء قيامهم بعملية التفاف على المسلحين الذين حاصروا إحدى النقاط العسكرية في القرية وتمكنوا من فك الحصار بعد قتل عدد منهم عرف من القتلى ثلاثة من عائلة "الفحام" التي هي بالأصل من "الميدان"، ويقول أحد القاتلين أنهم عثروا أثناء تطهيرهم لقرية الميدان على ابر حقن مفرغة وحبوب مخدرة عيار /400/ .
الطريق إلى كسب لازال غير آمن بسبب الكمائن التي يقيمها المسلحون للمدنيين أثناء عبورهم لكنه على وشك التطهير بالكامل حيث ينتظر أهالي كسب ذلك بفارغ الصبر بعد أن دافعوا عن قريتهم بضراوة ومنعوا دخول المسلحين إليها حيث شكلوا لجاناً شعبيةً من ضمن "كسب" هذه اللجان وقفت إلى جانب الجيش ودافعت عن المنازل والآمنين حتى الرمق الأخير ومنعت أي مسلح من دخول كسب رغم حجم التضحية والخسائر بالأرواح التي قدمته اللجان التي التي ينحدر قسم كبير منها من أصول أرمينية.
المنطقة التي اشتهرت بخضارها أصبحت اليوم تتشح بالسواد فالغابات على مد النظر حرقت وتحولت إلى مسرح للحطابين الذين لا يدخرون فرصةً لجمع الحطب منها والتدفئة عليه في ظل أزمة غاز وكهرباء تعيشها اللاذقية.
يتابع أهالي اللاذقية بحذر مايحدث في ريف مدينتهم وهم لا يخفون تخفوهم من الواقع السائد في الريف الشمالي في ظل حديث دائمٍ يتسيد الشارع عنوانه "معركة اللاذقية .. آخر المعارك في سورية".