إلى إيران وروسيا والصين والجزائر.. أين أنتم مما يجري لسوريا ؟ - جبـــرا خــوري

إلى إيران وروسيا والصين والجزائر.. أين أنتم مما يجري لسوريا ؟ - جبـــرا خــوري

من الطبيعي أن يطرح المتابع لمجريات الأحداث في سوريا التي دخلت شهرها الواحد والعشرين، سؤالاً حول الدور المتوقع الآن من قِبل إيران وروسيا والصين والجزائر، على ضوء النزيف البشري والاقتصادي والمعيشي والعمراني الذي يتعرض له هذا القطر العربي .

لقد بات من الواضح بمكان أن سوريا تخوض حرباً كونية لكسر شوكة المشروع الإمبريالي والصهيوني والأعرابي الذي توّحد في محاولة مستميتة للوصول إلى تدمير وتقسيم سوريا وفرض "شرق أوسط جديد" بجغرافية مختلفة، بما يعني عزل إيران عن أهم حلفائها وتحجيم الإتحاد الروسي وإبعاد الصين، وبالتالي السيطرة الكاملة على مصادر القوة والطاقة والمستقبل.

ألا يحق لنا أن نصّرح جهاراً، لحليفتنا إيران وأصدقائنا الروس والصينيين وإخوتنا في الجزائر، بأن سوريا تواجه حرباً بالوكالة عنهم دفاعاً عن مصالحهم الإستراتيجية المباشرة والعميقة، بل وحتى عن حدودهم الجغرافية؟

نحن، حلفاء سوريا، نعرف ما قامت به إيران لغاية الآن في إطار ممارسة الوفاء. أفلا يكون من حقنا مطالبتها بالمزيد في ميادين الدعم العسكري والإقتصادي والإغاثي، إضافة لما نعرفه عما تمتلكه إيران من قدرة على مخاطبة تركيا الأردوغانية بلهجة أكثر صرامة كالتلويح- مثلاً- بإعادة النظر في تزويدها بالغاز والتبادل التجاري الذي يمثل مليارات متراكمة؟

لا نحتاج لأن نذكر بأن سوريا قد وقفت مع إيران- ودون تردد- منذ قيام ثورتها ضد الشاه. وأنها قد فتحت لها كل أبواب الدعم على أساس مبدئي وأخلاقي، مع معرفتها بما قد يجره عليها هذا الموقف من خسائر ومخاطر. ومن الحقيقة بمكان، أن إيران تدرك أهمية موقع سوريا الإستراتيجي ودورها المحوري في جبهة المقاومة والممانعة. غير أن هذا غير كافٍ على الإطلاق في هذه الظروف العصيبة. إنها مدعوّة لدور أكثر فعالية يرتقي لمستوى ما تتعرض له سوريا.

وإذا كانت لدى إيران- في مكان ما- محاذير ومخاوف من"فتنة" سنية– شيعية، فإن الوقوف التام بجانب سوريا ينبغي أن يتجاوز تلك المخاوف، لأن القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في العدوان على سوريا، هي التي تثير هذه الفتنة بهدف التمويه على دوافعها الشريرة المعادية، والتشكيك في المقاومة وتطويقها وتقييد حركتها، لتتمكن –أي القوى المعادية- من الذهاب في معركتها حتى النهاية، ولو تم ذلك على جثث السنة والشيعة .

في السابع من أيار 2008، وأد حزب الله الفتنة في غضون ثلاث ساعات. فلو أنه إستمر آنذاك في الحرص على عدم مواجهة المؤامرة والفتنة التي كانت تحاك ضده، لما سيطر على الوضع في مثل هذه السرعة وفرض وضعاً جديداً.

وبما أنننا نتحدث عن الحليف إيران، فإننا نتوقع من هذه الدولة الوازنة والصديقة، أن تحدد موقفها مما يسمى "الربيع العربي"، خاصة وأن ثمة فيها من يعتقد أن سيطرة "الإخوان المسلمون" على تونس وليبيا ومصر، تشكل مقدمة لقيام الإمبراطورية الإسلامية القادمة. في حين يبدو واضحاً أن ما يقوم به حكام هذه الدول الثلاث، هو تجديد التبعية للولايات المتحدة ودول الغرب، وإعطاء الأمان "لإسرائيل" من خلال تأكيد الإلتزام بالاتفاقات المذلة المبرمة معها.

وما التهافت على إستجلاب قروض " صندوق النقد الدولي"، والمسارعة للإستجابة لطلب أميركا عقد أتفاق"الهدنة" - الذي تم التوصل إليه إثر العدوان الأخير على غزة- بسعي من مصر " الإخوانية" ورئيسها مرسي، إلا مثال ساطع على ما نقول.

في مجابهة حلف الشر المعادي وحربه المسعورة، نرى أن الوقت مناسب لتطوير صيغة تعاون إقتصادي وعسكري ومالي وأمني، تشترك فيه سوريا وإيران والعراق والجزائر وسائر القوى المستقلة المستهدفة. وبالطبع، فإن أولى مهمات هذا التعاون أن يساند سوريا بما يعزز قدرة شعبها ودولتها على الصمود وصد العدوان.

إن سوريا التي علّمت جامعاتها مجاناً مئات الآلاف من الطلبة العرب، وفتحت أبواب الرزق لهم والمأوى للمضطهدين والمنفيين، لا تستحق مثل هذه المواقف من قبل الذين رفضت سوريا المساومة عليهم باسم المبادئ والعروبة والمقاومة.

ألم يكن باستطاعة حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد، أن يكونا في أمان من هذا العدوان لو أنهما غسلا أيديهما من المسؤولية التاريخية، في ما يتعلق بالحفاظ على العروبة وتبني نهج المقاومة، في الوقت الذي نرى فيه تبرؤ الكثيرين من كل ما يمت للمقاومة وللهوية القومية العربية وإستبدالهما بولاءات أخرى ؟

وإلى الذين لا يعلمون، نذكر بأن بشار الأسد لم يوافق على إعطاء قطر إمتياز بيع الغاز عبر الأراضي والموانئ السورية لإسرائيل واوربا، ولم يوافق على طلبات الإتحاد الأوروبي بتقليص المساحات التي يخصصها السوريون لزراعة القمح والزيتون وغيرهما من المحاصيل، كما جرى في ملاحق إتفاقيات كامب ديفيد السرية التي مُنعت مصر بموجبها من زراعة أكثر من 20% من المساحات الصالحة للقمح كي يصبح رغيف عيش المواطن المصري تحت رحمة أميركا. وتأكيدا على مضيه في هذا النهج الخانع، منح مرسي السادات أعلى وسام مصري في ذكرى السادس من اكتوبر 2012. وللحقيقة، فإن هذا الوسام موجه لإسرائيل إعترافا بهذه الاتفاقيات وتكريساً لها .

أما "الخطأ" الأكبر الذي أقدمت عليه سوريا، فهو إصرارها على إتباع سياسة الإعتماد على الذات، ورفضها الارتماء في أحضان القروض والديون، والقبول بشروط مؤسسات الإقراض الدولية اللصوصية الظالمة التي تعمل على نهب واستعباد وتجويع البشر وزجهم في حروب عرقية ومذهبية وطائفية.

أما روسيا، فإننا نعبّر لها عن الشكر الجزيل لإستخدامها حق الفيتو مرتين في مجلس الأمن لإبعاد التدخل الأجنبي أو وضع سوريا تحت البند السابع، غير أننا لا نود أن نرى روسيا تمنع التدخل الخارجي في مجلس الأمن، فيما تترك عملية تدمير سوريا من الداخل- عبر بوابة تركيا- التي زارها بوتين مؤخراً ولم نفهم أو نستنتج من زيارته أي موقف واضح .

نتمنى أن لا تتوقف روسيا عند حدود إستعراض عضلاتها إزاء الغرب الإستعماري عبر البوابة السورية، دون أن تفهم الولايات المتحدة بوضوح بأن عليها أن تحسب ألف حساب. لأن الهدف اللاحق لسوريا، سيكون روسيا نفسها التي يراد محاصرتها وعزلها وتفجير الفتن فيها. كنا نريد أن نسمع من لافروف ما هو أكثر من الإمتعاضات الخجولة التي أبداها لدى اعتراف الولايات المتحدة بما يسمى ب"المجلس الوطني" واعتباره هذ الاعتراف مغايراً لما تم الاتفاق عليه في جينيف 2 ، علماً بأن هذا الاتفاق يسمح لكل طرف أن يفسره على طريقته .

نقول لروسيا وبالفم الملآن بأن سوريا تنزف وما من داعم يقدم لها ما ينبغي على مستوى الحدث . دعوا جانباً الجدال عن جنس الملائكة وهبّوا لإنقاذ سوريا قبل أن يصلكم الزلزال الذي يضرب المنطقة بأكملها .

وبالنسبة للصين، ومع تقديرنا لموقفها الودي في مجلس الأمن، فإنه ليس بالكافي ويشبه إلى حد ما "إبعد عن الشر وغني له" علماً بأن الصين بحاجة ماسة للبّر الأسيوي لتمكين قدراتها الاقتصادية والتجارية. لكن هذه القدرات ستكون عرضة للتهديد والابتزاز حين تكون "حنفية" البترول والغاز تحت سيطرة وأهواء الحلف الامبريالي الصهيوني الرجعي.

ونصل إلى الجزائر... الجزائر الحبيبة بلد المليون ونصف المليون شهيد، التي تعرف اكثر منا ما قدمته سوريا لها إبان ثورتها التحررية المجيدة ضد فرنسا. ألم تقم سوريا بدعم الثورة بذهب الفاضلات السوريات وتبرعات الأخوة السوريين؟ ألم تفتح للجزائريين أبواب جامعاتها وأراضيها؟ ‍ ألم ترسل الأطباء والمتطوعين والسلاح والمعلمين والمعونات لتساند الجزائر في التحرير والبناء؟ لا نريد من الجزائر رد الجميل، بل عمل الواجب تجاه آخر قلعة للعروبة والكرامة والصمود والتصدي والمقاومة .

إننا في هذه اللحظات القاسية والمريرة نسأل أنفسنا سؤالا يرد على الخاطر بشكل عفوي: ترى، هل لو كان جمال عبد الناصر حياً كنّا قد وصلنا إلى هذا المستوى من التردي والضياع والعربدة والتشنج والتعصب والفجور، لدرجة أن "حكماء الأعراب" جعلوا من العمالة وجهة نظر!؟

أما بعد، فإننا ننتظر أن نرى ترجمة لمواقف وأفعال تعمل بإخلاص لوقف نزيف ودمار سوريا ومؤازرة شعبها الأبي، وإلا فعلى الجميع أن يفتح كباريهات بالألوان لتلقي العزاء!

وإلـــى غـــد مشـــرق عزيـــز

جبـــرا خــوري

12/12/2012

» الإبراهيمي يجري محادثات بشأن سورية مع وزيري خارجية إيران وروسيا
» إيران وروسيا أسلحة حديثة و6.4 مليار دولار لسوريا- سامي كليب
» والصين وروسيا يتجسسان
» انتصار كبير لسوريا وحزب الله وروسيا زعزع كيان محور أعداء سوريا بعد كسر أضلاع المتمردين.. بقلم: العميد فايز منصور
» المحققون الدوليون يعودون لسوريا وروسيا تصف تقريرهم بالمنحاز