لماذا يحس بعض إسلاميي تركيا بالخذلان من الموقف الإيراني في سورية؟

لماذا يحس بعض إسلاميي تركيا بالخذلان من الموقف الإيراني في سورية؟
2012-12-11 05:18:08

بتاريخ 26 تموز 2012 صدرت في صحيفة "زمان" التركية مقالة هامة حملت عنوان "الجيل الثالث من الإسلاميين". وفيها يربط الكاتب "علي بولاتش" حدث استلام "محمد خاتمي" (المعتدل) رئاسة االجمهورية الإسلامية الإيرانية مع حدث اسقاط الجيش التركي الكمالي لرئيس الوزراء الإسلامي "نجم الدين أربكان" عام 1997، معتبراً الانكسارات التي عاشها التيار الإسلامي خلال هذا العام مقدمة لولادة ما سماه "الجيل الثالث من الإسلاميين"، الذي تعزز فيما بعد بانضمام شبان ميدان التحرير المصري إليه، واستلام تنظيم الإخوان المسلمين مقاليد الحكم في مصر. وباعتبار أن الكاتب من "الجيل الثاني" فكراً وممارسةً، كما عبَّر عن نفسه، فقد قدم للجيل الثالث بعض النصائح المستقاة من أخطاء جيله.
ويروي الكاتب "أوغور مومجو" في كتابه "الرابطة"، الصادر عام 1996، تفاصيل قيمة عن حال الاعجاب والانبهار التي عاشها إسلاميو تركيا اتجاه الثورة الإسلامية في إيران؛ إذ كانوا ينسخون ويترجمون خطب كبار رجال الدين الإيرانيين، ويدخلونها سراً إلى تركيا، وخاصة كلمات ومقالات "آية الله الخميني" المعروفة باسم "الإعلاميات"، حالمين بتفجير ثورة إسلامية تركية شبيهة بما حدث في إيران. وركز "مومجو" على تيار "الكابلانيين"، أتباع "جمال الدين كابلان" الذي كان ينظر إلى "الخميني" نظرته إلى مثل أعلى، فحاول نسخ تجربته من الناحيتين الفقهية والتكتيكية. ومثلما عاش "الخميني" لاجئاً في فرنسا فقد عاش "كابلان" ونشط انطلاقاً من ألمانيا.
وفي عهد "أربكان" شهدت العلاقات التركية الإيرانية تحسناً غير مسبوق، فنظم في أنقرة لأول مرة احتفال بمناسبة يوم القدس الذي أطلقه "الخميني" بعيد عودته المظفرة من المنفى إلى إيران. وكان من ضمن برنامج حكومة "أربكان" إقامة سوق إسلامية مشتركة تلحظ تميزاً في العلاقات مع إيران.
قد تكون علاقات إسلاميي تركيا بإيران قد عانت بعض الترنح إثر وصول فريق غريب الأطوار برئاسة "رجب طيب أردوغان" إلى السلطة، الذي اختار الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وعقد علاقات مميزة مع اليمين الأمريكي. ولكن رغم كل ذلك فقد بقيت إيران ذات موقع مميز بالنسبة لجزء كبير من القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وربما يكون ذا مغزىً كبير ذلك الموقف الذي خرج فيه الصحافي والنائب "شامل طيَّار"، المقرب من "أردوغان"، مهاجماً زملاءه الذين "لا يحيدون عن سبيل التودد لإيران مهما صار". وكان ينوي حينها الانتصار لرئيس وزرائه بعد الموقف المحرج الذي وضع فيه بتغيير مكان مفاوضات الملف النووي من "اسطنبول" إلى "بغداد".
واعتز إسلاميو تركيا في أدبياتهم بنجاحات إيران على الصعيد الدولي، فابتهجوا بارباكها الولايات المتحدة الأمريكية في الملف النووي، وهلَّلوا لدعمها منظمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية. ولكن الغريب هو أن الفريق الإسلامي المنضوي تحت تسمية حزب العدالة والتنمية لم يهاجم بشكل متناسب مشروع الدرع الصاروخية الأمريكية في تركيا، بل آثر الصمت وتجاهل هذا التناقض.
نحن إذن أمام الجيل الثالث من الإسلامين؛ هذا الجيل الذي ينتظر منه احياء أمجاد الأمة الإسلامية، والذي امتد من طهران إلى أنقرة فالقاهرة. ولكن تنقصه جزئية هامة: قطعة الأرض التي ستوحد الأجزاء المتناثرة والتي ستربط تركيا وإيران بالعمق العربي وبمصر تحديداً. وهذه القطعة هي سورية! وهكذا ستكون دمشق رابع أربعة أركان الحلف الإسلامي الصاعد: طهران، أنقرة، القاهرة ودمشق.
مع اندلاع "الثورة" في سورية، والدور القيادي البارز لتنظيم الإخوان المسلمين فيها، بلغت الحماسة بجزء كبير من إسلاميي تركيا أوجها. ليست حماسة بانضمام دولة جديدة إلى الحلف فحسب، بل حماسةً مزدوجة منشؤها أن هذه الدولة ستضم الأجزاء المبعثرة إلى بعضها. وها هم شبان "الجيل الثالث من الإسلاميين" يدخلون مواجهات ساخنة في ادلب وحماه وريف دمشق، وينسحبون "تكتيكياً" من حمص، ويخوضون معركتهم المصيرية الفاصلة في حلب. ولم يستوي كل إسلاميي تركيا في هذه النظرة، فهناك من نظر بحذر إلى الثورة وعارضها أحياناً، كحزب السعادة وحزب صوت الشعب وجمعية "مستضعف دير" وسواها.
بالنسبة للإسلاميين المناصرين لـ"الثورة" السورية فإن أكثر ما حيَّرهم هو الموقف الإيراني، وأكثر ما أربكهم هو الموقف الإيراني، وأكثر ما خيب ظنهم هو الموقف الإيراني: ما بال الإيرانيين يهاجمون الثورة الإسلامية في سورية؟
ما بالهم لا يبدون حماسة لتوحيد الأراضي الإسلامية المتناثرة؟
كيف تدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية نظام الأسد العلماني؟
بالطبع لم يكونوا ينتظرون انقلاب إيران على الأسد بنفس طريقة "أردوغان" الفجائية، لكنهم كذلك لم يتوقعوا استماتتها في الدفاع عنه... أرادوا التناسي تارة والاقناع تارةً أخرى، وعملوا قدر الإمكان على الملائمة بين موقفهم المؤيد للثورة والموقف الإيراني المناهض لها. وعلى سبيل المثال فهناك حالة تلك الجمعية الخيرية الإسلامية المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، والتي تدعم وتقدم مساعدات "إنسانية" وأكثر من "إنسانية" للمعارضين السوريين، وخاصة المسلحين منهم، والتي لها امتداد داخل جهاز أمن تنظيم الإخوان المسلمين. فحتى وقت قريب كان قياديون من هذه الجمعية يفاخرون بالعلاقات التي تجمعهم مع ضباط رفيعي المستوى في الاستخبارات الإيرانية. لا بل زعموا أنهم استعانوا بهذه العلاقات لايقاع الضرر بإسلاميين آخرين معارضين للسياسة التركية في سورية. وبغض النظر عن صحة مزاعمهم، وهي مختلقة على الأغلب، فإن هذا يكشف عن الحاجة لاثبات حسن العلاقات مع إيران ضمن القاعدة الشعبية الإسلامية في تركيا.
بزيادة الاستقطاب واحتدام الصراع في سورية وعليها بات من غير الممكن تغطية هذا الخلاف الكبير في المواقف. ولأول مرة بدأت تظهر في الصحافة التركية الإسلامية انتقادات موجهة لإيران.. انتقاداتٌ خجولةٌ وغير عدائية. والكاتب الإسلامي "ياسين أكتاي" المعروف بأعماله حول الربيع العربي، والذي انتخب قبل فترة قصيرة عضواً في المجلس المركزي لحزب العدالة، كتب في صحيفة "يني شفق" منتقداً بعبارات لطيفة الموقف الإيراني المساند لسورية، حيث رأى أنه تسبب في تراجع شعبية الجمهورية الإسلامية.
لقد تبين أن هذا التيار عانى من خطأ مزدوج في الفهم؛ الفهم الخاطئ لطبيعة المجتمع السوري، وهو فهم منبثق من مزج أراجيف طائفية مع استخلاصات استشراقية ضئيلة القيمة علمياً، وقد لخصها وزير الخارجية "أحمد داوود أوغلو" بنبوؤته عن سقوط النظام السوري خلال "ثلاثة أشهر"، وفهم خاطئ آخر للموقف الإيراني الذي يمكن ايجاز قراءة هذا التيار له بعبارة مبسطة هي: "إيران إسلامية، سورية علمانية، الثورة إسلامية، لذا ينتظر أن تدعم إيران الثورة".. لكنهم الآن علموا بالتجربة المباشرة أن القضية الفلسطينية هي قضية القضايا ورأس الأفكار المؤسسة للجمهورية الإسلامية، وليس من المنتظر اطلاقاً أن تقوم بتصرف فيه ضرر لمسار الصراع ضد الصهيونية، فكيف باسقاط النظام العربي الوحيد الذي يشاركها هذا الهاجس، وهو أحد النقاط القليلة التي توحد هذين النظامين غير المتشابهين في كثير من النواحي.
وظهرت في صحيفة "زمان" ثلاثية هامة بعنوان "أخطاؤنا في سورية" لـ"علي بولاتش" كاتب مقالة "الجيل الثالث" نفسه. وفي الحلقة الثانية منها يتناول الموقف الإيراني، فيذكر بالدعم السياسي والعسكري السوري لفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان، وخاصة حزب الله، وينتهي بالقول: «ما كان يجب أن نتوقع تخلي إيران عن سورية وضرب مصالح حزب الله». هل من يتصور إذن مقدار الشطط لدى من اعتقد أن إيران يمكن أن تؤذي حزب الله اللبناني، وقائده السيد حسن نصر الله، وهو من هو لدى الجمهور الإيراني، عبر ضرب أصدق حلفائه؟
وحتى من الناحية الدينية فإن من يتابع الثقافة الإيرانية لا يستغرب مشاعر الود اتجاه الرئيس السوري ذي التدين الهادئ والحيي نوعاً ما، على عكس رئيس الوزراء التركي الذي تخصص صحافته مساحات واسعة للتشدق بحسن قراءته للقرآن ونحره للأضاحي وما شابه. ويمكن لمن يعلم أبعاد وامتدادات مصطلح "الغربة" تاريخياً أن يفهم بسهولة سر هذه القتالية الإيرانية في نصرة الرجل الذي خانه كثيرٌ من خلصائه وحلفائه السابقين، وتركوه عرضة لهجوم مستكبري العالم وطغاته، ولا ذنب له إلا الدفاع عن المستضعفين في فلسطين ولبنان والعراق.
بأية حال ما زال الإسلاميون الأتراك تستهويهم إيران، وما زال أعتى داعمي جهاز أمن تنظيم الإخوان المسلمين السوريين يشعر بالحاجة لالتقاط الصور في متحف "الصحوة الإسلامية" في "طهران"... لن تصبح إيران عدوة لهم بسهولة، ولكن مهمة اجتذاب جماهير المتدينين إلى صفوفهم عبر تلميع صورة علاقتهم معها أضحت أكثر صعوبة.

» لماذا تولى نصر الله اعلان الموقف السوري من العدوان الاسرائيلي على دمشق
» لماذا تدعم تركيا «داعش»؟
» السفير الإيراني في تركيا ينفي نبأ استدعائه من قبل وزارة الخارجية التركية
» لماذا التصعيد وماذا تريد تركيا والسعودية؟
» لماذا تخاف تركيا؟