لماذا تخاف تركيا؟

لماذا تخاف تركيا؟
Thursday, October 11, 2012 - 12:32 AM
نبيه برجي



هل تستطيع تركيا ان تشنّ الحرب ضد سوريا؟
المثير ان معلقين على صلة سياسية وعقائدية بحزب العدالة والتنمية يحذرون من اي مغامرة قد تدفع بالجيش التركي الى المستنقع الافغاني، فهؤلاء يعلمون جيداً عدد «المجاهدين» الذين انتقلوا او نقلوا عبر الحدود التركية الى داخل سوريا، كما يعلمون ان «الافغان الجدد»، الوافدين من بلدان شتى، انما يريدون اقامة الخلافة الاسلامية وفق فلسفة اسامة بن لادن لا تبعا لفلسفة رجب طيب اردوغان...
ما كتب لا يتحدث عن الخشية من الجيش السوري الذي بالرغم من تماسكه يخوض مواجهات، على مدار الساعة، في مختلف مناطق البلاد، وثمة خلل واضح في موازين القوى بين دولة لا تستطيع الحصول على دولاب لطائرة البوينغ الا بعد 8 اشهر من طلبه، وبوسائل يمكن وصفها بالمستحيلة، ودولة عضو في حلف شمال الاطلسي وتمتلك مئات القاذفات الحديثة...
كما ان ما كتب لا يتحدث ايضا عن امكانية الرد بالرؤوس البيولوجية والكيميائية لان هذه صنعت اساساً لاقامة نوع من توازن الرعب مع اسرائيل بترسانتها النووية الهائلة، فالخوف هو من انقضاض الجماعات الاصولية المتشددة التي حملتها حافلات تركية الى الداخل السوري، على الجيش التركي، وكما يحصل لجنود الاطلسي في التضاريس الافغانية...
اللافت ايضا ان هناك في الغرب، من يرى ان تركيا، مدعومة من الاطلسي، ينبغي ان تغزو سوريا حتى لا تتحول هذه الى ملاذ للايديولوجيات، والجماعات، المجنونة، وبعدما ظهرت بوضوح هشاشة المعارضات المسلحة بالرغم من المساعدات الهائلة التي قدمت اليها، وكذلك هامشية «الاخوان المسلمين» قياساً على الحركات الاسلامية الاخرى، لا سيما «جبـهة النصرة» التي مضت بعيداً في استقطاب، او بالاحرى، في «التهام» الوف الشبان العاطلين عن العمل لبرمجتهم عقائدياً وعملانياً في ارض المعركة على اساس الاستراتيجـية الخاصة بالجبهة و التي تتمحور حول تصنيع ..القنابل البشرية.
لا يعني هذا اغفال فاعلية الجماعات الاصولية الاخرى. لا سيما كتائب عبد الله عزام، فهذه رفعت منذ البداية شعار الخلافة، ومن دمشق التي سبقت الاستانة في هذا المجال، ولكن بعد تطهير الاراضي السورية من الزنادقة والهراطقة والرافضة بل والكفرة، باعتبار ان تلك الكتائب التي تعتبر، مثل جبهة النصرة، الوصيفة الايديولوجية والعملانية، لاكثر مشتقات تنـظيم «القاعدة» غلواً وانغلاقاً، تعتبر ان كل من لا ينهج نهجها فإن مصيره في جهنم وبئس المصير...
ومن يطلّع على ادبيات تلك الجماعات يلاحظ انها نسخة طبق الاصل عن حركة « طالبان» التي ما زالت تعتبر ان قندهار هي المدينة التي يشع منها نور الاسلام لطرد الشياطين من ديار المسلمين كما من ديار الآخرين...
المأزق التركي بات مأزقا اميركياً واوروبياً وحتى عربياً بعدما حفلت تقارير اجهزة الاستخبارات بالمعلومات الميدانية حول امساك «المجاهدين» بنقاط محورية في مختلف المناطق السورية، حتى اذا ما تعاونوا مع تركيا او مع اي دولة عربية تمدهم بالمال والسلاح، وحتى بالكتب التي تحض على القتل باعتباره وجهاً من وجوه الجهاد، فهذا يحدث تكتيكياً لان استراتيجية اتباع الشيخ اسامة بن لادن تختلف كثيرا عن استراتيجية الشيخ رجب طيب اردوغان...
والطريف ان يصف احد المعلقين الاتراك رؤوس هؤلاء المجاهدين بـ «الرؤوس الكيميائية التي على تخومنا»، اي ان المشكلة ليست في الرؤوس الكيميائية التي في حوزة الجيش السوري وانما في الرؤوس الايديولوجية التي تبغي اقامة امارتها، او خلافتها، بأي ثمن. وهي التي ترى في ارض الشام ارضاً مقدسة تنطوي على ايحاءات عقائدية وتاريخية لا متناهية...
اذا كانت تركيا تخاف فعلا من المستنقع الافغاني، فلماذا ذلك التسخين المنهجي للحدود مع سوريا، وهي التي تستضيف قيادة «الجيش السوري الحر» وتفتح ابوابها امام كل «مجاهد» يقاتل لازاحة النظام في دمشق، كما تستبيح الارض العراقية وحتى السيادة السياسية للعراق من خلال القفز فوق حكومته ومؤسساته باتجاه مسعود البرزاني واقليمه؟..
ثمة شيء في الرأس التركي، ربما في الرأس الاطلسي. ولكـن الم يحذر جيل كيبل مــن تلك اللافتــة التي قــد يواجهها الغزاة «افغانستان في انتظاركم»؟
نبيه البرجي