خاص دام برس - بهاء نصار خير :شخصية سياسية وعسكرية مخضرمة. واكب أحداثاً مهمة في المنطقة وكان من أفضل من وصّف الواقع العربي الحالي والهجمات الشرسة التي تقودها إسرائيل وبعض العرب على منطقة الشرق الأوسط. ذو خبرة واسعة في معرفة الصراع الإقليمي نتيجة الكم الهائل من المعلومات العسكرية والسياسية. مؤمن بقضية أمته ووطنه يعمل جاهداً من أجل نصرتها. يسرنا أن يكون ضيفنا لدام برس الدكتور العميد المتقاعد أمين حطيط .
-
بداية أود سؤالك حول ما هو رأيك في الحرب الشرسة القائمة على قطاع غزة الآن؟رأي في حرب غزة فإني أخشى أن تكون مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق تصفية مقاومتها ، و إني ذهلت اليوم للسيل من المديح الذي كاله مسؤول حماس لأمير قطر حتى اختلط على السامع الأمر و كاد يعتبر أن صواريخ المقاومة المنطلقة في غزة هي قطرية الصنع و الاستعمال . أن المخطط لغزة اليوم لا يبتعد كثيرا عما فذ في الضفة الغربية من تصفية للمقاومة بأيادٍ فلسطينية و عربية و اتفاق أوسلو و أخشى أن يكون هناك أوسلو جديد و سلطة متجددة و تنسيق امني في الأفق يعطي الخبز و يأخذ الأرض و الهوية من الفلسطينيين . و يبقى الأمل في إجهاض هذا المخطط معقودا فقط على المقاومين الشرفاء في غزة الذين لم ينخدعوا بأكذوبة الربيع العربي و يستمرون في المواجهة .
-
هل ترى بأن هذه الحرب ليست إلا لعبة مصرية خليجية لتسويق ظهور الإخوان المسلمين. وإظهار مصر على أنها القوة القادرة على الحل؟إن حرب غزة قد تسمى إذا نجحت حرب بسط سلطة الإخوان على العالم العربي ، و حرب الوطن البديل ، لذلك تجد انكفاء سعودي ظاهر ، و هجوم قطري للتمويل و مصري للقيادة و تركي للزعامة . لكنني لا أرى أن احتمال نجاح هذا المخطط الجهنمي كبيرا لعدة اعتبارات منها عدم التجانس الفلسطيني و القدرة الميدانية لفصائل المقاومة في غزة التي قد تجعل مهمة حماس في تدجين المقاومة و ترويض القطاع و إلحاقه بمصر ، قدرة معتبرة حتى الآن.
-
كيف تقرأ الحرب على غزة في هذه المرحلة بالذات؟للأسف هناك من يُصدق وخاصة البسطاء بأن هذا العدوان الآن على قطاع غزة. المدعوم مادياً من قِبل أمريكا, والمدعوم بشكل غير مباشر من قِبل أموال عربية, هو عبارة عن ردٍ على استهداف آلية عسكرية إسرائيلية تحرشت بالقطاع خاصة بعد حصار كبير قائم على غزة منذ قُرابة الخمسة سنوات في انتهاك فاضح للقانون الدولي والإنساني. وهذا الانتهاك الغير بعيد عن حقيقة الفكر الصهيوني الأمريكي الاستعماري. العدوان الذي يتم الآن تحت تسمية "عامود السحاب" فإنها تكمن أولاً: في أن جبهة العدوان على العرب و المسلمين و مستفيدة من نظم التبعية و الارتهان ، احتاجت لمثل هذا العدوان للسير قدما في مشروعها التصفوي للمقاومة و محورها ، و تاليا تصفية القضية الفلسطينية كما تريد إسرائيل و داعميها ، و هو الهدف الاستراتيجي الأساسي الذي لا تستطيع الجهة المنفذة الإفصاح عنه صراحة الآن حتى لا تقع في سقطة حربي 2006 و 2009 ، حيث كان التحديد المسبق من غير تحقيقه دليلا على الهزيمة الإسرائيلية .لهذا انطلق العدو بعدوانه ، دونما إعلان مسبق لسقف العملية . ثانياً: هناك ما له علاقة بالانتخابات النيابية و منها العسكري المتعلق باختبار المنظومات و الخطط و الأسلحة التي اعتمدت بعد حرب 2006 و 2009 من اجل تحصين الجبهة الداخلية ، و منها السعي إلى ترميم القدرة الردعية الإسرائيلية و استعادة الهيبة قبل أي عمل قد تقوم به أو تقرره على الجبهة الشمالية ضد لبنان و سورية فضلا عن إيران .
-
بعد سنة وأكثر من نصف السنة كيف توصّف الوضع الحالي في المنطقة خاصة في الداخل السوري؟بداية يجب ضبط المصطلحات التي تستعمل لتوصيف ما جرى في المنطقة العربية من قبيل الربيع العربي أو ثورات شعبية و ما إليه ، و هنا يهمنا أن نؤكد أن ما جرى في البلدان العربية التي شهدت حراكا ما ليس واحدا في طبيعته و ليس متجانسا ، و هو و إن كان في بعض البلدان يشبه الثورة في البداية ، و لكنه حراك صودر من قبل أطراف في الداخل التحقت به متأخرة ثم عقدت صفقات مع الخارج لدعمها في مشروعها السياسي الداخلي مقابل تأمين مصالحه في البلاد العربية ، و في نهاية المطاف فان هذا الحراك اكتسى و اتخذ مظهر العدوان الخارجي بأيدٍ محلية و إقليمية كما هو الحال في سورية . و هنا و في هذه النقطة بالذات يمكن الدخول الى السؤال فنوصف الوضع في المنطقة في انه حالة مركبة من أكثر من عنصر ميزتها الرئيسية عدم الاستقرار و التي تنتجها المواجهة المتواصلة بين أطراف تتعدد انتماءاتهم و أهدافهم ، مواجهة مستمرة لا أفق لنهايتها الآن و السبب في ذلك أن المدافع لا زال يملك القوة التي تجعله مطمئنا لنتائج المواجهة و أن المهاجم المعتدي بالقيادة الغربية يرى انه من المبكر أن يعلن هزيمته خاصة و انه لا زال يملك أوراق بيده لاستعمالها و ان الخسائر التي تقع و الكلفة التي يستوجبها الصراع تقع كلها على عاتق سواه و لا يتحمل فيها شيء . و لذلك نقول أن حالة عدم الاستقرار القائمة و المواجهة الدامية لن تجد لها نهاية قريبة اقله في الأشهر المقبلة حتى الربيع المقبل .
-
بالأمس القريب حدث تفجير في الأشرفية كان المستهدف فيه وسام الحسن. ما هي تداعيات هذا الأمر خاصة بأننا شهدنا توتراً كبيراً وتصعيداً أرجعنا لعام 2005 ولكن ما لبث أن أنطفئت الحالة الانفعالية بعدها؟لا اعتقد أن لاغتيال وسام الحسن تداعيات بالغة على صعيد الأمن و السياسة في لبنان ، و لكن الفريق الذي يعتقد بان الضابط المغدور ينتمي إليه و يؤمن له المصالح الأمنية و غير الأمنية حاول و سيحاول الاندفاع إلى الأمام مستغلا هذه الدماء التي أريقت في حادثة الاغتيال ، و لكن لاندفاعاته سقف لن يتعداه ، و لن يستطيع أن يغير الواقع القائم في لبنان امنيا أو سياسيا مع أن الإرباك و التخبط الداخلي في لبنان غير مستبعد حتى الانتخابات النيابية المقبلة التي قد يكتنف مصيرها الغموض الآن في ظل عدم التوافق على قانون انتخابي تتم بموجبه .
-
هل ترى بأن عملية الاغتيال فقدت الهدف المرجو منها كوسيلة ضغط؟الأمر متعلق بتحديد الهدف من الاغتيال ، فإذا كان الهدف من الاغتيال إحداث فتنة شيعية سنة ، فاني أرى إن الاحتمالات تتراجع إن لم نقل إن الظرف قد يكون تخطاها رغم السعي الدائم من فريق 14 آذار لذلك ، أما إذا كان الهدف التخلص من ضابط امني ذو موقع هام مميز و حامل أسرار حقبة معينة استثنائية فاني أرى إن الاغتيال حقق أهدافه ، أما الحديث عن ضغط لتغيير حكومي أو ما شاكل فان الفعل تآكل و تلاشت في مفاعيله .
-
يعني هل من الممكن أن تعود قضية وسام الحسن لتطفو على السطح وتُستغل لأمور معينة أخرى؟في لبنان لا تجد شيئا ينسى مطلقا و لا يوجد شيء يبقى دائما قيد النظر و هي قاعدة اعتادها اللبنانيون . و بالتالي فقد نسمع مستقبلا بالموضوع و نرى جماعات 14 آذار تثير القضية إذا وجدت أنها بحاجة لها خاصة إذا استمرت خارج السلطة أما أن استلمتها بعد الانتخابات فان القضية قد تطوى كما طويت غيرها كقضية اغتيال الضباط الأربعة و الكثير من القضايا الأمنية و حوادث الاغتيال .
-
خلال عطلة عيد الأضحى المبارك طُرح موضوع الهدنة.. تم خرق الهدنة من قبل الجماعات المسلحة. فسر البعض بأن هذا الخرق دليل قوة بالنسبة للجماعات المسلحة. وبأنها تملك القوة ولا تحتاج لهدنة. كيف ترى هذا الأمر بصفتك محللاً سياسياً وعسكرياً؟لم تكن الهدنة مقدرا لها إن تنجح في الأصل لان متطلبات النجاح غير متوفرة ، و متطلبات يأتي في طليعتها و حدة القيادة و الانضباط لدى الجماعات المسلحة و هو أمر غير متوفر . ثم إن كل عمليات و مشاريع التوحيد و الائتلاف التي تجري الآن بما في ذلك الائتلاف المعارض الجديد سيكون محكوما بالفشل لأنه لم يضم جميع المعارضين كما انه لا يملك الأرض أو السيطرة في الميدان كل فريق ممن يشكلون معارضة في سورية يعتبر نفسه الأساس فيها و لا ينصاع للآخرين و إني أرى أن المخرج في سورية لن يكون من طبيعة واحدة بل سيكون على خطين سياسي ينضوي فيها دعاة الحل السياسي الذي يتحقق بالحوار ، و امني لمعالجة الذين يستمرون في حمل السلاح و يؤذون البلاد و العباد خدمة للخارج .
-
بصفتك ضابط سابق ومحلل عسكري كيف ترى الوضع الميداني كما هو منظور خاصة الوضع في منطقة الشمال السوري الذي يشهد أعنف المعارك؟تحاول قوى العدوان على سورية ان تقتطع منطقة الشمال لتكون لها موطئا لإقامة السلطة التي يعترف بها دوليا و تكرار الحالة الليبية إذا تغيرت الظروف بشكل يسمح لها بذلك ، و هي تنطلق لأهدافها مستفيدة من الواقع الجغرافي للمنطقة و الدعم التركي الذي يقدم لها ، عاملة للسيطرة على قرى و مدن في الشمال ثم ربطها ببعضها لإقامة ما تدعي تسميته "المنطقة المحررة " التي تقام فيها سلطة المعارضة . لكننا نرى صعوبة في نجاح هذا المخطط لأسباب ثلاثة : أولها قدرات الجيش العربي السوري التي تمكنه من استعادة أي بقعة يدخلها المسلحون و منع اتصالها بمناطق أخرى ، و الثاني الرفض الشعبي المعبر عنه يشكل البيئة العامة المناوئة لعمل الإرهابيين فيها خاصة و أن هذه البيئة هي من التعقيد الديموغرافي و التنوع الديني و العرفي في المنطقة ما يحول دون تمكين الإرهابيين من الاستقرار فيها ، و أخيرا شبه استحالة التدخل العسكري الأجنبي في الظروف القائمة.
-
هل تتوقع بأن الموقف التركي الداعم لمسلحي الشمال سيتغير خاصة بأننا نرى تهديدات تركية دونما فعل. أي تكتفي بالكلام فقط؟بدأت تركيا تترنح في موقفها من الأزمة السورية دون أن تصل إلى درجة الانسحاب الميداني الكلي . فتركيا باتت تخشى على أمنها و اقتصادها حتى و إن هناك هواجس باتت تتشكل حول وحدتها . لكن تركيا لا تستطيع الانسحاب الفوري من الملف و لهذا سنشهد تصعيداً سياسياً و تراجعاً ميدانياً متدرج خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ، إلا في حال وحيد و هو إذا تمكن المسلحون من السيطرة على منطقة الشمال و ربطها بتركيا عبر السلطة التي يعمل الغرب على إنشائها و هو أمر مستبعد من قبلنا في الظروف القائمة .
-
يقول الكثيرون بأن من دخل الحرب مع سورية لن يسمح لنفسه بالخروج منها مهزوماً ويُعطي الرئيس السوري مكانة عالمية لم يشهدها زعيم آخر. هل تتوقع بأن يتراجع من دخل هذه الحرب خاصة الدول الكبرى؟إن المنفذين للحرب و المشاركون فيها 3 فئات ، قيادة أساسية ، و قيادة ميدانية و أدوات تنفيذية . و إن المتحكم بالمسيرة هو صاحب القيادة الأساسية أي أميركا و معها إلى حد ما الغرب الأوربي بدرجة منخفضة ، و هؤلاء يستطيعون حفظ ماء الوجه عبر الحل المستقبلي للازمة السورية و الذي لن يكون إلا عبر التفاهم و التوافق الدولي ، أما الحلقة الوسطى أي المدير المحلي كتركيا مثلا فانه سينكفئ تدريجيا و لا بد من أن يتلقى شيئاً من الآثار السلبية للإخفاق و تبقى الفئة الأخيرة و هي من سيدفع أطرافها ثمن الهزيمة كقطر و السعودية .
-
المواقف الأوروبية والأمريكية في حالة غموض, كيف ترى المواقف الغربية خاصة بعد المؤتمرات الصحفية لوزير الخارجية الروسي مع نُظرائه الأوروبيين؟كلما كان عجز في الميدان سنشهد تصعيدا غربيا في السياسة من اجل إبقاء توازن ما في المشهد يتيح للأوربيين و لسواهم من قيادة المشروع العدواني إن حجزوا المواقع المؤثرة على طاولة التفاوض للحل .
-
هل ستقترب وجهة النظر الأمريكية من الروسية بخصوص الأزمة السورية؟بعد أن تتيقن أميركا بأن تحقيق أهدافها في سورية بات أمرا مستحيلا ، فإنها مضطرة إلى لقاء روسيا في نقطة ما من اجل إخراج الحل النهائي للازمة لكن هذا لا يبدو انه قريب و لا اعتقد أن حصوله ممكن قبل الربيع المقبل ، و في ظل حالة صعوبة الحسم العسكري فإننا نجد أن المخرج سيتطلب عمل سياسي يسند العمل الميداني و بما أن الأزمة باتت دولية لذلك فان المخرج يكون بحوار و تفاوض دولي عندما تحين ظروفه .
-
منذ فترة حصل انفجار في الرياض ما هي دلالاته وهل دخلت الدول الخليجية في دائرة النار؟إن حالة عدم الاستقرار في المنطقة هي حالة متدحرجة و إن لم تطفأ النار في سورية فإنها ستمتد إلى أكثرية البلدان العربية بدءا من الأردن و لبنان وصولا إلى دول الخليج الأخرى . و الآن بات الوضع الأردني محل تركيز جدي خاصة مع العودة إلى الحديث عن الوطن البديل الآن.
-
نزفت سورية الكثير من الدماء. وضحت بالكثير من أبنائها العسكريين شهداءً في سبيل الرفعة. ناهيك عن الدمار الكبير في البنية التحتية والمرافق. ما هي رؤيتك لمستقبل سورية المنظور؟في المبادئ العامة إن البلد التي تدمره الحرب يوضع على مفرق طرق : إما أن يخرج من التاريخ أو أن يعود بقوة اكبر ، وفقا لإرادة أبنائه و المحيط الإقليمي و الدولي المعني به . و إني اعتقد أن سورية بطبيعتها و موقعها و إرادة شعبها و اهتمام المحيط الإقليمي بها ، تستطيع أن تستعيد بناء ما دمر و بفترات قياسية و هذا لا اشك به . و لبنان دمر قبلها و هاهو رغم كل التعقيدات أُعيد بناء الكثير فيه ، أما المثل الأكبر هنا فهو في ألمانيا و اليابان و الكل يعرف أين هذين البلدين اليوم و موقعهما في طليعة دول العالم الغنية ، و هما كانا بعد الحرب العالمية ركاما و دمارا.