محاولات لشطب مخيم اليرموك لانة من شواهد النكبة ..و لتمرير التسوية الأميركية الإسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية
”منذ بدء الأحداث في سوريا، حاولت الفصائل الفلسطينية ووجهاء المخيم إبقاءأهاليه على الحياد، وتجنيبه الأزمة للمحافظة عليه، وعدم الزج بساكنيه في أتون الصراع السوري. تفهمت كافة الأطراف المعنية بالصراع هذا الموقف، واستطاع المخيم أن يكون بؤرة استقطاب للاجئين السوريين من مختلف المناطق.” د. فايز رشيد*كاتب فلسطيني
طالما بقيت المخيمات الفلسطينية .. فستظل شواهد النكبة قائمة. لذلك من الطبيعيأن تجرى المحاولات واحدة بعد أخرى لمحو هذه المخيمات من الوجود. بالأمس كانت دمير مخيم نهر البارد الذي تم تهجير سكانه وجرى هدمه بشكل كامل. محاولات إعادة بنائه لا تزال قائمة وقسم صغير من أهله عاد إليه. الآن مخيم اليرموك تجرى محاولة لإزالته. المخيم هو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، يسكنه قرابةالمئة وعشرين ألفاً من أبناء شعبنا، وفيه يسكن أيضاً سوريون. على أطرافه: في الحجر الأسود وببيلا والست زبيب وغيرها من المناطق, تتواجد نسبة قليلة من الفلسطينيين وعدد أكبر من السوريين.
منذ بدء الأحداث في سوريا، حاولت الفصائل الفلسطينية ووجهاء المخيم إبقاء أهاليه على الحياد، وتجنيبه الأزمة للمحافظة عليه، وعدم الزج بساكنيه في أتون الصراع السوري. تفهمت كافة الأطراف المعنية بالصراع هذا الموقف، واستطاع المخيم أنيكون بؤرة استقطاب للاجئين السوريين من مختلف المناطق. أبناء الشعب الفلسطيني تقاسموا الرغيف مع إخوتهم السوريين. بقي هذا الوضع إلى أن قام مسلحو ما يسمى بالمعارضة بمحاولات الدخول إلى المخيم عنوةً وفي أكثر من حي،ذلك وسط رفض أهاليه, الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات الجيش العربي السوري،وحصلت اشتباكات ذهب ضحيتها العشرات من الفلسطينيين.
مؤخراً، دخل مئات بل آلاف من المسلحين إلى المخيم يجمعهم ما يسمى بــ"الجيش الحر", وهؤلاء من جماعات إسلامية أصولية متطرفة من بينها جماعة النصرة التابعة للقاعدة، جماعة التوحيد, الجهاديون، صقور الجولان (من لاجئي الجولان) وغيرهم.هؤلاء استطاعوا التأثير على جماعات سورية من اللاجئين,
وجماعات فلسطينية من حركتي فتح وحماس تعملان تحت اسمي: زهرة المدائن،والعهدة العمرية. هؤلاء يقاتلون إلى جانب الجيش الحر وهذا ما أصبح معروفا لكل ساكني المخيم ومن يتواجد بالقرب منه. والحالة هذه تدخل الجيش العربي السوري:فجرى قصف أهداف المسلحين بوسائل عديدة منها الطائرات ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا من بين الفلسطينيين بين قتيل وجريح، وكذلك إلى هجرةأهالي المخيم عن بكرة أبيهم طلباً للسلامة.
فصائل المقاومة وإضافة إلى الوجوه وأعيان المخيم كانت قد شكلت لجاناً أمنية منالمواطنين, وهي غير مسلحة, للمحافظة على الأمن في المخيم.
المسلحون داهموا مقرات الفصائل الفلسطينية في المخيم وقاموا بالعبثفيها وسرقة محتوياتها وإحراقها, ومنها مكاتب للجبهة الشعبية لتحريرفلسطين، ومن قبل هوجمت مراكز للقيادة العامة ومعكسر تدريب تابع لها. الفصائلوبعد عقد اجتماعات عديدة تنسيقية فيما بينها حضرها مندوبو المخيم، قررتالاتصال بالدولة السورية وبالمسلحين, وهو ما تم فعلاً. الدولة تفهمت الوضع ووعدتبعدم تكرار القصف مطلقاً, وعدم الاشتباك مع المسلحين شريطة إخراجهم منالمخيم، الاتصال والتفاوض جرياً أيضاً مع محركي المسلحين من الدول وكذلك معهم,لحثهم على الخروج. هم جماعات كثيرة مثلما قلنا. البعض استجاب وهم قلة لا تُذكر،والغالبية رفضوا الخروج وزادوا من تموضعهم وتمركزهم في المخيم، وابتدأواعمليات القنص,
وممن جرى قنصهم غسان الشهابي وهو كاتب وناشر يشرف على دار الشجرة للنشر. الدار تعتني بالتاريخ والتراث الفلسطيني وتؤرخ للمدن والقرى الفلسطينية.
الغريب أن المسلحين الرافضين للخروج وعبر ممثلهم الرئيسي أبوتوفيق (أحد قيادات جماعة النصرة) طالب المجتمعين معه بالضغط علىمهجري المخيم من أجل العودة إلى بيوتهم، ويبرر رفضهم للخروج بأنه تم تشكيلقيادة عسكرية جنوبية تتمركز في المخيم وأطرافه وهدفها الدخول إلى العاصمةالسورية دمشق ويطلبون من الأهالي مساعدتهم في إسقاط النظام.
من بين المسلحين باكستانيون وأفغان وعرب من جنسيات مختلفة, أفارقةمسلمون, كازاخستانيون وأوزباكستانيون وقرغيزيون من جمهوريات كانت تأتلف مع روسيا في "الاتحاد السوفياتي". الأشد غرابة أن هؤلاء من الجنسياتالأخرى
عُبئوا بأنهم في دخولهم إلى دمشق سيكونون على أبواب القدس وسيقومونبتحريرها. معظمهم لا يتقن اللغة العربية ويجهل حقيقة الأزمة وكذلك لايعرف"جغرافية "سوريا ولا فلسطين ولا المنطقة. بالطبع عندما يسمع أهالي المخيمبوجود مسلحين فيه تنتزع من نفوسهم إمكانية العودة إلى المخيم, ولم يعد إليه سوىسكان قلائل من ساكنيه، أما في المعظم فلا يزالون خارجه بعد تهجيرهم. الدولة السورية من جانبها ونظراً لملابسات الوضع حاصرت المخيم، وتتحكم في مياههوكهربائه، وإمداده طالما بقي المسلحون في أرجائه.
بالتالي ماذا يريد الأصوليون وحلفاؤهم من استمرار تمركزهم فيالمخيم؟ أيريدون إزالته عن الوجود؟ أيريدون إبعاد أهله عنه نهائيًّا؟ إذ لا مبرراتلاستمرار بقائهم فيه، وبخاصة أن أهله لم ولن يتدخلوا في الأزمة السورية. محاولةإزالة المخيم وإبقاء أهله في التهجير تلتقي مباشرة أو بطريق غير مباشر معالمحاولات الصهيونية -الأميركية- الغربية لمحو تعبير"اللاجئين الفلسطينيين" وتصبفي مجرى تصفية القضية الفلسطينية وتُلحق أفدح الضرر بالمشروع الوطنيالفلسطيني والحقوق الوطنية لشعبنا.
على صعيد آخر يروج هؤلاء بأن النظام السوري على شفا الانهيار ويعيش لحظاتهالأخيرة، وأن الرئيس الأسد مرعوب ومكتئب ويبحث عن ملجأ وغير ذلك منالقضايا!
لكن الرئيس الأسد بدا في خطابه في دار الأوبرا متماسكاً وقويًّا وينطلقمن موقع المتحكم في الصراع، وقام في خطابه بتقديم مبادرة سياسيةلحل الصراع. الجيش السوري لا يزال متماسكاً وقوياً، ووفقاً للأنباء فإنالجيش السوري وحتى اللحظة لم يستعمل سوى 20% من قواته، فله حساباتهبإمكانية التدخل العسكري الأجنبي وبخاصة الإسرائيلي في شؤونه.
سوريا لم تكن مدينة لأحد مطلقاً، وهي قادرة على الاستمرار وبالإمكانيات الذاتيةللصمود فترة طويلة رغم حرق العديد من (إهراءات) تخزين القمح. الاقتصادالسوري ما زال قويًّا، ويلقى الدعم من إيران (قرض إيراني جديد بفوائد ميسرةيبلغ مليار دولار) وروسيا والصين وغيرهما.الحياة وسط العاصمة دمشق وفي مدنسورية أخرى تبدو طبيعية، والليرة السورية محافظة على قيمتها (بعد الانخفاضفي سعرها بسبب الأزمة)، والنظام له جماهيره الواسعة. المعارضة الداخلية تدعوإلى الحل السياسي وتقف ضد عسكرة الأزمة وتدويلها الصراع في سوريا لنيجري حله إلا من خلال طاولة الحوار، والحوار فقط.
يبقى القول إن المحاولات الجارية لزج اللاجئين الفلسطينيين عموماً وبشكل خاصسكان مخيم اليرموك في الصراع في سوريا، سوف يؤدي إلى شطب هذا المخيم,وذلك لتمرير التسوية الأميركية الإسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية. يجيء ذلك في الوقت الذي يعزز فيه اليمين المتطرف واليمين الأكثرتطرفا من مواقعه في الكيان الصهيوني. سياسة شطب المخيمات الفلسطينية ومنهامخيم اليرموك تتماهى مع سياسة محو وتفتيت الدول العربية الى دويلات طائفية,مذهبية واثنية تحترب فيما بينها لصالح محو وانهاء الصراع العربي – الصهيوني.