حرب سوريا صعبة وليست قصيرة

تبدو الحرب في سوريا قاسية جداً ومنتشرة على بقعة الاراضي السورية كلها، ولا يستطيع احد ايقاف الحرب على الارض السورية بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة والجيش الحر والاجانب، وقد بدأ في الفترة الاخيرة الحديث عن الاجانب الموجودين في سوريا، ويظهر ان 60 الف الذين جاؤوا الى العراق وقاتلوا الجيش الاميركي وهم من القاعدة والاصوليين بدأ قسم منهم يتجه الى سوريا للقتال ضد النظام وضد الجيش السوري النظامي، ويقدّر عدد الذين دخلوا سوريا من اجانب من عرب وافغان واصوليين وقاعدة الى حوالي 13 الف كلهم مستعدون للقتال وللتفجير وللقيام بعمليات انتحارية، وهذا ما بدأ في سوريا يحصل اذ كل يوم بعد يوم يسمع السوريون عن انفجار سيارات او تفجير شخص لنفسه بواسطة حزام ناسف يلفّ خصره به. وبالتالي فان الحرب طويلة الامد في سوريا لان الجيش النظامي مهما كانت قوته فهو غير قادر على السيطرة على سوريا كلها وعلى البلدات والمدن الكبرى. فلقد خاض الجيش السوري في بداية الحرب معارك عديدة لكن أهم معركة كانت معركة باب عمرو في حمص، وهناك اقام المسلحون خنادق وانفاق تحت الارض حتى الان ما زال المسلحون يستعملونها، فيما الجيش السوري يسيطر على المنطقة. ومن باب عمر الى الانشاءات والخليدية في حمص معارك ضارية جرت بين الجيش السوري النظامي والمسلحين.

ولا احد كان يعتقد في سوريا ان مواطنا او حزبا او فريقا يتجرأ على القول لا للنظام، أو يقف في وجه النظام فكيف اذا تحولت الامور الى حرب يشنها فريق كبير من المعارضة السورية المسلحة ضد النظام مباشرة لاسقاط الرئيس بشار الاسد؟ وهذه المعارضة مدعومة من تركيا والاردن وفي ذات الوقت من السعودية ومجلس التعاون الخليجي، اضافة الى دول اوروبا والولايات المتحدة.

النظام في سوريا كاد يسقط بعد اندلاع الحوادث وعدم تقدير جهاز المخابرات للامر، واعتقد ان المسائل هي مظاهرات عادية، لكن مع الوقت اكتشف انها مظاهرات تزداد اسبوعاً بعد اسبوع، ثم تصبح مظاهرات يومية، الى ان وصلت الى حرب شاملة على كل الاراضي السورية.

لماذا لم تعرف المخابرات السورية بالمخطط الذي تم رسمه ضد سوريا وضد النظام، هو سؤال مطروح. فرئاسة اركان الجيش السوري قامت بكل ما بامكانها القيام به وهو القتال ومقاومة المسلحين، والاشتراك في حرب من حدود تركيا الى حدود فلسطين، ومن حدود الاردن الى حدود العراق والسعودية.

لذلك هنالك امر عجيب غريب، وهو ان سوريا التي بنت طوال 40 سنة اجهزة مخابرات لتكشف كل شيء وكانت تكشف كل حادث يحصل في القرية لم تكشف هذه المرة مخططاً رهيباً يقضي بتقسيم سوريا الى دولة علوية ودولة سنية واقامة فوضى فيها وحصول دمار وتخريب بشكل تعود فيه سوريا 50 سنة الى الوراء.

المهم اننا وصلنا الى هنا والحرب الآن هي حرب مدن كبرى وآخر معركة كبيرة جرت في ثاني مدينة في سوريا وهي حلب. وقد خاض الجيش النظامي معركة قاسية جداً، ولولا احراق اسواق حلب القديمة واحتراق المدينة لما خرج المسلحون من داخل المدينة بسهولة، اذ انهم سيطروا على عمق المدينة وداخلها وبات من الصعب اخراجهم منها، لكن الحريق الذي تم وحصل في اسواق حلب القديمة وهي من اغنى تراث المنطقة، أدى الى تقدم الجيش النظامي وسيطرته على حلب، مع العلم ان آلاف القتلى والجرحى سقطوا في معركة حلب دون ان تقوم اي جهة باحصائهم. وكان يتم دفن 400 جثة في اليوم بعد حفر الارض بخنادق طويلة لوضع الجثامين داخل الخنادق لدفنها.

معركة حلب انتهت، لكنها لم تنتهِ نهائياً، فما زال في حلب مسلحين وما زال في ريف حلب مقاومة عنيفة في البلدات والقرى، وصولاً الى الحدود التركية. واعلن التلفزيون السوري ان معارك تجري بعنف في ريف حلب حيث يتم استعمال المدفعية بكثافة مع راجمات الصواريخ لتدمير مراكز المسلحين والمعارضة.

بعد حلب، جاء دور بلدة قوية كانت عاصية دائما على النظام او ضد النظام، وهي معرة النعمان، والقريبة من أدلب وهناك مثلث معرة النعمان، ادلب، جبل الزاوية سهل الغار، حيث هو معقل المقاتلين الحقيقيين في سوريا ضد النظام، والذين يعملون على اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد.

اليوم نشهد معركة معرة النعمان التي هي من اعنف المعارك وهي على المثلث الذي قلنا عنه مثلث معرة النعمان، ادلب جبل الزاوية اضافة الى سهل الغاب، وقطع المسلحون طريق حلب الرئيسية، ويشتبك الجيش مع المسلحين في معرة النعمان، وحتى الان لم يستطع السيطرة الا على جزء بسيط منها، واعترف الناطق باسم الامم المتحدة لحقوق الانسان الذي زار منطقة معرة النعمان من بعيد، وسأل اهالي لاجئين من معرة النعمان، اعترف ان اجانب عرب ومسلمين من القاعدة والاصوليين يقاتلون في معرة النعمان، وانه جرى تسلل حوالي 6 الاف مسلح اجنبي غير سوري الى معرة النعمان من اجل القيام بمعركة عنيفة ضد الجيش النظامي السوري ومحاولة فصل منطقة محافظة ادلب كلها عن سوريا مع جبل الزاوية.

واضاف ضاحكاً، ان هؤلاء الاجانب لم يأتوا الى سوريا من اجل الديموقراطية، وكان عجيبا تصريحه ان عضواً رئيسياً في الامم المتحدة يصرّح بأن الاجانب المقاتلين الذين جاؤوا الى معرة النعمان لم يأتوا اليها من اجل الديموقراطية، مضيفاً انهم ارتكبوا اعمال ذبح وقتل وحشية. ومن اجل العودة الى صحة هذا الخبر نحيلكم الى موقع "ب.ب.س" البريطاني الذي نشر تصريح النائب باسم الامم المتحدة وتفاصيل زيارته لمنطقة معرة النعمان. لكن يبدو ان معركة معرة النعمان ستكون عنيفة، وليست سهلة امام الجيش، ورغم ان حوالي 600 مدفع يشتركون في قصف معرة النعمان ومحيطها، وان راجمات الصواريخ تقصف بكل طاقاتها، لم يستطيع الجيش النظامي التقدم والسيطرة على معرة النعمان، لكن الاشتباكات دائرة ومصير معرة النعمان قد يتقرر خلال اسبوع او اسبوعين ولا ندري متى.

في هذا الوقت، جرت امس معركة بين الجيش النظامي والمسلحين في مدينة ادلب ومحيطها، وقامت طائرات سورية بقصف ادلب بالصواريخ والقنابل، حيث اسكتت رشاشات ثقيلة المسلحين موجودين في المنطقة، لكن احد المدافع الثقيلة لدى المسلحين استطاع اسقاط طائرة ميغ سورية شمالي ادلب، وحتى الان ما يزال قلب المدينة في يد المسلحين بينما الشوارع الرئيسية ومداخل مدينة ادلب في يد الجيش النظامي.

والمعركة القادمة هي مطار تفتاناز، حيث يوجد قاعدة جوية كبرى فيها طائرات حربية حديثة وهي تعتبر من اهم القواعد الجوية في سوريا، والسؤال من اين اتى كل هذا العدد من المسلحين الذي لم يظهر سابقاً وظهر فجأة في معركة حلب حيث دارت معركة على مدى مدينة حلب كلها الى ريف حلب ووصل عدد المقاتلين الى 15 ألف. وفي حمص العدد ذاته حوالي 15 الف عنصر مسلح من المعارضة يقاتلون، وفي معرة النعمان ايضا الرقم قريب لكنه 6 آلاف اجنبي يقاتلون، دون ان نذكر المقاتلين التابعين للمعارضة السورية المسلحة.

وفي ادلب ستكون المعركة أعنف بكثير وكثير، لكن كيف حصل كل ذلك فجأة وشنّ المسلحون هذا الهجوم الكبير من حلب الى معرة النعمان، الى ادلب، والان يتحضّرون للهجوم على مطار تفتاناز الجوية؟

في الجواب ان تركيا افسحت المجال لدول الخليج وافسحت المجال امام عناصر سنية متطرفة جاءت من العراق للدخول الى سوريا، ودخل الى سوريا اكثر من 35 الف خليجي متطرف اصولي ومن العراق دخل ايضا حوالي 10 آلاف اضافة الى الـ35 الف.

ومعركة معرة النعمان هي الاساس الان لكن المعركة الحقيقية ستكون في ادلب فهنالك المدينة الكبرى وعاصمة المنطقة شمال نهر العاصي كلها هي ادلب، ويتطلب الامر قوة كبيرة من الجيش السوري كي يستطيع القتال للسيطرة على هذه المناطق.

كيف حصل الهجوم المفاجىء على المدن السورية ووقعت المفاجأة على الجيش السوري النظامي؟

يبدو ان غرفة عمليات عسكرية موجودة في تركيا يتواجد فيها ضباط اميركيون ومن حلف الناتو ومن تركيا ومن الجيش السوري الحر ومن الاردن يجتمعون في غرفة العمليات العسكرية هذه، وهم الذين خططوا لهذه المعارك التي تدور حالياً على الارض السورية. واعتبروا ان معركتهم في حلب ستكون اساسية للسيطرة على حلب واقامة منطقة كاملة يسيطر عليها المسلحون تمتد من حلب الى الحدود التركية، وعندها ستقع جبال حلب وريف حلب كلها في ايدي المسلحين، وبعد حلب، يأتي دور معرة النعمان ثم ادلب ثم جبل الزاوية، والاحراش التي تصل الى الحدود التركية. ولا يبدو ان الثوار او المسلحين في سوريا هم الذين خططوا لهذه المعارك، بل قدمت لهم اميركا صوراً بالاقمار الاصطناعية وهي وضعت خرائط خاصة، اميركا مع الناتو ومع تركيا ودول عربية قامت بتمويل هذه الحرب هي السعودية ومجلس التعاون الخليجي وقطر، ودفعوا اموالا لتنفيذ هذه الخطة التي لم تنجح في حلب لكنها سببت خسائر كبرى للجميع بما فيه الجيش النظامي الذي استشهد منه الكثير واحدهم يقول ان العدد زاد عن الـ1500 قتيل من الجيش السوري النظامي في معارك حلب وريف حلب وحمص على مدى شهر واسبوع.

غرفة العمليات العسكرية هذه، تبدو انها غرفة عمليات عسكرية من كبار ضباط والمخابرات في الدول العربية، ويبدو ان فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي على علاقة مع هذه الغرفة المنشأة في تركيا، ويقوم النائب عقاب صقر بالانضمام الى الاجتماعات مع ضابط من فرع المعلومات للتنسيق مع هذه القوى في كيفية اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد.

هذه الغرفة التي وضعت الخطة العسكرية فشلت حتى الآن وان كانت نجحت جزئيا في بعض المناطق، والآن يتطلع المراقبون كلهم الى ادلب، ذلك انهم يعتقدون ان الجيش النظامي سيستطيع السيطرة على معرة النعمان ولكن بعد معارك تمتد اسبوع واسبوعين، وقد تأخذ اكثر لانهاء وضع معرة النعمان بلدة ابو العلاء المعرّي، الفيلسوف العربي الكبير.

اما انظار المراقبين فتتجه الى ادلب فهناك المعركة الكبرى، وهناك ساعة الحقيقة والفصل، ومن ينتصر في معركة من هذا النوع، اذا استطاع الجيش النظامي السيطرة على ريف حلب واخماد النشاط العسكري في القضاء على حلب، فان حماة ليست مشكلة كذلك حمص لم تعد مشكلة لا بل اصبحت مركزاً يرتاح فيه الجيش السوري من أجل الانطلاق في بقية المناطق.

أما أدلب فميزان القوى دقيق جداً والمعركة ليست كلمة سهلة، فالجيش النظامي السوري سيحشد 40 الف جندي الى 50 الف جندي للسيطرة على مثلث معرة النعمان، ادلب جبل الزاوية، اما المقاتلون من الطرف الآخر فقد نصبوا انفاقاً وكمائن ووضعوا الغام لمنع الجيش السوري من التقدم الى ادلب اذا انتصر في منطقة معرة النعمان.

امر واضح هو ان الجيش السوري استدعى الاحتياط ووصل عدد الاحتياط الى 105 آلاف جندي انضموا الى الجيش السوري، ثم ان هنالك الجيش الشعبي الذي قوامه 500 الف لكنه غير فعّال نظرا لعدم تدريبه وتسليحه منذ فترة طويلة، لكن تم ادخال الجيش الشعبي لحفظ الامن في البلدات والقرى التي تحتلها قوى كوماندوس وقوى مغاوير سورية من الجيش النظامي. وبذلك يكون التوازن قد حصل بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة المدعومة من كل دول العالم، ما عدا الصين وروسيا وايران والعراق وجزئيا لبنان.

تبقى المعركة القادمة معركة ادلب وجبل الزاوية وعلينا ان ننتظر ماذا سيحصل في مدينة معرة النعمان وهل سيستطيع الجيش النظامي فتح طريق حلب الاستراتيجية لتموين الجيش السوري المنتشر في المنطقة؟

» الابراهيمي: الأولوية هي إنهاء الأزمة في سوريا ومهمتي ستكون صعبة
» بروجردي: سياسة أردوغان تجاه سوريا دعائية وليست في مصلحة دول المنطقة
» "ويكيليكس" يكشف عن تفاصيل محادثات فلسطينية أميركية صعبة -
» هي الحرب الأميركية على سوريا .. وليست ضربة لنظامها ..«الجبهة» من الغوطة إلى واشنطن مروراً بالرياض وأنقرة .. حتى موسكو -
» خطة إسرائيلية: ضرب حزب الله لأسقاط الاتفاق الأميركي ـ الأيراني حرب قصيرة وحاسمة ضد لبنان