هل يغيّر «البركان السوري» حدود سايكس - بيكو؟

هل يغيّر «البركان السوري»
حدود سايكس - بيكو؟
Tuesday, October 16, 2012 - 12:45 AM
نزار عبد القادر

شكلت عدة دول عربية ميدانا لانتفاضات شعبية خلال فترة ما بات يعرف بالربيع العربي اعتباراً من عام 2011. وهزت وغيرت هذه الانتفاضات انظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن، كما تسببت باهتزازات أمنية في المغرب والجزائر والبحرين والاردن، حيث تصرّف حكّام هذه الدول بطرائق مختلفة من اجل احتواء الغضب الشعبي، وتراوحت اساليب المعالجة ما بين اعتماد عدد من الاصلاحات السياسية وبين القمع الامني من اجل احتواء التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، وبالتأكيد لفترة محددة، حيث من المتوقع ان تتجدّد المظاهرات والمطالب بالاصلاح وخصوصاً في البحرين والاردن والجزائر. لكن كانت الامور مختلفة بالنسبة لسوريا في معالجتها لظاهرة الانتفاضة والتي بدأت من درعا مع تظاهرات سلمية تطالب بتحقيق عدد من الاصلاحات، دون المطالبة باسقاط النظام على غرار ما حدث في تونس ومصر وليبيا. لقد واجه نظام بشار الأسد هذه التظاهرات باجراءات عنيفة وغير مبررة، وهذا ما دفع بالمواطنين للتصعيد في مواجهة عنف العمليات الامنية، واللجوء الى حمل السلاح لحماية المدنيين في المدن والقرى التي تعرضت لعمليات قمع بربرية وباهظة الاثمان، وخصوصا لجهة اعداد القتلى والموقوفين والمخطوفين.
فقد نظام بشار الأسد شرعيته الشعبية، كما ادانته جامعة الدول العربية والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ومعظم دول العالم باستثناء روسيا والصين وايران، والتي ولاسباب تتعلق بمصالحها الخاصة قررت مساعدة نظام الأسد ومدته ببعض المساعدات والدعم السياسي والمعنوي. وشكلت ايران مصدراً اساسياً لمد نظام الأسد بمساعدات مالية وعسكرية بما فيها كميات من الاسلحة والذخائر والمستشارين العسكريين. ونجح نظام الأسد في الصمود في مواجهة الضغوط الميدانية التي مارسها الجيش السوري الحر وبعض الحركات المسلحة، وايضاً الضغوط السياسية والاقتصادية التي فرضت ضده عربياً ودوليا مستفداً من مساعدات «الاصدقاء»، ومن دعم بعض الاقليات في المجتمع السوري، من خلال اثارة مشاعر الخوف لدى هذه الاقليات حول ما يمكن ان يواجهونه من اعمال قتل واضطهاد وتهجير اذا سقط النظام الحالي.
لم يكتف الرئيس الأسد باثارة ذعر الاقليات السورية حول تداعيات الازمة السورية بل ذهب الى حد التهديد بحدوث «زلزال» على المستوى الاقليمي، يهدد أمن واستقرار جميع الدول المجاورة لسوريا، وقد يتوسع ليشمل جميع دول الشرق الاوسط.
تثير هذه «الخلطة» من التداخلات الجيو - سياسية والديمغرافية التي تمثلها سوريا بالاضافة الى مشاعر الذعر التي سعى النظام لاثارتها لدى الاقليات، معطوفة على موقع سوريا المركزي في جغرافيا الشرق الاوسط، والى ما شهدته من احداث وتطورات في تاريخها الوسيط والحديث، العديد من الشكوك والمخاوف حول ما يمكن ان تتسبب به من تداعيات على دول الجوار، وعلى المنطقة. لم تعد ابعاد الازمة التي تشهدها سوريا محدودة بأعمال العنف التي يمارسها نظام بشار الاسد «البعثي» ضد الشعب السوري بل تعدت ذلك الى استحضار التقلبات والاحداث الجسام التي شهدتها سوريا في القرون والعقود الماضية بدءاً من القرن الحادي عشر ووصولاً الى نهاية الحرب العالمية الاولى، وفترة الانتداب الفرنسي. في القرن الحادي عشر كانت سوريا مقسمة الى مجموعة من الامارات والمقاطعات المستقلة، التي تدين «إسمياً» بالولاء للخليفة العباسي، وذلك الى حين بدء الغزوات الصليبية، حيث خضعت لسلطة صلاح الدين ومن ثم لسلطة المماليك، والتي استمرت الى حين الغزو العثماني، والذي اخضعها وقسّمها الى عدةولايات شبه مستقلة، ومتحاربة فيما بينها في اغلب الاحيان. ما يزيد من المخاوف والذعر الذي سعى بشار الأسد الى اثارته داخل سوريا وعلى دول المنطقة يُركز على محاولاته لاستقطاب الاقليات لدعم نظامه والقتال الى جانبه. وتعيد هذه المحاولة الى الذاكرة تاريخ سوريا الحديث في فترة التقاسم الانكليزي - الفرنسي للنفوذ والمصالح في المنطقة بعد سقوط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى.
بدأت «المأساة» السورية ومأساة المنطقة مع اتفاق «سايكس - بيكو» الذي وقعته بريطانيا مع فرنسا في ايار 1916، والذي نصّ على تقاسم النفوذ والمصالح في مناطق واسعة من السلطنة العثمانية بما فيها دول المشرق العربي، والتي تضم بلاد الشام، وشبه الجزيرة العربية ووادي النيل (اي مصر حالياً). عملت سلطات الانتداب الفرنسي بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وبعد توقيع معاهدة «سانت ريمو» على اقامة سلطات انتداب على بلاد الشام، وحاولت تقسيمها الى دويلات اقليمية، ووفق خطوط التقسيم الديمغرافي للاقليات.
سلخت اتفاقية «سايكس - بيكو» عدة مناطق عما كان يعرف تاريخياً ببلاد الشام وابرزها فلسطين، والعراق، ولبنان الكبير ولواء الاسكندرون وهكذا خسرت سوريا لاحقاً وبموجب قرارات صادرة عن السلطات الاستعمارية المنتدبة جميع هذه المناطق.
حاولت سلطات الانتداب الفرنسي لاحقاً تفتيت سوريا واضعافها فعملت على استثارة المصالح والمشاعر المناطقية والطائفية - المذهبية وذلك من خلال العمل على انشاء اربع دويلات في ما تبقى من بلاد الشام، وكانت هناك دولة دمشق ودولة حلب والدولة العلوية على الساحل والدولة الدرزية في جبل العرب في الجنوب. وهناك الان تساؤلات حول مفاعيل مشاعر الذعر التي يعمل نظام الاسد على اثارتها لدى العلويين والدروز والمسيحيين من مخاطر المد السني الاسلامي في حال سقوط نظامه، هل يحاول النظام السوري من جديد تقسيم سوريا الى دويلات وفق الخطوط التي سعى اليها المستعمر الفرنسي؟
نالت سوريا نصيبها من المواجهات بين الاقليتين العلوية والدرزية وبين السلطات الفرنسية، حيث نجح التيار الوطني المطالب بالاستقلال في نيل استقلال سوريا كبلد موحد، وذلك بعد نيل لبنان استقلاله. صحيح ان سوريا قد حصلت على الاستقلال ضمن حدودها الجغرافية الراهنة، ولكنها لم تحقق الدولة المستقلة بالمعنى الحديث لمفهوم الدولة، حيث وقعت ضحية الانقلابات العسكرية المتلاحقة، والتي كان آخرها الانقلاب الذي قاده حافظ الاسد ضد زملائه في حزب البعث من خلال ما بات يعرف لاحقاً بالحركة التصحيحية، والتي حكم فيها سوريا مع وريثه بشارالاسد لفترة 42 عاماً. وتميزت هذه الفترة بصعود قوي للعلويين والاقليات الى دائرة النفوذ والمواقع الرئيسية في الدولة، كما عهد للاجهزة الامنية التي تشكلت فرض سياسة «القبضة الفولاذية» على الشعب ومؤسسات الدولة.
في الاساس لم تنص اتفاقية «سايكس - بيكو» على تقسيم المشرق العربي الى دويلات بدل الدولة الموحدة التي جرى الاتفاق على انشائها في نهاية الحرب العالمية الاولى وذلك ضمن وعود «موثقة» ارسلت الى الشريف حسين او خلال المحادثات التي اجريت مع الشريف فيصل. ولكن التفتيت السياسي وترسيم الحدود الراهنة قد جاءت نتيجة قرارات سلطات الانتداب الفرنسي والبريطاني، التي تقاسمت المنطقة بموجب مباحثات باريس ومباحثات سانت ريمو وباعتراف لاحق من عصبة الامم. وكانت النتجة اتباع السلطات «المستعمرة» وتحقيق مبدأ «فرّق تسد» لتأمين مصاحلها واطالة فترة الاستعمار، وعود قطعتها بعض الاقليات كالمسيحيين في لبنان لاقامة دولة لبنان، الكبير تحت سيطرة المسيحيين الموارنة، وللحركة الصهيونية العالمية باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. كما جرى بنتيجة اتفاقية سايكس - بيكو انشاء دولتين جديدتين في العراق والاردن، لتبقى سوريا ضمن حدودها الراهنة بعد ان سلخت عنها بعض المناطق لصالح تركيا. في الواقع فان جميع الحدود الجغرافية القائمة الآن في هذا المشرق العربي هي نيتجة مباشرة لاتفاقيات سايكس - بيكو والتي قسّمت المنطقة الى مناطق نفوذ واحتلال (A) للفرنسيين و(B) للانكليز والتي جرى تقسيمها لاحقا الى مستعمرات، افضت الى انشاء الدول بحدودها الراهنة.
تشكل سوريا نقطة المركز في النظام الاقليمي الذي خلفته اتفاقية سايكس - بيكو وما تبعها من اتفاقيات وقرارات دولية وفرنسية وبريطانية. اعطت مركزية الموقع ودور سوريا الاقليمي في الصراع العربي - الاسرائيلي وفي الحروب والازمات التي شهدتها المنطقة اهمية خاصة للدور السوري في الحفاظ على السلام والاستقرار الاقليميين، وهذا ما اكدته الحرب اللبنانية، وما شهده العراق من اختلالات بعد الغزو الاميركي عام 2003، وايضا التنافس الايراني - التركي على كسب ودّ وصداقة النظام السوري، من اجل استعمال سوريا كجسر لعبور نفوذهما الى المشرق العربي.
حاول الرئيس بشار الاسد استعمال هذا الموقع الجغرافي الفريد، مع كل ما تتضمنه الديمغرافيا السورية من اقليات من اجل حماية نظامه من تداعيات الثورة الداخلية، المدعومة من تركيا والغرب ومعظم الدول العربية من خلال التهديد بتفجير المنطقة وبالتالي اعادة رسم الحدود التي انتجها اتفاق سايكس - بيكو. سنحاول في تحليل لاحق دراسة احتمالات ومخاطر احداث تغييرات جيو- سياسية اقليمية انطلاقاً من نتائج الازمة السورية.

» الخلافات التركية ـ الإيرانية وتغيير خريطة سايكس ـ بيكو
» هل هذه هي نهاية اتفاقية "سايكس – بيكو"؟
» الوحوش الملتحية.. ونهاية سايكس بيكو؟
» “جنيف – 2″.. من سايكس – بيكو إلى كيري – لافروف
» هل هناك سايكس بيكو جديد؟ ....محمد صادق الحسيني