سعودية وعشقي سوريا مراقبة عامة
عدد المساهمات : 29420 تاريخ التسجيل : 17/05/2012
| موضوع: اردوغان واوهام السلطان - سامر ديب الجمعة أكتوبر 12, 2012 2:55 am | |
| اردوغان واوهام السلطان - سامر ديب
من المستحيل أن نتأمل قيام مثل هذه الدولة بمثل هذا الدور دون اي ثمن على دورها . وقد يكون هذا الثمن مدفوع سلفا. ومن المؤكد أنه في حالة الثمن المدفوع سلفاً لن تكون هناك حساسية خاصة تجاه مسألة النجاح أو الفشل , أما إذا كان الثمن آجلاً ومتوقفاً على النجاح
الجالة الثانية تبدو هي المشكلة التي يعاني منها أردوغان . فهو عرضةٌ في حال الفشل ليس فقط إلى خسارة ما كان يطمع بالحصول عليه , ولكنه سيخسر دوره كحاكم أيضاً , ولن يجد من ينقذه أو يعوّض عليه .
منذ أن لاحت بوادر فشل المؤامرة على سوريا , وأردوغان يحاول دفع الأمور باتجاه إثارة حرب مفتوحة مع سوريا . لكنه لسبب أو لآخر يخشى خوضها منفرداً , فيحاول جرّ حلف الناتو ليسير معه إلى الحرب , بينما آثر حلف الناتو حتى الآن استبعاد هذا الخيار لأسباب معلومة . وهذا ما يجعل عصبية أردوغان تزداد .
وفي ذات السياق , يبدو أن أردوغان يفكر بصيغة وحيدة يراها ممكنة لجرّ الناتو إلى جانبه , وهي أن يستدرج هجوماً سورياً على الأراضي التركية . لكن المنطق السوري بمواجهة أردوغان , كان طوال الوقت واضحاً وصريحا , وهو أن سوريا أعدت قواتها لمواجهة العدو الصهيوني الذي يحتل جزءاً من أراضيها مثلما يحتل الأراضي الفلسطينية , وأنها ليست في وارد التفكير بإدارة ظهرها لهذا العدو لتجعل من تركيا عدوّاً !! , حيث أن تركيا في نهاية المطاف بلد إسلامي , ثم إنها جزء من نسيج المنطقة الحضاري وليست كياناً استيطانياً عدوانياً مصطنعاً . وإذا كانت حكومة تركيا الآن تختار سبيل المبادرة غير المبررة منطقياً بالعداء , فإن الشعب التركي الصديق , بل والشقيق , باقٍ , وأمّا حكوماته فتتبدّل ومعها تتبدّل السياسات . وإن حرباً مع تركيا بغض النظر عن الطرف المنتصر فيها ستكون خسارة مؤكدة للشعبين الجارين . وهذه الخسارة ستخدم العدو الصهيوني وخططه العدوانية التوسعية .
من المؤكد أن أردوغان يفهم دوافع الموقف السوري جيداً , وأنها لا تريد هذه الحرب حتى ولو كان انتصارها فيها مؤكداً , حيث أن الانتصار في مثل هذه الحالة خسارة . لكنه ليس مستعداً للقبول بهذا المنطق . بل إن هذا المنطق يجعله يستشيط غضباً , لأنه يسحبُ منه الذرائع , ويفضح حقيقة سلوكه العدواني ودوافع هذا السلوك أمام الشعب التركي الذي يرفض بدوره جرّه إلى حرب الإخوة مهما كانت نتائجها . كما أن الشعب التركي يرفض الاستقواء بالأجنبي لشنّ مثل هذه الحرب التي ستلحق الأذى بالجارين لحساب القوى الأجنبية . ولهذا يحاول أردوغان بكل السبل والوسائل أن يستدرّ عواطف الشعب التركي , وأن يستثير عصبيته , وأن يجعله يدق له طبول الحرب , مستهيناً بعقول المواطنين الأتراك ووعيهم . ولكن أردوغان , وهو يفعل ذلك , يتجاهل حقيقة أن مخاطبة الغرائز من شأنها أن تنمّي الحساسيات بين فئات الشعب التركي الإثنية والطائفية والمذهبية في بلد يتصف بالتعددية , وقد تسهم في إثارة الفتن بين هذه المكونات عدا عن الصراع المرير الدائر مع حزب العمال الكردستاني منذ أكثر من عقدين من الزمن .
وفوق هذا كله بات الشعب التركي واعياً لحقيقة أن حرب الإرهاب التي يساهم أردوغان مع أطراف أخرى تتراوح بين الأعراب والأغراب في إدارتها ضد الشعب السوري هي حربٌ إجرامية وغير عادلة . وبالتالي , فإن ما يعني الشعب التركي أن يحاسب حكومته على انخراطها في أداء دور رأس الرمح ومخلب القط في هذه الحرب وليس مجاراتها في جنونها .
ولو أنّ لدى أردوغان أقل القليل من القدرة على التفكير المنطقي , وقراءة صراع الإرادات وحسابات القوى , لأدرك أنه كما أن مشروع إقامة إسرائيل في هذه المنطقة تسبّب في تكالب الاستعمار الغربي على سلطنة آل عثمان لتقويضها خلال الحرب العالمية الأولى , فإن تمكين إسرائيل من تحقيق حلمها التوسعي سيجعلها معنيّة بألا تكون إلى جانبها دولة إسلامية قوية سواء كانت عثمانية أو غير عثمانية , وأن تفتيت المنطقة المحيطة بـ " إسرائيل الكبرى " سيظل ضمانة استمرارها . وبالتالي , فإن السمّ الزعام الذي يقوم أردوغان بتجريعه لسوريا الآن سيكون على تركيا أن تتجرّعه في المرحلة القادمة , وعلى أيدي إسرائيل ومعها أمريكا وكل دول حلف الناتو .
إن تركيا إذ تحاول اغتيال قوة سوريا ووحدتها إنما تغتال قوة تركيا ووحدتها . وإن لعبة أردوغان بكل المقاييس هي لعبة مدمّرة لا ينصب خطرها التدميري على سوريا وحدها بل يطال تركيا أيضاً . وليفهم من يصعب عليه أن يفهم بسهولة أن أنماط استفزاز وابتزاز وتخريب وتدمير وقتل مثل التي يمارسها أردوغان وشركاؤه الآن قد تتسبّب في الوصول إلى لحظة ما " يصير فيها العقل في الكفّ " .
وعندئذٍ , لن تواجه تركيا ودول أخرى منخرطة في المؤامرة غير تركيا مشكلة سقوط قذيفة طائشة , بل ستواجه كلها مشكلة الطيش الإنساني المدمّر حين يفرض على الإنسان السوي أن يواجه وحوشاً شرسة مفترسة خلت من كل حس إنساني . فلعبة أردوغان المدمرة هي لعبة مدمرة ومن المستحيل أن تكون سورية وحدها هي الضحية وأن ينجو الأخرون .
| |
|