بالتفاصيل: هكذا أفشلت العمليات الاستباقية للجيش السوري خطط اسقاط سورياأمين حطيط – الثورة
لم نكن بحاجة إلى حدث إضافي يثبت المشاركة الإسرائيلية الفاعلة في العدوان الذي يشن على سورية منذ نيف وأربع سنين. فقد كانت إسرائيل ومنذ الأيام الأولى للعدوان شريكا رئيسيا فيه وفي كل خططه بدءا بخطة الإخوان مرورا بخطة الوهابية السعودية وصولا إلى خطة داعش، وقد كان الدور الإسرائيلي في كل مرة يلعب بحجم وشكل يتناسب وطبيعة المرحلة وهوية القائمين على تنفيذها، لكن كانت إسرائيل في كل المراحل السابقة تتخفى خلف أقنعه وقفازات لتتيح القول زورا بان ما يجري في سورية هو ” ثورة”.
ورغم أن المساهمات الميدانية العلنية الإسرائيلية المحدودة كانت بالنسبة للمتابع المحترف كافية للقطع بعمق التدخل الإسرائيلي إلا أن إسرائيل كانت تنجح بإقناع البسطاء حتى والعاديين من الناس بما تقدمه من تبرير لتدخلها الذي كانت تصفه مرة بانه لمنع نقل السلاح إلى حزب الله ومرة تكسيه لباسا إنسانيا تدعي عبره بدوافعه الإنسانية بما يذكر بخدعة “الجدار الطيب “الذي أقامته في لبنان فاستعملته ظاهرا لتقديم خدمات طبية و لوجستية معيشة ، أما غايته فكانت إخفاء حقيقة إسرائيل و طبيعتها العدوانية الغاصبة، لفتح طريق التطبيع معها.
أما الآن فيبدو أن إسرائيل كما بقية أركان العدوان على سورية وصلت إلى حقيقة حاسمة مفادها بان الأدوات العاملة في الميدان وصلت إلى حال العجز عن متابعة المواجهة خاصة بعد الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدتها سورية في حربها الدفاعية، استراتيجية قامت على العمليات الاستباقية خلافا للمراحل السابقة التي كانت تتم بمنطق الدفاع والتطهير الذي يتوسل أحيانا الهجوم في معرض الدفاع.
ونذكر بان العملية أو الحرب الاستباقية هي العمل العسكري الذي ينفذه أحد الطرفين في الميدان ضد الطرف الآخر بعد أن تكون قد تشكلت لديه قناعة بان هذا الطرف يعد لعمل هجومي ما، فيعاجله بضربة تمنعه من استكمال تحضيرات هجومه، فيجهض خطته قبل أن تكتمل ويمنعه من الوصول إلى ساعة الصفر التي حددها للانطلاق.
وتتطلب العمليات الاستباقية قدرات مميزة خاصة تفوق ما يستلزمه العمل الدفاعي العادي ، أو العمل الهجومي التقليدي، و لذا لا يمكن أن ينفذها إلا طرف يملك القدرة على الوصول إلى ثنايا الميدان و تفاصيله و معرفة ما يدور عليه و ما يحاك فيه ، ما يعني امتلاك القدرة الاستخبارية الفائقة ، و القدرة العملانية المميزة الكافية لإلحاق التدمير الاجتثاثي بتحضيرات العدو لمنعه من الهجوم الذي يحضر له ، كما تتطلب جهوزية وقدرة تمكن القوى التي نفذت العملية الاستباقية من احتواء ردات الفعل المعادية المحتملة ، وبالتالي لا يقوم بالعمل الاستباقي إلا الطرف الذي يمتلك ثقة عالية باستطلاعه و استخباراته و قواته الهجومية و جهازه الدفاعي أيضا ، أي طرف يثق بتفوقه في الميدان .
ولان سورية، باتت في حربها الدفاعية على ثقة تامة من امتلاكها مستلزمات الحرب أو العمليات الاستباقية كما فصلنا أعلاه، فإنها انطلقت في تنفيذ هذه العمليات بتخطيط ومنهجية علمية خاصة على الجبهة الجنوبية التي كانت تتحضر لإطلاق الخطة الرابعة من العدوان المستندة إلى عمل منسق تشارك فيه مع الإرهابيين كل من الأردن وإسرائيل.
لقد كان للعمليات الاستباقية السورية التي شنت وعلى مرحلتيها منذ نيف وشهر وأدت إلى فصل ريف درعا عن ريف القنيطرة وقطعت الطريق على الإرهابيين باتجاه دمشق كان لهذه العمليات مفاعيل استراتيجية هامة تمثلت كما يبدو بتراجع أردني عن المتابعة العلنية في المهمة، ما قاد وزير الخارجية الأردني إلى إيران في زيارة تحمل في ثناياها ادعاء بالتنصل من العمل العدواني المباشر ضد سورية، كما حملت أميركا على الإقرار بقوة سورية وموقعها وتجنب مواصلة السعي لإسقاط حكومتها كما جاء على لسان مدير أل سي أي إيي.
أما إسرائيل التي تلقت الصفعة القاسية في مزارع شبعا على يد المقاومة فقد رات أن المشروع العدواني ينهار وان محور المقاومة يتقدم ، فقررت كما يبدو الانخراط اكثر علانية في العدوان وطورت مساهمتها التدريبية والنارية واللوجستية إلى مشاركة مباشرة في قيادة العمليات ، وهنا كان للعمليات الاستباقية السورية دور اخر في الكشف عن الدور الإسرائيلي الميداني هذا عبر استهداف غرفة القيادة الميدانية للإرهابيين في القنيطرة ، حيث تبين أن ضابط إسرائيلي كان يقودها فلاقى حتفه بنيران الطائرات السورية التي قصفت مركز القيادة ذاك فأسقطت القيادة الميدانية مع القناع الإسرائيلي و صمتت إسرائيل .
إن العدو الإسرائيلي الذي يعرف ماذا يعني انطلاق سورية في عمليات استباقية رأى الحاجة لإلقاء ثقله في الميدان والتصرف تصرف الشريك الكامل العضوية في العدوان من اجل:
1) تثبيت الإرهابيين في مواقعهم ورفع معنوياتهم وإشعارهم بأنهم ليسوا متروكين وحدهم
2) ضمان عدم انهيار الجبهة ومنع تقدم الجيش العربي السوري للتماس المباشر مع القوات الإسرائيلية في الجولان المحتل بعد أن انسحبت قوات الاندوف من المنطقة العازلة.
3) كبح جماح المندفعين للتسليم بانتصار سورية ومحورها.
4) التعويض عن الحرب المباشرة التي تخشى إسرائيل الدخول فيها لأنها على قناعة بان اندلاعها لن يكون في مصلحتها.
وبذلك تكون العمليات الاستباقية التي نفذها الجيش العربي السوري قد حققت أغراضا استراتيجية وعملانية كبرى فهي بعد أن أكدت مدى قدرات الجيش وحلفائه ألزمت أميركا بالاعتراف بموقع الحكومة السورية وقوتها وعدم القدرة على تجاوزها وهو إقرار ضمني بالهزيمة وحملت إسرائيل على إسقاط قناعها وفضحت مشاركتها الميدانية في العدوان، فضلا عن أنها أجهضت ما يخطط انطلاقا من الجنوب بقيادة إسرائيلية مباشرة.