الكشف عن رواية تفجير «خلية الأزمة» في دمشق 2012عندما استوقف دبلوماسي فرنسي مطلع تموز ٢٠١٢ ، صحافيين احدهما فرنسي والاخر عربي ، بالقرب من مقهى يجاور مبنى الخارجية الفرنسية ، كانت اضواء مؤتمر اصدقاء سوريا قد خمدت في مركز المؤتمرات ، بعد يومين مجهدين من نقاش اوحى لمن حضروا ، ان اسقاط الرئيس الاسد ، امر لا مفر منه . اسلم الثنائي الصحافي الدبلوماسي النقاش ، لطقس العطلة الصيفية المقدس ، في تموز ، ومواعيدها وشواطئها. وخروجا عن مآلوف اللغة الخشبية في قاعات الكي دورسيه ، افصح الدبلوماسي عن مكنونات صدره ، ونصح الصحافيين ، بالتآني في حزم حقائب الصيف ، لان حدثا كبيرا ينتظر تموز .
كانت رهانات اسقاط الرئيس بشار الاسد في باريس وبين اصدقاء سوريا ، قد تحولت الى مسالة وقت لا اكثر . جاء انشقاق العميد مناف طلاس قائد اللواء ١٠٥ في الحرس الجمهوري ، في اليوم الثاني للمؤتمر في السابع من تموز ، ليحول الرهان الى شبه يقين ، حتى ان وزير الخارجية الفرنسية ، لوران فابيوس ، كان يهمس باسم العميد طلاس ، رئيسا مقبلا لسوريا ، قبل ان تطأ قدماه الاراضي الفرنسية.
ولم يجادل وزير الخارجية القطري رئيس الوزراء حمد بن جاسم ، من طالبوه من المؤتمرين ، بتوخي المرونة في لغة البيان الختامي تجاه الرئيس الاسد، بالدعوة الى التفاوض معه شكليا ، بدلا من طلب تنحيه على الفور. نقل مسؤول فرنسي كبير عن بن جاسم قوله للمجتمعين ” انه لافرق لدينا في لغة البيان ولا في محتواه ، لأن الرئيس الاسد لن يكون باي حال ، في القصر الجمهوري ، عندما يحل شهر ايلول “.
لم يطل الوقت ، كي تتداعى الى الذهن بسرعة ، نصائح الدبلوماسي الفرنسي بالبقاء على جبهة العمل الباريسي ، ولتتضح دوافع لامبالاة الوزير القطري بلغة بيان اصدقاء سوريا . ففي ظهيرة الثامن عشر من تموز ، دوى انفجار هائل في مبنى الامن القومي السوري . وعندما انقشع الدخان عن المبنى ، كانت خلية ادارة الازمة ، التي تعضد الرئيس الاسد في قيادة العمليات العسكرية والامنية ، قد شطبت كليا . اتى الانفجار على رئيس الخلية ونائب الرئيس للشؤؤن العسكرية العماد حسن تركماني، وعلى وزير الدفاع داوود راجحة ، ونائبه اصف شوكت ، زوج شقيقة الرئيس ، بشرى الاسد . وقتل رئيس مكتب الامن القومي هشام بختيار ، ووحده وزير الداخلية محمد الشعار نجا ، رغم اصابته بحروق وجروح. وتكفلت شبكة الفضائيات الخليجية ، بزرع الارباك ، وبث اخبار مقتل العميد ماهر الاسد ، قائد التشكيل ٤١ في الفرقة الرابعة المدرعة ، التي تقوم بحماية العاصمة . كما قتل الطرق الاعلامي قاسم سليماني ، وحافظ مخلوف ، وقام بتهريب زوجة الرئيس اسماء الاسد ، وعائلتها عبر مطار دمشق .. المقفل .
نظم الاميركيون كل شيئ. ووزع البيت الابيض على الفور ، بيانا عن اتصال هاتفي بين فلاديمير بوتين وباراك اوباما ، يوضح بسرعة تخلي الحليف الروسي عن الرئيس الاسد ، وذهوله من العملية ، وتسليمه بقرب سقوط النظام . قال البيان ان “الرئيسين لفتا إلى ارتفاع وتيرة العنف في سوريا، واتفقا على ضرورة دعم حصول عملية انتقال سياسي في أسرع وقت ممكن، تحقق هدفنا المشترك بوقف العنف وتجنب مزيد من تدهور الأوضاع ” . وهو بيان لم يتكرر فيما بعد . وفي كونفال التصريحات التي كانت تنعي النظام السوري ، بدا نافرا لدى المعسكر المعادي لدمشق ما قاله الملك عبدالله الثاني الاردني ” الضوبة هزت اركان النظام ، ولكن الاسد لن يسقط ” .
وميدانيا ، كانت وحدات من الجيش الحر ، تبدا عملية بركان دمشق ، فيما بدا الهجوم الاخير ، الذي تسللت فيه وحدات عبر التضامن والميدان ، جنوب دمشق ، للوصول الى هضاب قاسيون ، حيث يربض القصر الرئاسي . كان للانفجار ، ان يرسل اشارة الهجوم النهائي على دمشق فحسب ، وان يدفع بالعشرات من الضباط والجنود حول المدينة نحو اكبر موجات الانشقاق التي سيشهدها الجيش السوري . والتي بلغت ٣ بالمئة من الضباط ، ولكنها لم تستطع ان تدفع نحو الانشقاق ، وحدات كاملة ، وهو احد الاسباب التي ستؤدي فيما بعد الى اخفاق الهجوم على دمشق .
وفتح العقيد محمود البرادن ، مع ستين من جنوده اسلحة قسم التضامن ، الذي يديره الى عناصر مدنية ، وصلت قبل ساعة من لانفجار في مبنى الامن القومي ، بانتظار ساعة الصفر ، لدخول العاصمة من منطقة الميدان . وعمل نائب قائد المنطقة الجنوبية العميد الركن زكي لوله على عرقلة عمليات السيطرة ، في قيادة الاركان ، قبل ان يضطر الى الخروج منها ، والالتحاق بالمنشقين ، في تركيا .
من نظم العملية ؟
كان الفرنسيون والقطريون والاتراك على علم بان عملية ضخمة قد تودي بالنظام ، قد دخلت مرحلة التنفيذ . ولكن الجهة التي كانت تعد للعملية لم تكشف للحلفاء الكثير من التفاصيل ، واكتفت باعلامهم بطبيعة العمل لا اكثر. يقول مصدر فرنسي مطلع ان قسم مكافحة الارهاب في المخابرات الاميركية ، هو الذي تولى منذ بداية العام ٢٠١٢ التحضير للعملية ، بعد ان اعطى الرئيس اوباما موافقته . تولى جون برينان ، تنسيق مكافحة الارهاب في البيت الابيض . كان برينان يتبع مباشرة للرئيس باراك اوباما . وكان لبرينان ، تاثير كبير على الرئيس اوباما الذي عينه فيما بعد رئيسا للسي اي اي ، وهو الرجل الذي اعطى الضوء الاخضر للكثير من العملبات السرية التي كانت تقوم بها ” القيادة المشتركة لعمليات الكومندوس ” التي لا تتبع للسي اي اي ، ولكن للرئيس مباشرة ، والبنتاغون .
تقوم هذه القوة ، بتنفيذ جزء من عملياتها عبر الشركات الامنية الخاصة . تعمل احيانا مع السي اي اي ، والهدف هو الالتفاف على رقابة مجلس الشيوخ . تحاشى برينان تقديم اي تقرير عن العملية ، لديانا فلنشتاين ، رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ . ويقول المسؤول الامني الفرنسي ان شركات اميركية امنية خاصة متمركزة في الامارات العربية ، تقدم المشورة والعون للاجهزة الاميركية ، لتنفيذ عمليات عسكرية وامنية في مسارح عملياتها التي تشمل العراق وسوريا ولبنان .
ويقول المسؤول الفرنسي الامني السابق ” كنا نعلم في تلك المرحلة انهم يحضرون لعملية كبيرة في سوريا . كانوا يعملون على خلق حالة ارتباك كبيرة في قلب دائرة القرار السورية . وكان لكرة الثلج ان تتدحرج من الانفجار ، الى الهجوم على العاصمة ، من خلال منافذها الجنوبية ، لكي ينتشر الذعر في صفوف الجيش ، وتتفكك الاجهزة الامنية ، كان الاميركيون يعتقدون مثلنا بحظوظ مناف طلاس للصعود محل الاسد ، فيما كان لوران فابيوس يعينه سريعا للرئيس للجمهورية و لكنهم لم يكشفوا له خطتهم ، وكان دور الاجهزة الفرنسية هو اخراجه من سوريا عبر لبنان ، فحسب”.
كان الرئيس اوباما على علم بالعملية ، ولكنه لم يصل الى مسامعه كل التفاصيل . كل ما اراده الرئيس ، في مرحلة التحضير للعملية ، الا يكون اي مواطن اميركي متورط مباشرة فيها ، فذا ما اضطر للشهادة مستقبلا امام اي لجنة في الكونغرس او غيره فبامكانه ، القول انه يجهل كل التفاصيل ، لكنه كان على علم بالهدف ، وقد وافق عليه . كما كان الرئيس الاميركي على علم باتصالات جرت مع جنرالات سوريين ، واسمائهم ، وان الهدف هو اعداد انقلاب عسكري من الداخل .
كان الحديث قد جرى عن اجراء اتصال بآصف شوكت ، قبل تنفيذ عملية الثامن عشر من تموز . ولكن نائب وزير الدفاع السوري ، لم يكن خيارا اميركيا . يقول المسؤول الفرنسي السابق ان ” الاميركيين لا يثقون به ، لانه لا يمكن السيطرة عليه ،ومن نفذ العملية في النهاية ، لم يكن يعتقد انه قد يشكل بديلا ” فتغير الموقف .
كان الاعداد ، قد بدآ عن طريق مسؤول امني لبناني سابق . كان الرجل قد ساعد الاميركيين في الايام الاولى للازمة السورية . كانت الاسلحة القادمجة من تركيا ، او ليبيا ، تعبر من مرفآ طرابلس اللبناني ، ومنها الى حمص ، تحت انظار مرؤوسيه ، وبرعايتهم ، دون ان يتحرك احد لوقفها. ويقول المسؤول ان صفقات اسلحة عقدت باسم جهات رسمية لبنانية ، لتسهيل تزويد المعارضين لها ، كانت تضم صواريخ مضادة للدبابات ، لا تدخل عادة في نطاق اختصاصها ، ولا تسليحها ، لكنها كانت تعبر الى معاقل المسلحين القريبة من حمص .
كان جهات امنية لبنانية ، تعمل منذ العام ٢٠٠٦ ، على انشاء شبكة لها في سوريا ، وبالتفاهم مع المخابرات الاميركية والسعودية ، وبالتنسيق معها . فبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، يقول معارض سوري بارز ” تلقينا عروضا لاقامة اتصالات مع مسؤرل امني لبناني ، قال انه يعمل بالتنسيق مع بندر بن سلطان ” . قال الوسيط الذي كان يتصل بمعارضين سوريين في الخارج ، انه مكلف من قبل الامير بندر بن سلطان ، رئيس المخابرات السعودية ، بتنظيم المعارضة السورية ، ودعمها ” زودنا برقم المسؤول اللبناني ، وطلب منا التحدث اليه ، وقدم لنا تصورا سيساسيا متكاملا ، لما ينبغي عليه ان تكون سوريا المستقبل ، مع نصوص دستورية جديدة ، وبرنامج عمل سياسي جاهز ” .
كانت قيادة العملية ، كانت اتخذت لها مقرا في انطاكيا . اما الجزء المنفذ ، فكان يعمل انطلاقا من منطقة الزبداني القريبة من دمشق . كانت الشبكة قد توصلت مبكرا الى الاتصال ، باحد مرافقي هشام بختيار ، رئيس مكتب الامن القومي . يتحدر المرافق من قرية مضايا ، على ما تقوله معلومات عربية . كان الرجل يملك موافقة امنية مفتوحة تخوله الدخول الى المقر ، متجاوزا اجراءات المراقبة والتفتيش المعتادة. وخلال اسابيع كانت الشبكة قد نقلت الى مضايا ، عبر الزبداني ، اقراص السيفور ، الشديدة الانفجار . كما نقلت اجهزة التفجير عن بعد . وتدريجيا ، كان المرافق يقوم بادخالها الى مقر مكتب الامن القومي ، فيما تولت جهة لبنانية التنسيق بينه وبين مقر العملية والمتابعة في انطاكيا.
في الثامن عشر من تموز ، كانت خطة بركان دمشق قد اكتملت . كانت شبكة الانشقاق قد نضجت . وعندما دوى الانفجار ، تحركت المجموعات المسلحة ، من قلب العاصمة ، لكن الصدمة لم تكن كافية ، لخلخة اسس النظام ” منذ ذلك الحين تخلى الاميركيون، يقول المسؤول الفرنسي ، عن اي محاولة جدية ، لاسقاط النظام ، ابلغوا الجميع ، انهم قاموا بما عليهم ، وان لا سبيل فعلا للقيام باي محاولة اخرى ” .
السفير