[rtl]
واشنطن بوست: سياسة واشنطن الخارجية ساهمت في نشوء تنظيم"داعش"[/rtl]
قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن من يظن أن نشأة تنظيم داعش الإرهابي العام الماضي جاءت عن عدم فهو مخطئ، فتكتيك التنظيم وأساليبه الوحشية وضعته في مكانة أبعد عن معظم الجماعات المتطرفة الأخرى، إن لم يكن ما يتبعوه غير مسبوق على الإطلاق.
وأضافت الصحيفة في تقرير نشرته في نسختها الإلكترونية، اليوم الأربعاء، أن الأبحاث الدولية أظهرت مرارا وتكرارا أن نشأة أي تنظيم تكون بطيئة وبشكل تدريجي، مع العديد من البذور المهمة التي زرعت منذ سنوات قبل صعودهم، وأن تلك البذور الخاصة بداعش أصبحت واضحة في الآونة الأخيرة.
ورصدت وثيقة جديدة لمعهد بروكينجز، كتبت بواسطة المختص كول بونزيل، الخبير في شئون داعش في جامعة برينستون، والتي يبين بها أن أكثر المفاهيم القوية والمثيرة للتنظيم - الذي نصب نفسه كـ”خلافة” في العراق- امتدت إلى الوراء لأكثر من عقد من الزمان، وتشبعت إلى حد كبير بالسياق الحديث للجماعات الجهادية في القرن الـ21.
والأهم من ذلك، وجد بونزيل أن ثلاثة إجراءات اتبعتها السياسة الخارجية الأخيرة للولايات المتحدة ساعدت دون قصد في تهيئة الظروف التي من شأنها أن تسمح لـما وصفته الصحيفة بـ”الخلافة” بتنصيب نفسها في الشرق الأوسط لتظهر في حيز الوجود، وهنا يفسر كيف انتقلت الخلافة وداعش من فكرة قاتمة إلى واقع مرير في ما يزيد قليلا على عقد من الزمان.
واستهلت الصحيفة بذكر المساهمة الأولى لواشنطن في نشوء تنظيم داعش، وهي “الحرب على أفغانستان”، وأوردت ما ذكر في وثيقة بونزيل تحت عنوان “إيديولوجية” داعش والتي تكشف في الفترة التي تعود إلى أواخر عام 2001 أو أوائل عام 2002، ناقش أعضاء من تنظيم القاعدة فكرة “الخلافة” في العراق مع أبو مصعب الزرقاوي المتشدد الأردني المولد الذي أسس تنظيم القاعدة في العراق – وهو من البذور الأولى للتنظيم.
وتسرد الوثيقة أن الاستراتيجي العسكري لتنظيم القاعدة الملقب بسيف العدل كان قد ناقش فكرة الخلافة عندما كان في إيران بصحبة الزرقاوي بعد فرارهم في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان، حيث قال سيف العدل” ستكون تلك فرصتنا التاريخية بالنسبة إلى الظروف المتاحة لإقامة “دولة إسلامية” –على حد وصفه- الأمر الذي سيلعب دورا رئيسيا في القضاء على الظلم والمساعدة في نشر الحقائق أمام العالم”.
ولفتت الوثيقة إلى أن في هذه المرحلة لم يتعهد الزرقاوي بالولاء لتنظيم القاعدة –حيث كانت كراهيته للشيعة البارزة والتي كانت مصدرا للخلاف مع التنظيم- ولم يكن واضحا ما إذا كانت هناك خطة لإنشاء الخلافة والتي ستتخذ من العراق مقرا لها قد جاءت من جانب الزرقاوي أو تنظيم القاعدة نفسه.
واعترف عدد من أعضاء التنظيم في عام 2001 أن الغزو الذي قادته واشنطن على أفغانستان أجبرهم على تغيير خططهم، حيث قالوا لو كانت فكرة الإمارة “إمارة أفغانستان الإسلامية” لا تزال قائمة، كان بإمكانها أن تكون بداية فكرة “الخلافة” المرغوبة من جانب كفاة المسلمين في العالم.
وانتقل بونزيل إلى ذكر المناسبة الثانية، وهي “الحرب على العراق”، وقال إنه بينما أثارت حرب أفغانستان هدفا حول بحث جديد عن خلافة محتملة، كانت حرب أخرى ترشح ذلك بشكل واقعي، حيث فسر بونزيل أن بين عامي 2001 و2002 كان إنشاء دولة الخلافة ومقرها العراق مجرد طموح، مفسرا أنه بعد الغزو الأمريكي للعراق، بدت الفرصة لإنشائها من جانب تنظيم القاعدة “إمكانية بشكل حقيقي”.
وبعد حرب العراق في مارس 2003، بدأ الزرقاوي بتركيز انتباهه على البلاد، وفي عام 2004، قال انه يتعهد بالولاء لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وإعادة تسمية جماعته إلى تنظيم الجهاد في بلاد الرافدين (”القاعدة في العراق”)، وفي عام 2005، كشفت وثيقة بونزيل كيف كتب ثلاثة قادة منفصلين من تنظيم القاعدة خطابات إلى الزرقاوي في عام 2005، وحثوه على إقامة دولة إسلامية في العراق، وقال أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة وقتها، للزرقاوي إنه يأمل أن تصل مثل هذه الدولة “إلى حالة الخلافة”.
وبعد أن نفذ تنظيم القاعدة سلسلة من عمليات قطع الرؤوس بأوامر من الزرقاوي والتي نشرت عبر شريط فيديو، حثه الظواهري على وقف تلك الممارسات مع المسلمين.
ومع ذلك، يبدو أن القوة الصاعدة للأغلبية الشيعية في العراق ما بعد الحرب كانت نعمة في وجهة نظر الزرقاوي “الطائفي بشدة”، وبحلول عام 2006، بدا تنظيم القاعدة في العراق بإقامة دولة سنية خاصة به.
ونوهت الوثيقة إلى أن فكرة الخلافة في منطقة الشرق الأوسط المقترحة في عام 2001 /2002 أصحبت أساسية، نصب أبو عمر البغدادي، وهو شرطي عراقي، نفسه كـ”أمير للمؤمنين” والذي قتل في عام 2010.
وثالث المناسبات وآخرها هي “وفاة أسامة بن لادن”، وسردت الوثيقة أن أحد الرجال المحتجزين في معسكر بوكا كان إبراهيم عوض إبراهيم البدري، الذي احتجز هناك في عام 2004 وأطلق سراحه بعد عدم النظر إليه على أنه يشكل تهديدا على مستوى عال، وبعد مقتل أبو عمر البغدادي، نصب البدري الزعيم الجديد لدولة العراق الإسلامية، وبالنظر إلى لقب “أمير المؤمنين”، كان صاحب الاسم الجديد هو أبو بكر البغدادي.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” في ختام تقريرها أن التدخل العسكري الأمريكي ساهم في نشوء التنظيم الإرهابي عن غير قصد، ولكن في هذه المرحلة، بات غير واضح ما الخيار الآخر للتغلب عليه، وأشار بونزيل إلى أن التدمير العسكري الكلي لهيكل داعش وزعيمها الكاريزمي من شأنه أن يشل الخلافة من خلال جعلها “دويلة مع زعيم عادي “، وقال بونزيل في النهاية على الولايات المتحدة أن تتراجع عن فكرة التدخل العسكري، والسماح للقوى السنية الإقليمية بأخذ زمام المبادرة، وبالنظر إلى تاريخ داعش، فهو اقتراح مقنع.م ص