قوة الأسد.. وخيارات ما بعد الأزمةمحمود عبد اللطيف – عربي برس
أربع سنوات من عمر الأزمة السورية، وما يزال شكل الدولة وجوهرها الأساس قائم، ومازال الرئيس السوري بشار الأسد يزداد قوة على الصعيد السياسي داخلياً وخارجياً، ويعي المحور المعادي لسوريا هذه القوة وعلى هذا الوعي الجمعي الذي بدأ يتشكل في أوروبا تستند الحكومات الغربية نحو البحث عن نقاط يمكن أن تتلاقى من خلالها مع دمشق، ويمكن أن تؤسس من خلالها لمرحلة قادمة من علاقة التعاون المشترك في مواجهة الإرهاب مع الدولة السورية، وما يعكس تنامي هذا التوجه في أوروبا هو الأصوات الخارجة من عمق الغرب الأوروبي الباحثة عن تشكيل الرأي العام الداعم لها في الضغط على الحكومات الأوروبية نحو اتخاذ الخطوة الثانية لخطبة ود دمشق.
ومن أهم أسباب قوة الأسد تماسك المؤسسة العسكرية التي اشتغل السوريون على إعدادها طوال عقود خلت، فالدولة السورية بشكلها الحديث عمدت إلى التأصيل لفكر عقائدي يمكن أن يضمن بقاء الجيش متماسك خلال حرب استنزاف طويلة الآجل، ولعل التجربة السورية في حرب الاستنزاف التي دخلتها مع إسرائيل إبان السادس من تشرين/أكتوبر، من العام 1973 كانت درساً نوعياً استفادت منه سوريا في تعزيز تفوقها العسكري والذي انعكس ضمن مجالات عدة أهمها طبيعة المواجهة التي يخوضها الجيش السوري ضد الميليشيات المسلحة والتنظيمات التكفيرية، فالتاريخ يثبت أن جيوشاَ من قبيل الجيش الأمريكي لم تصمد أمام حرب العصابات التي واجهت المشاريع الأمريكية في فيتنام مثلاً، كما إن الهالة الإعلامية التي لف بها الجيش الإسرائيلي لم تحصنه من ضربات حزب الله ولا من الهزيمة الكبرى في حرب تموز من العام 2006، وحينما حاول المحور الأمريكي زج سوريا في حرب مماثلة ظناً منهم إن جرّ المؤسسة العسكرية السورية إلى فتح جبهات ضخمة متعددة في الوقت نفسه سيدفعها نحو الانهيار، لكن واقع العمليات الأخيرة للجيش السوري والذي ذهب من خلالها لفتح جبهات أوسع في المواجهة مع الميليشيات المسلحة والتنظيمات التكفيرية، في وقت كان من المفترض علمياً وعملياتياً أن تكون هذه الميليشيات قد وصلت إلى مرحلة الأوج لجهة القوة والتمويل والتجنيد، مستفيدة من الدعم اللوجستي الكبير من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو دعم لم ينحصر في تمويل جبهة النصرة في الجولان السوري المحتل، بل وصل حد تقديم الأجهزة الاستخبارية لتنظيم داعش سواء في سوريا أو العراق.
الواقع يقول إن الجيش السوري هو من ذهب إلى فتح هذه الجبهات، والواقع يقول أيضاً إن القيادة السورية هي من عملت على تفعيل المواجهة مع العدو، وهو العدو المتكامل، فإن كانت الميليشيات المسلحة بكل تصنيفاتها عدو المواجهة العسكرية فإن الداعمين من الدول الممولة للإرهاب هي العدو الأساس في الحقل السياسي، وبهذا التكامل كان لابد للدولة السورية من اتخاذ قرار المواجهة، مستفيدة من جملة من المتغيرات الدولية التي لايمكن أن تنفصل عما يجري في سوريا.
قوة الدولة السورية وتماسكها مستفيدة من تنامي قوة الدول الداعمة لدمشق من خلال استثمار الأوراق القوية والمؤثرة في مسير الحوارات حول الملفات العالقة في العالم، فعقود الطاقة الضخمة التي وقعتها روسيا مع كل من «تركيا- الهند- مصر.. وغيرها» ورقة لا تهمل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في حسابات الحرب الباردة مع موسكو، وتعي واشنطن أن لقوة روسيا منعكاساتها في الملف السوري، كما هو حال الملف النووي الإيراني، ويضاف إلى هذه القوة وصل القيادتين السورية والعراقية إلى حالة من التنسيق العسكري العالي في مواجهة تنظيم داعش، ومن أسباب القوة السورية أيضاً أن البحث في ملفات السياسة الداخلية للأسد هي ملفات تسير بشكل تصاعدي نحو التحسن، فالأسواق السورية وإن كانت في حال مواجهة اقتصادية كبرى فيما يخص سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار وملفات الحياة اليومية التي تمس لقمة معيشة المواطن، إضافة إلى ملف إعادة الاعمار الذي تشتغل عليه الحكومة السورية بما يتلائم وظرف المرحلة التي تمر فيها سوريا.
هذه المعطيات التي تقرأها واشنطن ومن معها من دول تجعلها تدرك تماماً إن ثمة عراقيل كبرى حيال دفع مياه الأزمة السورية في الساقية التي يريدها المحور الأمريكي، مما يعني إن على الحكومات الأوروبية أن تبدأ أولاً بمحاولة حلحلة الأزمة السورية ليكون المنعطف الأمريكي نحو التصالح مع الواقع والبحث عن مرحلة من الهدوء مع سوريا حتى إشعار آخر، منعطف سهل ولن يؤذي صورة البطل الأمريكي في مرحلة حساسة من المواجهة الباردة مع روسيا، وعلى ذلك فإن قوة الأسد المدعومة بقرار شعبي منح الشرعية المطلقة للعمليات السورية في مواجهة الإرهاب هي المعادلة التي تحاول واشنطن أن تكسب الوقت لخلق نقيضها في مرحلة زمنية قادمة، وهذا ما يبشر إن الأزمة السورية إلى انتهاء، وهو انتهاء سياسي يوفر المناخ اللازم لعملية المواجهة مع الإرهاب.
خيارات مابعد الأزمة السورية بالنسبة لدمشق مفتوحة، بحيث يمكن لها أن تبحث مع حلفائها عن شكل متطور من التكامل السياسي والعسكري والاقتصادي، ومن الطبيعي جداً أن تشهد سوريا خلال السنوات العشر مابعد الأزمة إعادة تموضع سياسي داخلياً، وهو الأمر المقبول من قبل دمشق أولاً، ومن قبل المعارضات تباعاً، وعلى ذلك من الطبيعي الحديث عن خيارات اقتصادية ترتكز فيها دمشق أساساً على روسيا والصين وطهران ودول بريكس لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطية، وفي هذه المرحلة على الطرف الآخر أن يوجه خسائره الاقتصادية الكبرى خاصة دول الخليج التي تحملت نفقات التسليح والتجنيد ونفقات المعارضات الخارجية ونفقات الإنفاق على الانشقاقات المفترضة، ومن ثم خفضت أسعار النفط للضغط على داعمي سوريا، وما إلى هنالك من تكاليف الربيع الذي ادعي في سوريا.
وفي خيارات ما بعد الأزمة السورية بالنسبة لأمريكا تأتي ضرورة البحث عن الثغرة التي يمكن من خلالها خرق الجليد في العلاقة مع سوريا أولاً، ومن ثم البحث أو اختلاق ثغرات يمكن من خلالها تفعيل أزمة جديدة في سوريا، ومن ثم يتم البحث عن شكل جديد لتنظيم تكفيري جديد يحل مكان داعش والقاعدة وجبهة النصرة، ولعل تنظيم خاراسان الذي لم يظهر إلا من خلال التصريحات الأمريكية سيكون هو البديل.بالتالي من الطبيعي جداً أن تكون قوة سوريا و