اتفاق بين جنبلاط و«النصرة»نجحت وساطة عضو في «الائتلاف السوري المعارض» بين «جبهة النصرة» والنائب وليد جنبلاط في التوصل إلى اتفاق في شأن دروز إدلب، يقضي بإشهار هؤلاء إسلامهم وتهديم قبور أوليائهم، في مقابل وقف الجبهة تطبيق «أحكام الشرع» عليهم والاكتفاء «بالإجراءات التي اتخذت حتى الآن»!
فراس الشوفي – صحيفة الأخبار
لا ينفع «صكّ البراءة» من الإرهاب الذي يمنحه النائب وليد جنبلاط لتنظيم «جبهة النصرة»، في حماية أبناء طائفة الموحّدين الدروز في سوريا ولبنان. كما لم ينفع بعض السوريين تأييدهم لـ«النصرة»، في حمايتهم من بطش «شقيق داعش»، والقتل والإلغاء والتهجير الذي يُمارس بحقّ المسلمين السنّة قبل غيرهم من الطوائف والعشائر في سوريا والعراق.
وإذا كان جنبلاط قد نجح (حتى الآن) في تجميد قتل الجنود اللبنانيين المختطفين (الدروز منهم)، عبر تبييض صفحة «النصرة» التي تلعب جيّداً على الإيقاع الداخلي اللبناني، فإن مساعي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم تفلح في إيقاف تمادي تنظيم أبو محمد الجولاني بـ«أسلمة» دروز جبل السماق في إدلب (شمال سوريا)، على «المذهب الوهابي»!
ومع أن جنبلاط، الذي دعا الدروز سابقاً لـ«العودة إلى الإسلام»، لا يوفّر فرصةً للإشارة إلى أن «النصرة هي من نسيج الشعب السوري» و«بينهم أطباء ومهندسون» كما قال الوزير وائل أبو فاعور قبل أسبوعين في مقابلة مع الزميل جورج صليبي على قناة «الجديد»، فإنه لم يوفّر جهداً أيضاً في الأسبوعين الماضيين لإقناع مشايخ الدروز في لبنان بالصمت عمّا يحصل لإخوانهم.
قبل شهر ونصف، أمهل أمير «النصرة» في جبل السّماق المدعو أبو عبد الرحمن التونسي، أبناء 14 قرية درزية حتى الأول من شباط الماضي، لهدم قبور أوليائهم ومقاماتهم الدينية وتبرئهم من ديانتهم… وإلّا! فما كان من أبناء القرى إلا أن التزموا قرار التونسي، وعقدوا اتفاقاً مع ممثليه. وقام أهالي قرى كفرمارس، تلتيتا، حلّة، ككو، بشندلايا، قلب لوزة، بنابل، جدعين، عبريتا، كفتين، معرة الإخوان، بيرة كفتين وكفركيلا، بهدم العديد من قبور الأولياء، وقبلوا إمامة «مشايخ» من «النصرة» لصلواتهم، في مقاماتهم وخلواتهم، التي تحوّلت إلى مساجد. ومع ذلك، لم ترضَ «النصرة»، وقام عدد من إرهابييها بنبش قبور الأولياء، ووعد التونسي بإكمال «أحكام الشرع» على الدروز كاملة.
ومع أن استنكار إجراءات «النصرة» لم يخرج إلى العلن إلّا على لسان رئيس «مؤسسة العرفان» الشيخ علي زين الدين في لبنان، إلّا أن حالة الغضب التي سادت أوساط المشايخ، شكّلت ضغطاً على جنبلاط، إلى جانب ملف المخطوفين الدروز من العسكريين الذين لا يتورّع أهلهم عن التهديد أمام جنبلاط، بِردود فعل في حال حصول مكروه لأبنائهم. وإزاء الضغوط، تحرّك رئيس الاشتراكي سريعاً وزار تركيا قبل أسبوعين، التي لا يُعد تنسيق «النصرة» مع استخباراتها في الشمال السوري سراً، كما تنسيق «النصرة» مع الاستخبارات الإسرائيلية في الجنوب السوري. جنبلاط الذي فشل سابقاً في الحصول على ضمانات من تركيا والسعودية والغرب بحماية الدروز، سمع هذه المرة «المعزوفة» ذاتها، عن أن «لا ضمانات لأحد»، فلم يجد غير «الائتلاف الوطني» لمحاولة المساعدة. وبحسب المعلومات الواردة من جبل السّماق، فإن «أحد أعضاء الائتلاف المدعو أبو عدي، وهو معارض مقيم في الإمارات العربية، دخل على خطّ الوساطة، وزار جبل السماق مع أحد قضاة المحكمة الشرعية (سوري) التابعة للنصرة في سرمدا (شمال جبل السماق) وتناول الغداء في بلدة كفتين مع وجهاء من القرى، على أساس أن جنبلاط يقبل بإشهار الدروز إسلامهم وتهديم القبور، في مقابل اكتفاء النصرة بالإجراءات التي اتخذت حتى الآن».
وبالتوازي، حرص جنبلاط على أن يُسحب ملف دروز إدلب من التداول. فإلى جانب الاجتماع الذي عقده مع أعضاء «المجلس المذهبي الدرزي» فور عودته إلى بيروت لإبلاغهم بأن «يتوقّف الكلام عن دروز إدلب، وأن الأمور ستحلّ، وأن دروز إدلب يحلّون مشاكلهم لوحدهم»، كما أكد لـ«الأخبار» أحد المشاركين في الاجتماع، كلّف جنبلاط ابنه تيمور وفريق عمله من الوزراء، زيارة المشايخ الفاعلين في لبنان، كالشيخ أمين العريضي، ووضعهم في «أجواء التطوّرات والاتفاق الذي عُقد مع النصرة».
بالطبع، يتمنّى الدروز ومشايخهم أن ينجح «الاتفاق». لكنّ التونسي، لم يرد أن يكسر القاعدة التي أثبتتها السنوات الماضية، عن أن «التنظيمات الوهابية لا تحفظ عهداً أو اتفاق» كما يقول مصدر في قوى 8 آذار الدرزية في لبنان. إذ تشير المعلومات إلى أن «اجتماعاً عُقد أمس بين التونسي وممثلين عن القرى، أكد فيه الأخير أنه سيتابع تطبيق أحكام الشرع على الدروز كاملة». ويتخوّف الأهالي من أن تتطوّر الأمور، و«يطلب التونسي من الرجال حلق شواربهم وترك لحاهم»، لكنّ الهاجس الأكبر هو «الطلب من الأهالي تزويج الإناث لمقاتلين من النصرة».
الجنوبان السوري واللبناني
ولا يتوقّف تملّق جنبلاط لـ«النصرة» عند مسألة الخوف على مصير الجنود اللبنانيين المخطوفين. فعدا عن أن «الدفاع عن النصرة هو توجيه سعودي لجنبلاط وبعض وجوه تيار المستقبل، لتحويلها إلى جهة في الداخل اللبناني»، كما يقول أحد أصدقاء الزعيم الاشتراكي في فريق 8 آذار، يعتقد جنبلاط وفريقه أن «النصرة ستسيطر على كامل الجنوب السوري مع نهاية عام 2015». إذ أشار أبو فاعور على طاولة غداء جمعت قادة الأجهزة الأمنية في منطقة راشيا منتصف كانون الأول العام الماضي، إلى أن «معلوماتنا تؤكّد أن النصرة ستسيطر على الجنوب السوري وجبل الشيخ مع نهاية 2015، وبذلك ستكون على الحدود مع البقاع الأوسط والغربي وراشيا وحاصبيا». وبدل التحضير لقتال «النصرة» دفاعاً عن الحدود اللبنانية إذا صحّت معلومات أبو فاعور، أعطى الأخير أمراً لاشتراكيي راشيا بإلغاء مظاهر التسلّح و«اللجان الشعبية» التي بدأت تتشكّل في قرى ككفرقوق عيحا وعين عطا المتاخمة لمنطقة يعفور وقطنا في ريف دمشق الجنوبي الغربي، لأنه «لا شيء يدعو للقلق»، كما تقول مصادر الاشتراكيين وقوى 8 آذار في راشيا على حدٍّ سواء.
أكثر من ذلك، تقول مصادر أمنية لبنانية، إن «محمد أحمد النعماني، وهو أحد القياديين في حركة أحرار الشام، الذي اختطفه بعثيون في كانون الأول الماضي من خربة روحا في البقاع، وسلم لأجهزة الأمن السورية، تمّ تسهيل دخوله إلى لبنان عبر اشتراكيين من منطقة راشيا»، نافية أن يكون الأمر بقرار من الحزب الاشتراكي. وبحسب ما أكدت مصادر أمنية سورية لـ«الأخبار»، فإن «النعماني اعترف أثناء التحقيق بأنه كان يعمل على بناء خلايا لأحرار الشام في البقاع الأوسط والغربي، لتتحرك بالتزامن مع تحرّك مسلحي النصرة وأحرار الشام في كفير يابوس ويابوس والزبداني لإحداث ثُغَر من الجهة اللبنانية، ومهاجمة مواقع الجيش السوري واللبناني على طرفي الحدود، وربط الجبهات من خطّ الشام إلى جبل الشيخ».