منذ أشهر يسأل كثيرون في لبنان والمنطقة عن سر مواقف النائب وليد جنبلاط وتحولها إلى مسايرة لعصابات التكفير ويتساءل العديد من اللبنانيين كيف يتصرف السيد جنبلاط ويفتح على حسابه خلافا للأصول الدستورية والأعراف السياسية ويفرض حالة من الفوضى والبلبلة في تصرف الحكومة اللبنانية وإدارتها لملف الجنود المخطوفين لدرجة ان الرئيس تمام سلام لم يستطع تقديم تبرير مقنع لمفارقة تسمية الوزير وائل ابو فاعور لمفاوض جديد دون علم الحكومة أو رئيسها وقد غص بالخبر مساء الأحد الماضي وعلى الهواء مباشرة.
أولا انطلاق خطب النائب وليد جنبلاط في مديح جبهة النصرة جاء بعد تهديدات وتحركات إسرائيلية مباشرة استهدفت مشايخ ووجهاء في بعض بلدات الجولان وجبل الشيخ لإرغامهم على التعاون مع فرع القاعدة الرسمي في سورية ونشرت الصحف معلومات تفيد ان قياديا في جيش العدو أبلغ إنذارا ووجه رسائل بهذا المحتوى بعد تصدي الأهالي لعصابات النصرة في عرنة وجوارها وسقوط عشرات الشهداء من شبابهم في حين لم يوفر جنبلاط مناسبة لتلميع النصرة وامتداحها والهجوم كعادته على الدولة الوطنية السورية التي تنتزع اعترافات مضاعفة في الشرق والغرب بأنها القوة الرئيسية في العالم التي تخوض مواجهة جدية ضد الإرهاب التكفيري بجميع تشكيلاته وبلغ الأمر بالسيد جنبلاط طمس حقيقة ان إرهابيي سورية يضمون خليطا أجنبيا من مرتزقة وتكفيريين قادمين من ثمانين بلدا ليقول ان جبهة النصرة تعبر عن خيار الشعب السوري وهو يعلم جيدا أن في ذلك افتراء كبير وتضليل وتزييف و"مجافاة" للحقيقة.
ثانيا ربط البعض مواقف جنبلاط بقضية العسكريين المخطوفين وباجتهاد سياسي التمس أصحابه له عذرا هو المساعدة في احتواء تهديدات جبهة النصرة وداعش بقتل المزيد من الجنود والعسكريين الأسرى وفي هذا السياق تلاحقت التبريرات للعديد من الخطوات التي اتخذت في الخفاء بتمرير اموال ومحروقات وتموين للخاطفين في جرود السلسلة الشرقية ونسب بعضها لأشخاص قيل إنهم مكلفون من وزير الصحة وائل أبوفاعور.
لو عكسنا اتجاه الأحداث يمكن لنا الافتراض ان سيناريو تسهيل الخطف المشبوه الذي نفذ في عرسال أريد منه أصلا تأسيس مناخ سياسي مناسب لسلوكيات مربكة وخانعة تضعف من متانة التصدي اللبناني للإرهاب التكفيري وتبرر المسايرات السياسية لجبهة النصرة وداعش بشكل يمنع قيام تضامن وطني حقيقي حول الجيش اللبناني في حربه على الإرهاب وبالتالي فقد أخذ الجنود الرهائن لاسترهان القرار السياسي اللبناني والسؤال الذي لا جواب عليه من أي كان : كيف تخون جنبلاط الفطنة السياسية المنسوبة إليه فيقع في فخ من هذا النوع ؟!.
ثالثا من البديهي كذلك السؤال : بأي حق يتصرف وليد جنبلاط كرئيس وزراء ويتعامل مع الوزير وائل أبو فاعور كوزير خارجية، فيفوّضه ويكلّفه ويطلب منه التدخل في ملف حساس كملف العسكريين المخطوفين على يد عصابتي النصرة وداعش ؟.
ويستتبع ما تقدم السؤال عن أدعياء السيادة ومروّجي مقولة وجود دولة ضمن الدولة، والمدافعين عن هيبة الدولة وسيادتها وقرارها الحر من تصرفات النائب جنبلاط، ولماذا هم صامتون بهذا الشكل، في حين أن ما قام به جنبلاط أثار استياء رئيس الوزراء تمام سلام والمعنيين بملف التفاوض في الحكومة ولماذا لا نسمع أصواتهم وانتقاداتهم لانتهاكات جنبلاط الفاضحة والواضحة؟ وما هو مبرر هذه الازدواجية في المواقف وفي التعاطي مع ملف حيوي بهذا الشكل؟
أصوات أدعياء السيادة كانت تعلو بالصراخ عندما يظهر أن حزب الله على وشك الانخراط في ملف التفاوض وكانوا يطلقون الانتقادات بكل الاتجاهات، في حين هم يصمتون بشكل كامل على تدخلات جنبلاط وتكليفاته واستفزازاته وإطاحته بكل الأصول والأعراف واللياقات حتى الشكلية في التعامل مع رئيس مجلس الوزراء على الأقل .
رابعا إن نقطة الضعف المركزية في التفاوض لتحرير الجنود والعسكريين المخطوفين هي الإرباك وعدم التماسك السياسي الناشيء عن تحول كل وزير او كل فريق في الحكومة إلى فتح قنواته الخاصة مع الخاطفين الذين يتصرفون باستغلال جميع الثغرات ومنذ البداية كان تركيز الحريصين على ضرورة حصرية التفويض بالتفاوض وقيل يومها إن مدير عام الأمن العام سيكون هو المسؤول عن الملف لكن جنبلاط وبعض مناصري التكفيريين في تيار المستقبل دخلوا على الخط لتخريب أي جهد منظم ومدروس في قيادة التفاوض وأفسحوا بذلك المجال للإرهابيين كي يحصدوا مكاسب ويستغلوا وجع الأهالي ويستثمروا التشتت الحكومي.
جنبلاط يفاوض النصرة وداعش على حسابه ويشترك مع المستقبل والقوات في تعطيل تفويض اللواء عباس ابراهيم وفي منع الحكومة من اتخاذ قرار بالتنسيق مع سورية والحصيلة أن النصرة وداعش هما الرابحان من كل ذلك والحكومة في وضع ضعيف مستضعف.