الحلّ السعودي للأزمة اليمنية بـ«نكهة» سوريةحمزة الخنسا – العهد
يقف الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود، على شرفة قصره، يُناظر الحديقة الخلفية لمملكته، سرعان ما يستنتج أن الوضع في اليمن “ماهو زين”. “البعبع” إيران صار بين شجرات النخيل وقرب حقول النفط. هكذا يقرأ العقل السعودي التطورات الجارية في اليمن، وهكذا يحلّل استعادة شرائح واسعة من الشعب اليمني، الأفقر في المنطقة، بعض حقوقه المسلوبة على مرّ التاريخ.
لا يركن الحكم السعودي للمتغيّرات، ولا يستسلم لفشل أولى محاولاته لتدويل الأزمة اليمنية. لا زالت جعبته مليئة بالكثير من المحاولات. تجربته على مدى 4 أعوام من عمر الأزمة السورية أكسبته خبرة في التعامل مع الحالات المشابهة. في اليمن أزمة يجهد السعوديون لجعل عناصرها وظروفها مطابقة لما هو في سوريا.. الكثير من الوصفات المجرّبة في سوريا جاهز للاستخدام في اليمن.
السعودية في مواجهة التغيير
رفضت السعودية بادئ الأمر الإعلان الدستوري الذي توصّلت إليه حركة انصار الله وعدد كبير من الفصائل اليمنية. حثّت السعودية تالياً مجلس الأمن الدولي على اتخاذ قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يتضمن إجراءات عملية عاجلة لمواجهة ما وصفته بـ”الانقلاب على الشرعية في اليمن”، وذلك في بيان أعقب اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض يوم السبت الماضي. لم يستجب مجلس الأمن الدولي للرغبة السعودية فيما يتعلّق بالبند السابع. غير أن مجلس الأمن صوت مساء اليوم التالي (الأحد الماضي) على قرار يدعو الى البدء بعمليات التفاوض للخروج بحل سياسي يصبّ في مصلحة جميع الأطراف في اليمن. لعبت روسيا دوراً بارزاً في تشذيب القرار الأممي، الذي أرادت السعودية من خلاله تدويل الأزمة اليمنية ووضع الأطراف اليمنيين في مواجهة آلة الحرب الأممية.
داخلياً، إعترض حزب الإصلاح الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين، كما المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على التطورات الجديدة. “أخوان” اليمن مدعومون من قطر، يحاولون وضع العصي في عجلة الحل السياسي، ويسعون لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية. أما علي عبد الله صالح، المحفوظ سعودياً بموجب المبادرة الخليجية، فقد أعلن رفضه للإعلان الدستوري لأنه حلّ مجلس النواب الذي يمتلك فيه عدداً كبيراً من الأصوات. حلّ مجلس النواب فوّت على رئيسه المحسوب على صالح فرصة ملء الفراغ بسدّة الرئاسة نظراً لاستقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي بانتظار انتخاب رئيس جديد. أيضاً، يحاول صالح ابتزاز حركة أنصار الله بهدف تحصيل مكاسب أكبر في السلطة.
ضغوطات وتهديدات
تستمر المحاولات الخليجية بقيادة السعودية، لتدويل الأزمة اليمنية واستدراج قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. يعلم السعوديون جيداً أن لا قرار أميركياً للتدخّل المباشر في الأزمة اليمنية. حتى اللحظة لا يزال اليمن خارج قائمة الأولويات الأميركية. لم تصف واشنطن رسمياً ما جرى في اليمن بأنه انقلاب، لكنهم سحبوا وحلفاءهم، السفراء من صنعاء. السعوديون غاضبون. أنزلوا سخطهم على المبعوث الأممي الى اليمن جمال بن عمر، وحمّلوه مسؤولية التطورات هناك.
لا تفرغ القبعة السعودية من أرانب. الضغط الدولي ـ العربي المتمثّل بسحب السفراء وإقفال السفارات والتهديد بعقوبات إقتصادية، والمنسّق مع السعودية على وجه الخصوص، يهدف من ضمن ما يهدف إليه، الى عزل جماعة أنصار الله وإشعارها بأن البلاد في عهدهم سيكون مقبلاً على أحداث أمنية خطيرة. في سياق عملية الضغط والتهديد الحاصلة، يحاول الفاعلون تمرير مطلب السماح للرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي بالخروج من اليمن. الوجهة المحدّدة هي السعودية.
يسعى السعوديون لتطوير أدوات مواجهة الواقع الجديد في اليمن. يريدون تشكيل كيان سياسي متكامل في الخارج يُسمى “معارضة خارجية في المنفى” مكوّنة من رئيس وحكومة. أولى مهام الكيان المعارض الذي سيعترف بشرعيته مجلس التعاون الخليجي، سيكون العمل على طلب تدخل عسكري خارجي في اليمن، على أن يُمنح الغطاء الشرعي بصفته الكيان “الشرعي الوحيد الممثل للشعب اليمني”.
أنصار الله: تثبيت مواقع المواجهة
في المقابل، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن الأخير والمحاولات السعودية المستمرة، بشقّيها الداخلي والخارجي، تعمل حركة أنصار الله في اتجاهين: الأول سياسي من خلال الحوار وجمع ما أمكن من قوى داخلية الى جانب العملية السياسية الجديدة، وبالتالي تقليل نسبة المعارضين، والثاني عسكري ـ أمني يتمثّل بتثبيت المواقع التي سيطرت عليها الحركة من جهة، واستكمال المعركة ضد الإرهاب التكفيري المتمثّل بتنظيم القاعدة والحركات التكفيرية الأخرى.
في حين، يمثّل ثبات أنصار الله، في السياسة والعسكر، فرصة للعقل السعودي للتفكير ملياً بجدوى خيار تدويل الأزمة اليمنية. الأوضاع في ليبيا تجربة أخرى يمكن للسعوديين استخلاص الدروس المستفادة منها. غير أن السؤال الأكثر إلحاحاً الذي يجب على ساكني القصور في صحراء الجزيرة العربية الإجابة عنه: هل استدراج مجلس الأمن وفصله السابع الى اليمن، وبالتالي الدفع الى حرب مذهبية تغذي الحالة الداعشية التكفيرية على حدود “مكة” و”المدينة”، سيشكّل ضغطاً على طهران أم الرياض؟