«مصير العالم اليوم يُصنع في المنطقة».. دلالات تقدُّم الجيش السوري في الشمال والجنوبأحمد زين الدين – صحيفة الثبات
“مصير العالم اليوم يُصنع في المنطقة”.. قالها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
إذا كان العالم فعلاً يريد مواجهة الإرهاب الذي بدأ يطرق أبواب الغرب والولايات المتحدة، فعلى الغرب و”اليانكي” أن يعي تماماً أن اللعب باسم “الإسلام التكفيري” لاستهداف الدول والأنظمة المعادية للكيان الصهيوني، وتحديداً سورية والعراق، قد انتهى، وعليه الإقلاع عن استغلال الإرهاب الذي صنعته أجهزة استخباراتية باسم “الإسلام” تارة، وباسم “المعارضة” المعتدلة طوراً، فسورية ليست نيكاراغوا، ومرتزقة الإرهاب (متطرفون أو معتدلون) ليسوا “كونترا”، فـ”الكونترا” بأي حال صاروا في مزابل تاريخ أميركا اللاتينية.
أما الآخرون من العرب، فلا يُعقل أن يكون ردّهم على طريقة ملك الأردن الذي أرغى وأزبد بعد أن أحرقت “داعش” الطيار الكساسبة، ولا على طريقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد أن نحر الإرهاب “الداعشي” 21 مصرياً في ليبيا، حيث هدّد وتوعّد.
الأول يهدد “داعش” في وقت ينسّق فيه مع العدو “الإسرائيلي” لدعم “النصرة” في الجنوب السوري، ويقيم على أراضيه معسكرات التدريب للإرهابيين، من أجل تخريب سورية، بالتنسيق مع المخابرات الأميركية والموساد، والثاني لم يحسم أمره بعد بشأن علاقاته الخليجية، خصوصاً السعودية؛ المصدر الايديولوجي والتمويلي الأساسي للإرهاب، وفي مواقفه العنيفة ضد اليمن، وتحديداً القوى الثورية فيها، وذهابه إلى حد الخوف والتخويف على قناة السويس، جراء التطورات اليمنية لا معنى له سوى إرضاء مملكة الرمال..
مواجهة الإرهاب “الداعشي” و”القاعدي” لا تتمّ على طريقة شيوخ القبائل، لأن ظاهرة الإرهاب تحت اسم “الإسلام” تتداخل فيها عقائد وإغراءات مذهلة؛ مالاً وجنساً، ومخابرات وموساد وسلطة وخلافة، وتحريفاً مروّعاً للعقيدة والدين، كانت أرضيته قد نشأت في التاريخ الحديث مع ولادة “الوهابية” و”الإخوان”، المستولَديْن من الرحم والتمويل الإنكليزي.
بأي حال، ثمة تطورات دسمة تسجَّل في الميدان السوري في كل الاتجاهات، وآخرها اقتحام المشهد الميداني في الجبهة الشمالية، بفعل تقدُّم الجيش السوري بشكل سريع وحاسم في حلب وريفها، في توقيت بالغ الدلالة، وتزامناً مع مثول المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن الدولي، بعد نيله موافقة الدولة الوطنية السورية على خطته الرامية لتجميد القتال في حلب، والذي ردّت عليه المجموعات الإرهابية بقصف الأبرياء في المدينة، بتوجيه واضح من الحكم الاستبدادي لرجب طيب أردوغان في تركيا، فكان الرد الحاسم لدمشق أن خطة دي ميستورا لن تكبّل يد الجيش في ريف حلب الشمالي، الذي لا تخفي أنقرة أنها تريده منطقة عازلة بقرار غربي، وبالتالي فإن هذه التطورات جاءت قبل ساعات من تقديم دي ميستورا تقريره، ما يعني أن الجيش السوري يفرض معادلات جديدة وصلت إلى حد فك الطوق عن المدينة، مروراً بفك الحصار عن بلدتي نُبّل والزهراء، والأهم قطع طريق الإمداد من تركيا.
إذاً، بساعات تمكَّن الجيش السوري من تعزيز مواقعه شمالاً، فيما واصل تقدُّمه جنوباً عند مثلث درعا – القنيطرة – ريف دمشق، وفرض معادلات ميدانية جديدة، في زمن توسع المخاطر الإرهابية في كل اتجاه، بشكل بات همّ وخوف الأوروبيين كبيراً من تواجد “الدواعش” في ليبيا، وتهديدهم روما التي أعلنت عن استعدادها لقيادة تحالف دولي لمواجهة الإرهابيين في بلد عمر المختار، بعد أن شعرت أن موسى ما صنعه الموساد والاميركيين والغرب وصلت فعلاً إلى ذقنها.
باختصار، إن قرار فك الطوق عن حلب وفك الحصار عن نبل والزهراء وقطع طريق الامداد من تركيا، وقبلها استعادة الجبهة الجنوبية، قرار حاسم اتخذته دمشق، ولا عودة عنه، لاعتبارات منها ما يتصل بالتطورات السورية، خصوصاً لجهة حماية دمشق، بعد أن كان الأردن والدولة العبرية وبائعو الكاز العربي، بالإضافة إلى واشنطن بالطبع، يُعدّون لهجوم من أجل وضع دمشق تحت التهديد المباشر، ومنها ما يتصل ببعد خارجي، إن جاز التعبير، هو البعد الإقليمي المرتبط بموازين القوى بين محور طهران – دمشق – المقاومة من جهة، ومحور المجموعات الإرهابية و”المعارضات” المتعددة الأشكال والأولوان مع حلفائهم الأعراب والغرب والكيان الصهيوني من جهة ثانية.
والحقيقة الواضحة هي أن محور الشر المعادي لدمشق لم يعد يستطيع فرض معادلته كما يحب ويشتهي، ولهذا ربما تكون النصحية هنا واجبة لسعد الحريري وحلفائه الداخليين، والخارجيين، ومعهم بالطبع وليد جنبلاط، الذي أعلن بالأمس أنه مع آخر “مقاتل” يحارب ضد الأسد، أن يكفّوا عن وتيرة عدائهم وعدوانيتهم ضد الدولة الوطنية السورية.. إنها نصيحة نقدّمها لوجه الله تعالى.