الأسباب التي أدت الى إقفال قناة «العرب»لم تكد قناة “العرب”، التي اتخذت من البحرين مقرًا لها، تنطلق ببرامجها السياسية، حتى “أبشر” المعنيون فيها بتوقّف البثّ لأسباب فنية وإدارية، مؤكدة أنها ستعود قريبًا.
بقدرة قادر، ذهبت كلّ التحضيرات التي استغرقت سنوات لتبصر القناة النور، سدىً. غالبيّة المتابعين تيّقنوا أن القناة التي أنفق عليها مالكها الأمير الوليد بن طلال اموالاً طائلة لتوظيف كادرات إعلاميّة وإداريّة وتقنيّة وشراء المعدّات التقنيّة، لن تقفل طبعًا لأسباب لوجستيّة تتعلّق بالاستديوهات أو البثّ المباشر!
الجميع اشتمّ “رائحة سياسية” خلف توقّف بثّ القناة التي تحمل شعار “القصّة التي تهمّك”، خصوصًا أن أولى النشرات الإخباريّة تضمّنت فقرة لمتابعة الوضع في اليمن بعد قرار السلطات سحب الجنسية من 72 بحرينيًا.
هذه الفقرة جاءت “حفر وتنزيل” على ما وعد به الوليد بن طلال، في أوّل اجتماع له بإدارة القناة قبل انطلاقها بأيّام، إذ قال: “نحن ملك خاص لا نسعى للتمويل حتى لا نرضخ للحكومات العربيّة أو الجهات الأجنبية، ونحن جزئية جديدة لسنا ممولين من حكومات عربية أو أجنبية ولسنا قناة صغيرة يستهان بها. نحن قناة مستقلة وعندها حرية ورافعين السقف”.
وكما وعد “سموّه” وفي الساعات الأولى لانطلاقة “العرب”، التي استضافت في فقرتها المتعلّقة بأوضاع المنامة القيادي في المعارضة خليل المرزوقي، منتقدًا قرار السلطات سحب الجنسيّة.
كان “روبرت مردوخ العرب” يعرف أن اليوم الأوّل هو الأهمّ في حياة القناة، فهو قال لإداريي القناة في اجتماعه معهم: “من اليوم الأوّل سندمغ بالسلبي أو الإيجابي ولذلك نحن مهتمون جدًا بالانطلاقة الأولى”.
وبالرغم من ذلك راهن “الوليد” أن “تمرّر” المنامة “الشوطة الفالتة” في الوقت الضائع، غير أنّ الأخيرة لم تفعل. وبعد أيّام من الصمت أعلنت البحرين أمس وبالفم الملآن أنّ القناة لم تتوقّف بإرادتها، كما صرّح إداريّوها. وإنّما أشارت هيئة شؤون الإعلام البحرينية بأنها “سعت لدعم القناة (العرب) في استكمال المتطلّبات الفنية والإدارية وأن تمارس القناة نشاطها بما يتوافق مع القوانين السارية واللوائح المنظمة للمجال الإعلامي والاتفاقيات الخليجيّة والدوليّة وبما يتناسب مع الوضع الراهن إقليميًا ودوليًا من حرب حازمة ضدّ الإرهاب (…) إلا أنّه لم يتمّ استيفاء تلك المتطلبات مما استدعى الهيئة العليا للإعلام والاتصال باتخاذ الإجراء المناسب والتوصية لمجلس الوزراء بشأنه”.
إذاً، كان ظهور المعارض البحريني على شاشة الأمير السعودي هي القشّة التي قسمت ظهر البعير بينه وبين ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، بعد مراسلات جرت في نهاية العام 2011 (نشرتها القدس العربي بتاريخ 19/12/2014). وتكشف المراسلات عن رغبة ملك البحرين بأن تكون المنامة مقرًا لـ”العرب” و”روتانا”، مقابل أموال طائلة كان أبرزها 10 مليون دولار سنويًا من البحرين إلى “العرب” لمدة 10 أعوام و7 مليون دولار لـ”روتانا” لمدة 10 أعوام، بالإضافة إلى التكفّل بدفع إيجار المبنى لمدة 10 سنوات، وخدمات تقنية بحدود المليوني دولار سنويًا.
هل “الكرم البحريني” سرعان ما تبخّر بعد استصراح ناشط بحريني، أم أن لإيقاف بث “قناة الوليد” أسبابًا أبعد من الحدود البحرينيّة وتصل إلى حدود الديوان الملكي والعائلة المالكة في السعوديّة؟
بعض المصادر التي تحدّثت إلى صحف خليجيّة، ربطت بين توقيف محطة الأمير والتغيرات الجديدة التي حصلت داخل قصر اليمامة إثر موت الملك عبد الله وتسلّم الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة. فالوليد بن طلال ليس على علاقة وطيدة بـ”الحاكمين الجدد” ولاسيّما وليّ ولي العهد الأمير محمّد بن نايف (ابن عم الوليد)، وهذا ما ظهر جليًا في تغريدة الوليد بن طلال الذي بايع الملك سلمان وولي العهد الأمير مقرن، مكتفيًا بـ”أبارك لأخي محمد بن نايف”.
وإذا كان البعض يشير إلى “ضغوطات سعودية” تعرّض لها ملك البحرين لإيقاف البثّ وأنّ لولي ولي عهد المملكة يدًا بالأمر حتى يمنع ابن عمّه من “سطوة” الإعلام الإخباري ونفوذه داخل المملكة، فإنهم يعودون بالذاكرة إلى العام 2009، حينما أمر وزير الداخلية في حينه الأمير نايف بن عبد العزيز (والد ولي ولي العهد الآن) بإقفال مكاتب “LBC” الفضائية (التي كان الوليد بن طلال شريكاً فيها) في جدّة، على خلفية برنامج “أحمر بالخطّ العريض”.
في حين يرى بعض المتابعين أن الأمر أبعد ذلك، غارقين في أهداف نيّة “مردوخ العرب” افتتاح قناة إخباريّة في هذا الوقت بالتحديد وبوجود قناة سعوديّة فضائيّة إخباريّة (العربيّة)، خصوصًا أنّه يعرف عن الوليد بن طلال إلمامه بالشؤون الاستثماريّة، فيما لن تحقّق قناة إخباريّة ما حقّقته له “روتانا” أو استثماراته في مجالات العقارات والفنادق..
وبالتالي، فإن البعض يرى أن فكرة “العرب” ليست فكرة الأمير السعودي أو أيّ فرد من العائلة المالكة، وإنّما كانت فكرة رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، على اعتبار أنّ قناة “العربيّة” قد تراجعت في زمن الثورات، ولا بدّ من قناة تجمع العرب وبأقلّ نسبة انحياز للأنظمة.
حتى الآن، لا أحد يعلم مكان التويجري ولا مصيره بعد أن راكم “الخصوم” في “أيّام عزّه”، تماماً كما لا يعلم أحد مصير “العرب” ومستقبلها !
*لبنان24