اوراق ديبلوماسيةنبيه البرجي – صحيفة الديار
هي اوراق ديبلوماسية مبعثرة، لكنها قيد التداول وراء الضوء. احداها تعكس سخرية الاستخبارات الاوروبية من الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية التي تخوض صراعا يوميا، شاقاً ومريراً، مع الجهاز الامني في «حزب الله». الورقة تقول هل يتصور الاسرائيليون الذين اغاروا على مستودعات قرب بلدة الديماس وعلى مقربة من مطار دمشق ان الحزب يضع صواريخه المتطورة جداً داخل «هنغارات» في العراء قبل نقلها الى لبنان؟
اذا اردنا ترجمة ما ورد في الورقة بالتعبير اللبناني، فهي كلمة الى الاسرائيليين «العوض بسلامتكم». الصواريخ باتت في صوامعها. ما فعلته القاذفات انها دمرت الهواء داخل مستودعات لا يوجد فيها حتى حراس، هذا دون ان تغفل الاوراق الديبلوماسية الحديث عن الكيفية التي يخدع بها «حزب الله» العيون الخشبية في اسرائيل والتي طالما قيل انها مزودة بأشعة ما تحت الحمراء (او ما فوق الحمراء)…
من يستطيع القول ان «الهنغارات» ليست صورية، كذلك الصواريخ التي تعتقد تل ابيب انها كدست فيها ريثما تنقل، بصورة تدريجية، الى لبنان.
الديبلوماسيون الاوروبيون يقولون ان الاجهزة الامنية لـ«حزب الله» والتي تتصف بالحرفية العالية جداً اذ خدعت الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في اكثر من موقع، وعلى اكثر من صعيد، في حرب تموز 2006، لا يمكن ان تخزن الصواريخ في هنغارات مكشوفة، وهي التي تعلم ان الاميركيين والاسرائيليين يرصدون، بالاقمار الصناعية وغيرها، حتى دبيب الحشرات…
«يديعوت احرونوت» قالت ان الحزب افرغ المستودعات قبل ان تصل اليها طائرات بنيامين نتنياهو الذي وصفه يوئيل ماركوس بالبهلوان بالقدم التي في التوراة والقدم الاخرى (التي يظن انها) في البيت الابيض..
هذا اذا اخذنا باحدى الاوراق التي تقول انه منذ ان بدأ رئيس الحكومة الاسرائيلية يهدد بعملية عسكرية ضد ايران، مع ما لذلك من تداعيات دراماتيكية على المنطقة بأسرها، وعلى المصالح الاميركية بوجه خاص، حدت واشنطن من تزويد الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية بصور الاقمار الصناعية. الاميركيون هم الذين يختارون الصور في اطار التنسيق الاستخباراتي القديم والذي تعرّض لاكثر من نكسة في السنوات الاخيرة…
هذا لا يعني بأي حال الاستخفاف بقدرة اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ما دامت الابواب العربية، بما فيها ابواب الاجهزة، مشرعة على مصراعيها، ولا بقدرة الجيش الاسرائيلي، لكن الثابت ان نتنياهو، سواء تقمص شخصية دونكيشوت ام شخصية يوشع بن نون، يرغب في المواجهة العسكرية الشاملة. «جيروزاليم بوست» التي تُعرف جيداً مصادرها قالت ان «حزب الله» يمتلك طاقة نارية هي الخامسة في العالم.
نعلم ان الاسرائيليين الذين يعتبرون الحروب الدورية ضرورة توراتية بقدر ما هي ضرورة استراتيجية، لا يستطيعون ان يتحملوا ما وصفه غابي اشكنازي بـ«صاروخ في الخاصرة»، وهم يفكرون بكل الطرق، بما في ذلك تقويض الدولة (وليس فقط النظام) في سوريا، لازاحة «حزب الله» او لتركه يلفظ انفاسه الاخيرة تحت الانقاض، ولكن دون المجازفة بالحرب المباشرة.
ورقة اخرى تتعلق بحديث جون كيري عن استراتيجية بعيدة المدى في الشرق الاوسط. وفي السياق العملاني لذلك الائتلاف عسكري بين اسرائيل ودول عربية لمواجهة «داعش» و«حماس».
غريب هذا الربط بين تنظيم الدولة الاسلامية وحركة المقاومة الاسلامية، وان كان قد أُخذ على قيادة «حماس» تراقصها القاتل منذ اندلاع الثورة السورية وعلاقتها العضوية مع «الاخوان المسلمين» في مصر، وصولاً الى ليبيا، دون ان ننسى ما حدث في سوريا، ولكن هل من امكانية للمحاكاة بين خالد مشعل وابي بكر البغدادي…
وزير الخارجية الاميركي تحدث عن اتجاه دول عربية لاقامة ذلك التحالف. لن نسأل لماذا لا يكون التحالف مع ايران، تحالف الند للند، وبيننا وبينها الكثير من المصالح المشتركة، وبعد تفكيك التناقضات التاريخية والسياسية وحتى السيكولوجية، وهو الامر الذي ليس بالمستحيل في حال من الاحوال. اسرائيل ايها العرب الاعزاء؟!
الديبلوماسيون الغربيون لا يتحدثون عن تقاطعات او عن تفاهمات تكتيكية فرضتها التطورات على الارض. انهم يشيرون، وبالاصابع العشرة، الى ان التنسيق بين دول عربية والدولة العبرية بلغ حدوداً حساسة للغاية، وحيث طهران تحتل المرتبة الاولى في العداء. تعقبها ربما بالدرجة الخامسة «داعش»…
اذاً، المنطقة في الاتجاه الآخر. تغيير في المعادلات وفي التوازنات وفي قواعد اللعبة. والسؤال لماذا يذهب بعض العرب حفاة، احياناً حفاة الرأس، الى الانتحار؟
ورقة اخرى حول مطار دير الزور. وزير خارجية عربي اتصل بنظير له اوروبي لينقل اليه بشرى سقوط المطار خلال ساعات. تحدث عن «الصدمة السيكولوجية» في صفوف الجيش السوري والتي ستفضي، حتماً، الى سقوط النظام. وسائل الاعلام اشتعلت بالحديث عن اختراق وشيك للمطار وذبح جنود النظام. بالتالي تفاعل الامور على نحو مثير بعد الذي حدث في مطار الطبقة…
هذا لم يحدث، لم تكن الضربة الهائلة لـ«داعش» بل للذين لم يدروا حتى الآن ماذا يعني سقوط النظام، واي نهاية ميتولوجية لسوريا…
اوراق مبعثرة. من وراء الضوء ربما تضيء اجزاء حساسة من المسرح!