ما لم يقله وليد المعلم..د. فايز الصايغ – صحيفة البناء
عندما أشرت في مقال سابق هنا إلى أخلاقيات السياسة، روسيا نموذجاً، سقت عدداً من المواقف الروسية إزاء مسألتي دعم حركات التحرّر العالمية، ومنها العربية، والإسهام الإيجابي في استقلال العديد من الدول، وكذلك مسألة الدور الروسي في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، عندها لم يكن موعد زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو قد حُدّد بعد.
أثبتت الزيارة من جديد، أنّ روسيا لا تساوم ولا تشتري وتبيع في سوق المصالح، ولا يعنيها لا النفط ولا الغاز ولا نواطير الكاز، كما كان يُعرف من المصطلحات الحديثة، وإنما تعزّز قناعاتها ومواقفها، انطلاقاً من إيمانها المطلق بتحقيق الأمن والاستقرار في العالم كله، ومنه الشرق الأوسط باعتباره منطقة غير مستقرة من جهة، وتعبث في مستقبلها قوى موصوفة بالشر والعدوان.
رغم أنّ العلاقة السورية الروسية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تعرضت لحملات شنيعة تهدف إلى التشكيك والاستهداف والمراهنات، إلا أنّ الواقع، وخصوصاً واقع السنوات الأربع الماضية التي تعرضت فيها سورية للضغوط والتآمر والحملات الغير مسبوقة من التهديد والوعيد، أثبت أنّ روسيا لا تبني مواقفها على المصالح الآنية التي تتحكم ببوصلتها ذبذبات الأوضاع في المنطقة ودور دول المنطقة المشبوه، ومنها عدد من الدول العربية التي ارتُهنت لإرادة الصهيوني والأميركي، كما أثبت أنّ الضمانات التي تجعل الموقف الروسي ثابتاً راسخاً صلباً، هي ضمانات أخلاقية مستمدّة من أخلاقيات الشعب الروسي وكفاءاته الواسعة والعميقة والعريقة في آن، ومن أخلاق وقيم ومبادئ الشعب الأم الذي يتساوى ويتوافق مع أخلاقيات وقيم ومبادئ الشعب السوري، بالإضافة إلى العمق الحضاري والإنساني الذي تمتلكه روسيا وسورية تاريخياً وإنسانياً، وبذلك أثبت الروس، شعباً وقيادةً، أنهم ضمانة أخلاقية للشعوب التي تعاملت وتعاونت معهم وتعاونوا معها.
من هنا، كان من الممكن التأكد والتأكيد قبل الزيارة وبعدها، أنّ النتائج التي أسفرت أو ستسفر عن هذه الزيارة هي نتائج حاسمة وناجحة ومتطابقة في كلّ المقاييس، فكما قلنا في مقال آخر ومكان آخر، للمشككين والمراهنين على الدور الروسي، من مفاهيمهم، لا تراهنوا على شلّ أي زيارة، ولا حتى على المراوحة في المكان نفسه، نقول لهم اليوم، راهِنوا على النقلات النوعية التي قد تحدث اليوم أو غداً، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو على صعيد التعاون المفتوح على المستقبل، في مختلف مناحي مستقبل سورية الواعد ورؤيتها الاستراتيجية المستقبلية، والتي ستكون في صورتها وفي متنها وسداها، تكريساً للتعاون الثنائي القديم والعريق بين البلدين والشعبين الشقيقين، وأقول الشقيقين لأنّ من كنّا نسمّيهم أشقاء يوماً، تحولوا اليوم، بفعل تأثيرات أسواق البيع والشراء إلى أعداء حقيقيين، فساهموا علناً في سفك الدم السوري وتدمير اقتصاده وبناه الوطنية بصورة لم تجرؤ «إسرائيل» على الإقدام عليها يوماً، لذلك سخّرتهم لهذه المواقف ونجحت في تسخيرهم.
وعندما يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شخصياً، الوزير المعلم، فهو يوجّه، من خلال هذا اللقاء الهام، جملة من الرسائل إلى مختلف الدول والدوائر التي تستهدف سورية، رسائل سياسية وعسكرية واقتصادية وتسليحية، مؤكداً، في الوقت نفسه للعالم، أنّ روسيا ستدعم سورية في مواجهة الإرهاب، على الطريقة الروسية، وليس على الطريقة الأميركية التي لم تنل من تنظيم «داعش» الهجين، ولا من قدراته، بقدر ما ساعدت على تناميه وانتشاره، أكثر مما كان قبل استهدافه أميركياً.
ما قيل وكتب عن الزيارة، وما قاله السيد وزير الخارجية عنها، سواء في تصريحاته المختلفة أم في المقابلة التي أجرتها معه قناة الميادين شيء، وما دار خلال المحادثات، وما تمّ الاتفاق عليه بعد ذلك، شيء آخر يعكس حكمة المعلم وهدوءه وحصانته السياسية من دون الإعلان عنه، ويبدو للمتابع أنّ ما لم يُقل هو الأعظم والأهم والمستقبل كشّاف.