السيد نصرالله كفن اللقيس شخصياً.. بالصور: الشهيد والسيد مقاتلين والوصية الأخيرةلطيفة الحسيني – العهد
لا شيء يُضاهي غياب الشهيد الحاج حسان اللقيس في عامه الاوّل عن أُسرته ورفاق الجهاد. خسارة المُبدع كما أحبّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تسميته، يصعب تعويضها، لكن المقرّبين منه يجدون في انتصارات المقاومة عزاءً مواسياً لفقْده. من عايَش “أبا علي” من ولادته الى أن التحق بركب حزب الله، يُدرك أن من أتعب “اسرائيل” وأضناها كي تغتاله، كان فريداً ولامعاً. عائلته وأصدقاؤه يستذكرون اليوم بغصّة أبرز محطات حياته ونضاله. وبحنينٍ وشوقٍ كبيرين، يسردون حكاياهم المشتركة مع حسان هولو اللقيس الذي بات نموذجاً رائداً لقائدٍ ومعلّمٍ متقدّمٍ لا تغُرّه تفاهات الدنيا و”سطحيات” السياسة المحلية، ففي البال ما هو أعمق وأبعد: هدفٌ وغايةٌ يستندان الى نهج كربلائي عبّدته دماءُ مُكافحين وطلقاتُ فِدائيين ومهارةٌ وتفوّق لا تعادلهما أساطير صهيونية ومنظومات ردع خرافية.
* سماحة السيد نصر الله والقائد اللقيس في شبابهما.. رفاق السلاح
سنةٌ مضت على استشهاد القائد اللقيس. عارفوه يرونه حاضراً دائماً في الساحات كما في بعلبك والضاحية. هم يتحدّثون عن تكامل تامّ بين عمله الجهادي وشخصيته كمربٍّ لأسرة مكوّنة من سبعة أبناء.. في العسيرة في بعلبك، حيث مسقط الرأس والمسكن، كل شيء يحنّ الى الحاج حسان، حديقته، موقف سيارته، مكان جلوسه الدائم مقابل التلفاز، أغراضه الشخصية وهاتفه، كل شيء يفتقد الى صاحبه، أما عائلته فتغوص في بحر ذكرياتها معه. ابنته الكُبرى نور تحتار من أين تبدأ لتحكي عن والدها. مئات الذكريات التي لا تُحصى. في كل مناسبة كان الفقْد وخصوصاً يوم الجمعة، المحطة الاسبوعية التي يحضر فيها بعد عشرات الساعات من الجُهد. إلّا أن أيامه الأخيرة لا تزال محفورة في الذاكرة، ما يميّزها التصرفات اللافتة التي كان يقوم بها ابو علي: صمته المتزايد، وداعه الغريب لابنته وأحفاده قبل يومين من اغتياله الثلاثاء 3 كانون الاول/ديسمبر 2013عند باب المنزل، حين أدار وجهه رافضاً أن تحضنه نور وكأنه يقول لا تتعلقي بي، كما تروي نور، ثمّ عودته الى بعلبك في اليوم التالي واتصاله بابنته مرة أخرى وحديثه المركّز على الموت وقوله حرفياً: “عجيب ابن آدم كيف يكون في بطن أمه وكل شيء موَفر له ويخرج الى الدنيا باكياً ويتعلّق بملذّاتها الى أن يقبض ملك الموت روحه وينتقل الى الحياة الثانية ويتندّم على ذنوبه”، واتصالاته بزوجته وابنه حسين أكثر من مرة قبل نصف ساعة من استشهاده وسؤاله المتكرّر عنه.
* صورة حصرية لـ”العهد” لسماحة السيد نصر الله والشهيد اللقيس
الحاج حسان لم يُفصح يوماً عن موقعيّته في المقاومة ولا حتى لعائلته الصغرى. هنا تقول نور “رغم أننا كنّا نتلمّس أهمية عمله عبر محاولات اغتياله السابقة وعلاقاته الواسعة وصداقته وقربه من السيد نصر الله الممتدّ منذ انضمامه الى حزب الله، إضافة الى تردّده الى الجمهورية الاسلامية في إيران ولقائه أكثر من مرة الامام السيد علي الخامنئي وصداقته بوزير الدفاع الايراني العميد حسين دهقان وقائد القوة البحرية للحرس الثوري الايراني العميد علي فدوي، غير أننا لم نكتشف عظمة مسؤوليته إلّا بعد استشهاده، ولا سيّما عندما كفنه سماحة الأمين العام لحزب الله شخصياً ولازم نعشه قبل ليلة من دفنه”.
بحسب نور اللقيس، كان الحاج حسان في أيامه الأخيرة مواظباً على قراءة المجلات الأجنبية الحربية والعسكرية، وراصداً لكلّ ما يجري في “اسرائيل”. وفي إحدى المرّات قال تعليقاً على حدث صهيوني “محضرلن قتلة مرتبة للاسرائيليي!”.
ضريح القائد اللقيس في روضة الشهداء في بعلبك
الأحاديث المتبادلة بين الحاج حسان وأفراد عائلته شكّلت مرجعاً أساسياً لاستنتاج حيثيّته الحزبية. نور تتوقّف عند محطة رئيسية في مسلسل الاغتيالات التي تعرّض لها قادة المقاومة: اغتيال الحاج عماد مغنية. وقتها، روى الحاج حسان لأسرته كيف رصدته والحاج رضوان طائرة تجسس اسرائيلية في الجنوب، فكان كل منهما يمازح الآخر ويلقي عليه بمسؤولية ملاحقة الطائرة لهما، لكن اللقيس كان يتوقّف عند هذه الدعابة قائلاً: “شو بدن فيي بدن ياك إلك”. ولاحقاً في عام 2007، زار الحاج عماد عائلة اللقيس معزياً بوفاة ابنته، وهادياً زوجته نسخة من القرآن الكريم. كلّ هذا يدلّ على عمق العلاقة بين القائدين.
نور اللقيس، الابنة الكبرى للحاج حسان
شخصية الحاج حسان كانت مميّزة جداً، فإلى جانب تألّقه بدراسة علوم الكومبيوتر في الجامعة اللبنانية الأمريكية، استطاع تعلّم اللغة الفارسية بإتقان دون اللجوء الى المدارس المتخصّصة من خلال زياراته لإيران، الى أن أصبح متكلّماً بلهجات القرى والارياف وحتى العاصمة طهران. خبرات القائد الشهيد لا يحدّها مجال، فهو أجاد عزف آلة الأورغ انطلاقاً من حبّه للأناشيد الثورية القديمة. وفي أيّامه الأخيرة، تعلّق باللطميات الحسينية الخاصة بالامام علي (ع) ولا سيّما لطمية “روحي مشتاقة وبعيد الدرب”. كذلك تلقى دروساً حوزوية عند الحاج الإيراني العارف اسماعيل دولابي.
علاقات الحاج حسان الجهادية والدينية في إيران “فضفاضة وشاسعة” وتمتدّ الى سنوات طويلة. ولأنها كذلك، يكشف الصحافي الإيراني المقرّب منه حميد داود آبادي عن بعض تفاصيل استقبال الامام الخامنئي لوفد من حزب الله برئاسة الأمين العام السيد حسن نصر الله بعد عدوان تموز 2006. الوفد ضمّ القائدين مغنية واللقيس وشخصيات في المقاومة الاسلامية. يومها طلب السيد نصر الله من “أبي علي” التحدّث باسم الوفد، فراح يشرح لقائد الثورة عن عمليات المقاومة بوجه العدو الاسرائيلي على مدى 33 يوماً. فجأة سأل الامام الخامنئي الحاج حسان “هل أنت إيراني؟”، فأجاب “كلا لبناني”. ردّ الامام “لكنّك بارع في اللغة الفارسية!”، ثمّ أجاب اللقيس “نعم بحكم تردّدي الدائم الى الجمهورية الاسلامية”. هنا استدعى الامام مصوّره الخاص وطلب منه أخذ صورة تذكارية مع الحاج حسان.تأثير الحاج حسان كان واضحاً على من يتعرّف إليه بحسب المقرّبين منه. المسؤولون الإيرانيون الذين عايشوه في حياته حفظوا كلمتين كان يردّدهما في مجمل أحاديثه هما “على عيني .. على راسي”، وفق ما تقول عائلته إثر اللقاءات التي جمعتها بهم بعد اغتيال الحاج.بعض من الأغراض الشخصية للشهيد الكبيرولصديقه الإيراني حميد ذكريات طويلة مع ابن بعلبك، خاصة أنهما رفقان منذ عام 1983 عندما أتى الى لبنان وساعده الحاج حسان في عمل صحافي كان يقوم به لصالح مكتب الحرس الثوري. تطوّرت الصداقة بين الرجلين ومتّنها التعاون المهني. وبدأ حميد يلاحظ تشابهاً بين الحاج والشهداء الإيرانيين. بعد اغتياله، بات للحاج حسان توصيف خاص لدى حميد: “إنه خلاصة الشهداء وجندي صادق ومُخلص لولاية الفقيه”.
لشهادة الحاج حسان وقْع بين محبّيه وعارفيه.. ولأنه كان مقاوماً وقائداً برّاقاً ومشعّاً لا عابراً على ضفاف قضية، يولي الامام الخامنئي عناية بعائلته كأسر الشهداء الايرانيين.. يسأل عن أخبارها ويحفظ تضحيات وليّ أمرها ويوصي بالاهتمام بها على نحو خاص، ويشرف على تكليف حفيدته بمناسبة ارتدائها الحجاب.ابنتا وأحفاد القائد اللقيس– التيار