يوميات داعشي في عرسال والجرود (1)ماهر الدنا – المردة
“أدخل وأخرج من عرسال بشكلٍ شبه يومي رغم ما يُحكى عن إغلاق طريق الجرود بشكلٍ شبه نهائي..”. هكذا يُخبرك مقاتل في تنظيم داعش عندما تسأله عن مكان عيشه أو سكنه، فيجيبك من داخل عرسال أنّه ورفاقه لا يسكنون الشقق والمنازل كسائر عناصر الفصائل المسلحة في الجرود، فمقاتلو داعش يسكنون المغاور التي يعتبروها آمنة بدرجة أكبر لهم.
هناك في الجرود يبسطون سلطتهم، يفرضون على باقي التنظيمات المقاتلة سبل عيشهم هم، يحكمون بكل ما للكلمة من معنىً، يحاكمون من يخطئ ويفضّون النزاعات التي قد تنشأ بين ساكني الجرود، من عناصر الجيش الحر وجبهة النصرة وآخرين.
يروي لك، وهو لبناني من طرابلس، كيف أتى إليه أحد عناصر الجيش الحر ليشتكي له عن أنّ أحد ضباط الجيش، ويُدعى فايز عدنان، يتعامل مع الدولة السورية، ليذهب الداعشي ويُخبر الأمير الذي أمر بدوره بأن يُؤتى إليه بالضابط فايز. وبعد رفض فايز وتواريه عن الأنظار، استولت داعش على كل ما كان يملكه الضابط من سيارات ومال وعتاد وطعام وشراب، ويركّز العنصر في حديثه على الطعام والشراب كثيراً ليجعلك تبادر إلى سؤاله عن كيفية تحضيرهم لفصل الشتاء القاسي وهل يصلهم طعام عبر عرسال فيجيب: “نحنا بيوصلنا كل شي من عرسال، بس نحنا مش بحاجة لأكل ومونة، عنّا مونة بتكفّينا سنتين، وخصوصي طحين”.
تسترسل بالحديث معه، فهو على استعدادٍ أن يخبرك ما تشاء، ربّما لأنّه لبناني ويواجه مشكلة في الجرود أنّ معظم المقاتلين قليلو الكلام، وهو بالطبّع بحاجة إلى “الفضفضة والبهورة” في آنٍ معاً. تسأله عن يومياته وكيف يقضيها، فيجيب أنّه يستفيق باكراً وعند صلاة الفجر، يصلّي برفقة “إخوته” جماعة، ثمّ يتوجب عليه وكما على باقي المقاتلين السير لـ15 كيلومتراً يومياً للحفاظ على اللياقة البدنية العالية إستعداداً لأية معركة. بعد المشي الصباحي يتوجّه هو نحو عمله المقسّم عادةً لمهمتين رئيسيتين يكون مسؤوله المباشر قد بلّغه عن إحداهما في الليلة التي سبقت.
فإمّا يذهب نحو الحراسة أو المراقبة، وهي المهمة التي تمتد لفترة خمس ساعات متواصلة على إحدى النقاط العسكرية التي يتواجد بها النتظيم، وإمّا يقوم بواجبات دينية عبر التبليغ والتوجيه في الجرود، أو الإنتقال إلى عرسال وإعطاء الدروس الدينية. نعم، فعناصر تنظيم داعش لهم فلسفتهم هم أيضاً، يبلّغون ويوجّهون ويعطون الدروس في المنازل.
كيف تتنّقلون بين الجرود وعرسال؟
يؤكد المقاتل أنّ عناصر تنظيم داعش يتميّزون نوعاً ما عن باقي العناصر المسلّحة، فعناصر جبهة النصرة مثلاً يتنقّلون عبر الدراجات النارية بينما يستقل الدواعش سيارات رباعية الدفع، ويمرّون عبر طرقات غير مغلقة عسكرياً إلى داخل البلدة.
يختم حديثه ويروي أنّه في الأسبوع الماضي رافق وثلاثة من “إخوته” النمرود (الأمير العسكري لداعش في الجرود) إلى داخل بلدة عرسال آتين من الجرود، بحيث التقوا عضوًا مهمًا في بلدية عرسال، دون أن يؤكد ما إذا كان رئيس البلدية أو أي عضوٍ آخر.
بين عرسال والجرود حياة أخرى، فتنظيم داعش بدأ يفرض نفوذه وبدأت أعداده بالتزايد خصوصاً بعد الخطاب الأخير لأمير جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، الذي دفع بالعديد من عناصر النصرة إلى مبايعة داعش، نتيجة اعتراضهم على استمرار الجولاني بسلوك نهج أيمن الظواهري (الظواهري مكروه جداً بين صفوف المقاتلين في سوريا عامةً).