لهذه الاسباب رفض الأسد مقترح تجميد النزاع في حلبمحمود عبد اللطيف – عربي برس
الصراع على نيل لقب “المعارضة المعتدلة” بات على أشده في مناطق الشمال السوري بين جبهة النصرة و جبهة ثوار سوريا، ولا يمكن الفصل أبداً بين النصرة و حركة أحرار الشام، فالمعارك الشرسة التي خاضتها النصرة لصالح أحرار الشام و انتقاما من ميليشيا جبهة ثوار سوريا بعد ليلة التاسع من أيلول الماضي و التي خسرت أحرار الشام فيها كل قادتها الميدانيين دفعة واحدة في عملية أثارت الكثير من الجدل، لكن أحرار الشام بقيادتها الجديد لم تتهم أحد سوى جمال معروف قائد ميليشيا “جبهة ثوار سوريا” بالوقوف وراء العملية، و على إثر ذلك سقطت معاقل ميليشيا معروف بيد جبهة النصرة و أحرار الشام، وما تزال المعارك على أشدها في ريف إدلب الجنوبي بين القوتين.
من جهة أخرى فإن التحالف الأمريكي الذي أستهدف مقرات لحركة أحرار الشام في خطوة تعد الأولى من نوعها قبل أيام في كل من سرمدا و بسقابا فتحت باب الأسئلة، ومنها أن تكون امريكا قد استجابة لطلب تركي بدعم معروف جوياً ليتمكن من استعادة قوته على الأرض، ليكون هو المرشح الأقوى لتمثيل الـ “معارضة المعتدلة” وفق المنظور الامريكي في المناطق الشمالية، ويكون مقاتليه من ضمن قوام القوة التي ستدربها أمريكا في معسكرات على أرض المملكة السعودية.
هنا يبرز مصطلح المعارضة المعتدلة كواحد من مفرادت تغيير الإيدلوجيا بالنسبة لأحرار الشام و إن ظاهرياً وذلك للحصول على دعم أمريكا عسكرياً و للهروب من التصنيف ضمن المنظمات الإرهابية و على أساس من التنسيق العالي مع جبهة النصرة التي قبلت برفع راية ميليشيا “الجيش الحر” في مناطق الجولان السوري المحتل مقابل الدعم الإسرائيلي لها وكان غرض إسرائيل و النصرة حينها و مازال هو شرعنة دعم إسرائيل للمعارضة وفق المنظور الدولي المعادي لسوريا و لكي لا تدخل إسرائيل تحت البند السابع نتيجة خرقها لـ قانوني مجلس الأمن الدولي ذوي الرقمين 2170 و 2178 و الذين يجرما التعامل مع كل من داعش و النصرة و مع تعالي الأصوات الدولية المطالبة بضم أحرار الشام إلى هذين القانونين كان لازما ً على دول الداعمة للنصرة و أحرار الشام في شمال سوريا و جنوبها أن يروّج لخلاف بينها و بين النصرة وبأنها تخلت عن “السلفية الجهادية”، فالأمر لا يمكن أن يخرج عن دائرة الترويج الإعلامي لفكرة دعم النصرة بشكل غير مباشر من قبل “السعودية و قطر و تركيا” كمحور منفذ للرغبات الأمريكية و ليكون قوام الميليشيات التي ستدرب في المعسكرات السعودية من مقاتلي أحرار الشام بدلاً عن أي ميليشيا أخرى، خصوصاً و إن كلاً من “جمال معروف” قائد ميليشيا “جبهة ثوار سوريا و زهران علوش، قائد ميليشيا جيش الإسلام في الغوطة الشرقية أثبتا للسعودية و غيرها من الدول الداعمة فشلهما في البقاء على خارطة القوة الموجودة في الأرض السورية.
فإن كان جمال معروف و من معه خرجوا من اللعبة على يد جبهة النصرة و أحرار الشام، فإن زهران علوش الذي تشير المعلومات الواردة من دوما بأنه غادرها إلى تركيا بعد أن اصبح الجيش العربي السوري على تخوم المدينة بعد عملية عسكرية اتسمت بصمتها الإعلامي خلال الأيام الماضية، الأمر الذي دفع بالداعمين وعلى رأسهم أمريكا إلى تغيير قواعد اللعبة والبحث عن مقاتلين أكثر شراسة و يمكن تقليم أظافر رغباتهم بالخروج عن السيطرة و هنا برزت أهمية تغيير شكلي في حركة أحرار الشام ليكون الدعم المقدم لهم مشروعاً و ضمن قواعد أمريكا و من معها من دول تعادي الدولة السورية تخت مظلة دعم ما تتبجح واشنطن بتسميته “معارضة معتدلة”.
هذه الهالة الإعلامية التي روجت لها صفحات أحرار الشام على مواقع التواصل الإجتماعي لا يمكن فصلها من حيث الزمن و المضمون عن جملة الأحداث السياسية التي تدور في سوريا على المستويين المحلي و الدولي.
فكلام وزير الإعلام السوري عن إن الحل السياسي لا يمكن أن يكون على حساب محاربة الإرهاب يوحي بما يدور في أروقة السياسية بعيداً عن الإعلام، خاصة و إن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا وصل إلى دمشق حاملاً معه مبادرة تتحدث عن تجميد القتال في مناطق من سوريا خاصة حلب، وهو مبادرة حاول دي مستورا الترويج لها قبيل زيارته بأيام، وقادما ً من الدوحة بعد لقاءات مع “معارضيين سوريين”، يأتي ليطرحها على دمشق و بعيداً عن أي تصريح إعلامي بما يخص هذه الطروحات، لكن الأجواء السياسية توحي بما يدور في الاجتماعات التي يعقدها منذ الأمس ديمستورا مع من استقبله من المسؤولين السوريين ، فتجميد حلب عسكرياً يأتي في وقت تنظر إليه دمشق على إنه محاولة لإنقاذ ما يمكن أنقاذه من الميليشيات التي تقاتل في حلب خاصة بعد تقدم الجيش العربي السوري على محاور عدة أهمها محور العامرية الذي سيؤمن لحلب طريقها إلى بقية المحافظات السورية بعيداً عن رمايات القناصيين و عن رمايات مدفعي “الهاون و جهنم” التي تنفذها الميليشيات و هذا يأخذ الذاكرة إلى ما قاله “المعارض” ميشيل كيلو بأنه يراهن بحياته على أن الجيش العربي السوري لن يتمكن من استعادة السيطرة على حلب في وقت سابق، وهو ما يتوافق أيضاً مع تعالي الصوت الفرنسي بضرورة إنقاذ المدنيين من تمدد داعش نحو المدينة، وهو أمر لم تقم به فرنسا بما يخص أي منطقة أخرى في سوريا كالرقة أو دير الزور أو الحسكة و السلمية ( حين كانتا تتعرضان لهجوم من داعش) ذوات التنوع الديني و العرقي الذي يؤهلمها لحدوث مجازر كبرى في حال دخول التنظيم إليهما … فما الذي يأتي به دي مستورا و مؤشرات المعركة تشير إلى الحسم، ولما لم يطرح على سبيل المثال أن يتم الحوار خارج حلب، كدمشق مثلاً، أو حماة في الوسط السوري و التي تعد من المدن الآمنة كلياً، لو يشترط تجميد القتال لصالح إقامة عملية حوار سياسي في حلب دون سواها من المناطق الساخنة، وما أسباب الريبة من هذا التحرك للسياسة الدولية في وقت تشير فيه المعطيات إلى ارتياح سوري لمجريات الميدان القتالي في مناطق عدة، فإزالة الحواجز الامنية من دمشق مؤشر على تأمين محيط العاصمة، كما إن كثافة العمليات الجوية السورية التي تستهدف معاقل التنظيمات الإرهابية خاصة “داعش و النصرة” باتت تحرج القرار الأمريكي الذي ينتصر إعلامياَ على داعش بالتعاون مع داعش نفسه.
مبادرة دي مستورا و اختفاء جمال معروف و زهران علوش من الساحة و البربوغندا التي تعمل أحرار الشام من خلالها على ترويج وجود خلاف بينها و النصرة مع تمدد داعش نحو حلب يفضي إلى أن اجتماعات الغرف المغلقة في البيت الأبيض اتفقت على ما يلي:
1 – يتم تجميد حلب عسكرياً بما يؤمن إعادة هيكلة الميليشيات المتواجدة هناك، على أن يتم بدء عملية عسكرية من خلال إدخال بعض من عناصر “حكومة الإئتلاف المعارض” ليصار إلى الترويج ان هذه الحكومة هي الممثلة الشريعي للحكومة السورية بما يفضي إلى تعقيد الأزمة السياسية في سوريا، في خطوة لإسقاط الدولة السورية من باب السياسة بعد الفشل العسكري الكبير
2- شرعنة دعم جبهة النصرة من خلال تغليف إيدولوجيا “حركة أحرار الشام” بالخلاف الظاهري مع النصرة، وإخراج أي من الميليشيات الأخرى خارج اللعبة
3 – تصعيد العمليات العسكرية ضد داعش لما يفضي إلى القضاء عليه و إن بشكل ظاهري ليكون الرأي العام في الدول الداعمة داعماً لحكوماتها في تصعيد الحرب على سوريا التي تواجه داعش أيضاً، و التي بات الرأي العام في دول العالم يدرك حقيقة التحالف الدولي ضدها.
لكن ما هو رد دمشق..؟.
الرد السوري يشترط أن تكون مبادرة دي مستورا و أي مبادرة أخرى متوافقة مع الأعراف و القوانيين الدولية، كما إنها تضع السيادة كخط أحمر عريض لا تقبل بتجاوزه، وما إن يتم الحديث عن أي حراك داخل سوريا على أي صعيد حتى تستنفر القيادة السورية و حلفاءها الإستراتيجيين على أعلى المستويات و في مثل هذه المبادرة التي ما تزال بعيدة تفاصيلها عن وسائل الإعلام فإن الواضح من الأمر أن الحكومة السورية سترفضها أو ستقترح تعديلات عليها، فمع سعيها إلى بدء الحوار السياسي داخل الأراضي السورية، فإنها لن تقبل بأن يكون ذلك على حساب الحرب على الإرهاب، فأهم ما أختلفت عليه دمشق مع من مثل كيانات المعارضة المتعددة في جنيف 2 كان موضوع توصيف ومحاربة الإرهاب والذي كان في المرتبة الثانية في أولويات الفريق الممثل للمعارضة –إن صح التعبير- في حين أن سعيهم للحصول على السلطة كان رقم واحد في هذه الأولويات، وبهذا يستدل على أن الرئيس السوري بشار الأسد كقائد سياسي و عسكري لدولة تقاتل الإرهاب منذ ما يزيد عن الثلاث أعوام بات يدرك تماماً أن خيوط اللعبة السياسية في سوريا بيده، و أن محاربة الإرهاب تفضي إلى حل سياسي لا العكس، وعلى هذا لا يأتي في اعتباراته وقف العملية العسكرية على داعش و النصرة و كل ألوان الميليشيات المسلحة في سوريا إلا إن سلموا أسلحتهم وفق مصالحات وطنية، فإما المصالحة في حلب و تجميدها عسكرياً وفق المنظور السوري أو لا، ومبادرة دي مستورا إن لم تستند على هذا الأساس فهي باطلة من أصلها، وكل ما عمل على الترويج له من خلال طرحه لأهمية المصالحة الوطنية في سوريا خلال زيارته الأولى لم يكن إلا تمهيداً لطرح التجميد الذي ينقذ المسلحين أنفسهم، ويضر بالسوريين .. وهذا مرفوض تماماً من قبل الأسد.