ما لم ينشر عن ليلة حي «الكباس» السوداء؟لم تكن ليلة الجمعة الخامس من أيلول 2014 كسابقاتها عند أهالي حي الكباس “شرقي دمشق” فبعدما كانوا الحاضنين لعشرات الأسر من النازحين والمهجرين، ويشكلون نموذجاً سورياً متعالياً على الجراح، استيقظوا على صباح أسود بلون الحقد الأعمى الذي فاحت رائحته من “إرهاب” قادم من تخوم جوبر القريبة التي تحولت إلى مقبرة جماعية للجماعات الإرهابية بشتى توجهاتها وكتائبها المسلحة.
عند السادسة صباحاً استيقظت غنوة على صراخ الغرباء وأصوات أقدام تضرب شوارع حارة الجسر “الكباس” تشتم وتقتل من يقاومها أو يخالفها، سبقها نداء بإخلاء جميع المنازل, يضيق المكان على ساكنيه الخائفين، لا سبيل للهرب كما تقول غنوة -إحدى المحررات من عملية الاختطاف الجماعي- لـ”جهينة نيوز”: فبعد انتهاء صلاة الفجر سمعت صيحات التكبير تعلو كل مكان، واللافت كان مواصلة إمام الجامع قراءة القرآن بكثرة على غير العادة لتأليب وتحريض المسلحين، وتردف: نظرت من النافذة لأشاهد رجالاً يرتدون اللباس المموه ويضعون العصبة السوداء والخضراء على رؤوسهم مطلقين العبارات والشتائم الطائفية، في حين يخلع البعض الآخر أبواب المنازل لإخراج النساء والأطفال والرجال عنوة.
مر الوقت ثقيلاً على النساء اللواتي ارتدين الحجاب واللباس الطويل، واختبأن في المطبخ إلى أن بدأ رصاص المسلحين يخترق أبواب المنازل التي لا تفتح، خرج الجميع كما تؤكد محدثتنا وأصبح نحو 700 شخص من النساء والأطفال والعجزة تحت سطوة “جبهة النصرة” منهم نازحون وضيوف.
ولحين قدوم المساء حاول الإرهابيون إيهام الجيش العربي السوري بأن جميع المدنيين هربوا، في وقت قام المسلحون بتصوير تحركات الأهالي واتهام النظام بالتعذيب، وبعدها تم إجبار الأهالي على السير إلى مكان آخر عبر فجوة فتحت في الجدار لاختصار المسافة ومنع الالتفاف حول الحارة إلى أن وصلوا إلى الجهة الأخرى، وتم تجميع النساء في مكان والرجال في مكان آخر، ووضع قسم من الأطفال والنساء في أقبية الأبنية، وبعد ذلك طلب المسلحون إطفاء جميع الهواتف ومصادرة البطاريات لمنع الطيران السوري من تقفي أثر المخطوفين، لم يتوقف الأطفال والنساء عن البكاء مع حالة الجوع والعطش التي لحقت بالجميع، حينها عمد المسلحون إلى سرقة المحال التجارية لإطعام المخطوفين، وبعد أن فارق رجل عجوز وامرأة الحياة نتيجة الخوف نقلوا الأهالي نحو الساعة الخامسة مساءً إلى معمل الأقمشة التي تحول بياضها إلى اللون الأحمر جراء الإصابات التي لحقت بالمخطوفين، وعندها أبلغ شيخ الجامع الأهالي بحسب غنوة أن من يخرج سيقتل على أيدي الجيش السوري، وبعد ذلك تم تفجير أحد الأبنية لإغلاق الحارة في وجه اللجان الشعبية والجيش السوري.
وتكمل هديل أخت غنوة الحديث لـ”جهينة نيوز” عن الخوف الذي تعرضوا له بعد إخراجهم من معمل الأقمشة ليكونوا دروعاً بشرية لتنقلات المسلحين، ويتابعوا السير عن طريق وادي عين ترما، حيث تم العبور على جسر خشبي وبعدها دخلوا النفق إلى أن وصلوا إلى أقبية كتب على جدرانها أحرار جوبر وتمت مشاهدة السيارات تنقل المصابين، في حين لم يتوقف الجميع عن البكاء.
وأكدت هديل أنه كان لبعض شباب حارتها دور في مساعدة المسلحين، إذ سمعت أحدهم يتكلم على الهاتف ويقول أخطأتم الهدف ورميتم نحونا، وتابعوا السير إلى أن وصلوا عين ترما وتم إخبار الأهالي أنه باستطاعتهم فتح المنازل والسكن فيها، وبعدها وقف أحد المسلحين على سطح البناية وبدأ بالتكبير ملوحاً بالعلم الأسود مع التصوير الدائم، حينها وصلت سيارات مصفحة ووعدوا الأهالي بنقلهم إلى دمشق وبعد السير لمدة ساعة تم إنزال الأهالي في دوما ليدخلوهم إلى المدرسة الخالية من الكهرباء والماء، وامتلأت الصفوف والساحة بالعائلات وبدؤوا بتسجيل وانتقاء الأسماء عبر الهوية بمساعدة المتورطين من الحي، لينقل أفراد الجيش السوري العسكريون إلى سجن التوبة للتحقيق معهم.
وتضيف هديل: إن المدرسة كانت مصنعاًَ للعبوات الناسفة ويتم العمل طوال اليوم، وفي الساعة الخامسة صباحاً من يوم السبت تم إخراج الأهالي بعد المطالبة بتأمين الطعام والشراب ونقلت أول دفعة من الأسماء إلى مخيم الوافدين، أما الدفعة الثانية والتي كنا جزءاً منها فقد تم إيصالنا إلى مزرعة مكتوب عليها أحرار الغوطة، كانت المعاملة سيئة -كما تؤكد هديل- حيث أمر المسلحون بأن يقتل أي شخص يتحرك، كما تم تفتيش النساء من خلال النساء المجندات ومصادرة جميع الأجهزة والكهربائيات الموجودة مع المخطوفات، وعند انتهاء التفتيش أزاح المسلحون اللوح الخشبي عن أحد الممرات وطلبوا من الأهالي السير مسافة ربع ساعة ليكمل بعدها الأهالي بمفردهم وسط سخرية وشتائم المتواجدين في المنطقة، متوعدين المختطفين، كما شاهدت سوقاً لدى المسلحين حيث طلبوا إبقاء الأهالي لتشغيلهم فيه، ولم يتوقف الأهالي عن السير حتى وصل الجميع إلى حاجز الجيش العربي السوري يوم السبت الساعة 4،30 ظهراً، حيث كان الازدحام الشديد عند الحاجز الذي يسهل حركة الأهالي ويقدم العلاج والطعام الجميع.
جهينة نيوز