نبيه البرجي: الالتباس الخلاق والالتباس الغبي

نبيه البرجي: الالتباس الخلاق والالتباس الغبي

09 أكتوبر 2014

نبيه البرجي

يقول الباحث الاميركي جون الترمان «لكأنهم يضعون القضاء والقدر على ظهورهم»، ثم يسأل «كيف ولماذا نراقص هؤلاء البرابرة؟».
انه مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية، ويكاد يتحدث عن صفقة ما، «شراكة» ما، تواطؤ ما، بين الامبراطور (باراك اوباما) والخليفة (ابو بكر البغدادي)، ملاحظاً كيف ان مستشاري البيت الابيض كادوا يفقدون اعصابهم حين لامس مقاتلو الدولة الاسلامية مدينة اربيل. استنفار في البنتاغون، وجلبة على متن الاسطول الخامس الذي قيادته في البحرين، فيما ذلك التعاطي الملتبس مع مدينة كردية اخرى هي كوباني او عين العرب كما يصرّ العرب على تسميتها…
هل هو النفط حقاً؟ هل هي خارطة الشرق الاوسط الجديد حقا؟ الترمان يرى ان نظرية «الالتباس الخلاق» يمكن ان تتحول في اي لحظة الى «الالتباس الغبي»، فالتقارير الاستخباراتية تحدثت بالتفصيل عن تأثير الوباء الايديولوجي الذي تمثله» داعش» داخل المؤسسة العسكرية لدولة عربية حليفة جدا. العدوى انتقلت الى نصف الجيش تقريبا، ولو لم يتم تدارك الوضع، بايقاع معين، لحدثت انفجارات في دول عربية تعتبر مقدسة بالنسبة الى المصالح الاميركية.
العديد من الباحثين الاميركيين والاوروبيين يرون ان العشوائية التي تعاطى بها الاتراك والعرب لتقويض نظام بشار الاسد انتجت ذلك الطراز الهائل من الذئاب التي لا يمكن في حال من الاحوال وقف انتشارها لانها استطاعت ان تتموضع داخل القصور، وفي الجامعات، وبين القبائل، وبطبيعة الحال في الازقة التي غالباً ما تتحول الى مصانع للغضب…
اللافت ان تقول مادلين اولبرايت ان الادارة امام مأزق حقيقي. هي تلعب في الجو والبغدادي يلعب على الارض، ودون ان يكون بالامكان ارسال قوات برية» لاننا لا نعرف حقا من نقاتل»، فيما الانظمة العربية التي طالما كانت تعد العدة لتبعث بدباباتها، وعبر الاردن، الى دمشق، تبدو الان شديدة التوجس من انفجارات داخلية تفضي الى تقويضها هي بالذات…
الاتراك لا يقلون توجسا عن العرب. لم يعد خفيا على احد ما يتردد في اسطنبول، وهي المدينة التي يقول رجب طيب اردوغان انه اودعها دقات قلبه، من ان نصف اعضاء حزب العدالة و التنمية يتعاطفون مع» داعش»، وان هذه النسبة في تزايد، والى الحد الذي يحمل جنكيز تشاندار الى التساؤل، بطريقة ما، ما اذا كان اردوغان سيصبح ذات يوم، او هو اصبح فعلا، في قبضة البغدادي..
ليس تنظيم الدولة الاسلامية بالظاهرة العشوائية او المرتجلة. ثمة اجهزة استخبارات عملت على اعداده وبدقة، وثمة حديث عن مسؤولين سابقين في اجهزة استخبارات غربية واسرائيلية اضطلعوا بأدوار استشارية او عملانية. وقد يكون ابو بكر البغدادي هو الوجه الذي في الواجهة، فيما يوجد فريق من الادمغة هي التي تتولى ادارة المعارك سياسيا وعسكريا واعلاميا…
الخبراء العسكريون الاميركيون يقرون بذلك، وهم يلاحظون ان مقاتلي «داعش» يبدون وقد درسوا الارض بدقة. يعرفون اين هي نقاط الضعف ان في الصحارى او في المدن، كما ان عملاء لهم يسبقونهم عادة الى الامكنة التي يخططون للانقضاض عليها. كان مثال الموصل جلياً. سقطت المدينة ايديولوجياً قبل ان تسقط عسكرياً…
الاميركيون يدركون جيدا ان اغلب الجيوش العربية هي جيوش فولكلورية. لا ريب انه كان لهم الدور الاساس، بالتواطؤ مع الانظمة، في بناء تلك المؤسسات. الآن يشعرون بالصدمة ليس فقط لان الجيوش اياها عاجزة عن العمل في الميدان، حتى بتغطية جوية منقطعة النظير، وانما لان هذه الجيوش ليست متماسكة ولا يجمعها اطار عقائدي موحد، بل انها عبارة عن موزاييك قبلي استطاع ذلك الفيروس القاتل ان يخترقه بسهولة…
ولكن أليس هذا ما تبتغيه واشنطن حقا: انظمة واهنة، وواهية، جيوش مكدسة في الثكنات، وطائرات ودبابات تصلح لغرف النوم اكثر مما تصلح للميدان؟ المشكلة ان تنظيم الدولة الاسلامية نجح في تغيير قواعد اللعبة. ماذا اذا نجح في الاستيلاء على دولة حليفة للولايات المتحدة وامسك بآلاف الدبابات والطائرات و المنصات الصاروخية؟ هذا السؤال يطرح، ويطرح معه سؤال اولبرايت «اين اصبحت خطوطنا الحمراء؟».
ثمة من يدعو الى التعاون مع ايران. اللوبي اليهودي يعمل بقوة ضد هذا الاتجاه، لا بل انه كان يراهن على وصول » داعش» الى الحدود معها، وقد اقتربت منها كثيرا. المسألة اكثر تعقيدا من ذلك بكثير. وهنا يوجد رجل مثل زبغنيو بريجنسكي يعترف، وان متأخرا جدا، بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة بالدرجة الاولى عن انتاج تلك الظواهر حين وقفت الى جانب انظمة تعود على الاقل الى القرون الوسطى، وتمارس القهر السيكولوجي بالدرجة الاولى، بعدما تحدثت توني موريسون عن «مجتمعات النخاسة» ، فكان لا بد ان يظهر ذلك التنين الذي يحطم كل شيء امامه…
ماذا عندما نتكلم لبنانيا في الظاهرة؟ كما في اي بلد عربي اخر. شظايا بشرية ناطقة، ونعود لنقول اننا بايدينا نفرش السجادة الحمراء لمولانا ابي بكر البغدادي رضي الله (وملائكته) عنه!
الديار

» نبيه البرجي: انا الخليفة !
» نبيه البرجي: فانتازيا !!
» نبيه البرجي: أشباح !!
» نبيه البرجي: عام المائة عام
» نبيه البرجي: انه الصراع الإستراتيجي