الحرب على «حزب الله» وتحييد الجيشهيام القصيفي – صحيفة الأخبار
إضافة إلى التحليلات العسكرية والميدانية لمعركة بريتال الأخيرة، ثمة قراءة سياسية في أبعاد المعركة، في ضوء التطورات العسكرية التي انفجرت في سوريا.
تخطت المعركة التي شهدتها جرود بريتال بين حزب الله وجبهة النصرة، البعد العسكري والمحلي بمعناه الضيق، المتعلق بتأمين ممرات ومقار شتائية آمنة لمسلحي الجماعات الاصولية، او اعادة وصل ما انقطع مع القلمون السورية.
ثمة قراءة سياسية في البعد الاستراتيجي لمعركة بريتال، التي حولت الاهتمام من عرسال الى تلك المنطقة التي يسيطر عليها حزب الله.
فبعد شهرين واسبوع على معركة عرسال، تأكد للاطراف الاقليمين المعنيين ان خطر توريط الجيش اللبناني في معركة مع اطراف اصولية، يجر لبنان بكل فئاته الى حرب شاملة. فلبنان رغم كل ما مر به، ليس العراق او سوريا في حالتيهما الراهنتين، ومجموعاته الطائفية التي قد تُستهدف بحرب من النوع الذي تشهده الدولتان المذكورتان، ليست أقليات معزولة.
في ضوء ذلك، توافرت الظروف الموضوعية لإعادة تهدئة الوضع اللبناني، واحتضان الجيش مجددا من أعلى مرجعيات سنية بغية تحييده. وهذا ما حصل. عاد الرئيس سعد الحريري الى لبنان وفي جعبته مليار دولار سعودية للقوى الامنية. ثم بقي السفير السعودي علي عواض العسيري بعد مغادرة الحريري، رغم انتهاء مهماته، ليبقي العين السعودية على لبنان.
بعد شهرين، تغيرت اوضاع سوريا والعراق جذريا، وانطلق الائتلاف الدولي والعربي لضرب الدولة الاسلامية بعد تمددها المفاجىء والمتنامي. وشكل الدخول العربي في الائتلاف إطارا لتحقيق توازن بين علاقات اميركية عربية لادارة ازمة المنطقة، والحوار الاميركي مع ايران حول الملف النووي ومع تركيا وإيران في شأن أوضاع الشرق الاوسط ولا سيما العراق وسوريا.
كان جليا منذ ان تقدم مسار المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة الخمس زائدا واحدا، ان السعودية لا تنظر بكثير من الارتياح الى العلاقة المستجدة بين طهران وواشنطن. وحالما مُددت مهلة التفاوض حتى 24 تشرين الثاني المقبل، زاد تململ دول الخليج، وان سعت الرياض الى ترطيب العلاقات المتشنجة مع طهران، حول اوضاع اليمن والعراق وسوريا، وتوجت مساعيها بلقاء بين وزيري الخارجية السعودي سعود الفيصل والايراني محمد جواد ظريف في نيويورك.
جاء انفلاش الدولة الاسلامية، ليدفع دول الخليج نحو ترتيب العلاقات الفاترة مع واشنطن بالانضمام الى التحالف الدولي، لكن ما تريده هذه الدول من الضربات الجوية لتنظيم الدولة، يختلف جذريا عما تريده واشنطن. وبحسب هذه القراءة، لم تستهدف واشنطن بضرباتها حتى الان، الا التنظيمات والتجمعات التي تمثل خطرا مباشرا عليها وتطلق تهديداتها تجاه المصالح الاميركية والغربية، كما حصل حين استهدفت تنظيم خراسان، او حين تستهدف حاليا تجمعات المقاتلين الغربيين الآتين من اوروبا للقتال في سوريا او العراق. اما “تنظيم الدولة” فيمثل تهديدا مباشرا لدول الخليج العربي، لا للغرب في المدى المنظور، اذ انه يستقطب المقاتلين من دول العالم الى مناطقه، بدل تصديرهم إليها كما كان يفعل تنظيم القاعدة.
من هنا تتضارب رؤية الطرفين العربي والغربي الى هذا التحالف. لواشنطن حساباتها من ضرب التنظيم بصورة روتينية تقليدية، لا تشبه حربها الاولى والثانية في العراق. وللدول الخليجية والاردن مصالح لا تتعلق فقط بضرب “الدولة”، رغم انها ستكون المتضرر الاكبر منه. تريد هذه الدول من دخولها في التحالف “ضرب عصفورين بحجر واحد”: ضرب “الدولة” وضرب خصومها ايضا في المنطقة وتقليص نفوذهم، عبر اعادة التوازن الى العراق واعطاء مكاسب وصلاحيات اوسع للقوى السنية، واسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، (كما تريد تركيا لحسابات اخرى) واستهداف حزب الله في مناطق نفوذه في لبنان. وهي اهداف تبدو حتى الان عربية المنحى، ولا مصلحة مباشرة لواشنطن في الدخول فيها، في وقت لا تزال فيه تسير مفاوضاتها مع ايران بوتيرة مقبولة.
مع بدء الضربات الجوية للتحالف، اهتز فجأة الوضع العسكري السوري الذي كان يراوح مكانه منذ اشهر، وتفجرت الجبهات دفعة واحدة من حلب الى درعا وادلب والقنيطرة وضواحي دمشق على نحو عنيف، للمرة الاولى منذ ان ارتسمت خطوط التماس بين النظام السوري ومعارضيه. وتوسع اطار الانفجار الى المناطق حيث التماس المباشر مع حزب الله على الحدود اللبنانية السورية. من هنا المعنى الحقيقي لمعركة بريتال، في وقت كانت فيه الانظار العسكرية تتجه الى عرسال 2. لان بريتال بامتداداتها الجغرافية تمثل رأس الحربة لاستهداف حزب الله، كطرف اساسي في حماية النظام في سوريا.
وهنا خطورة هذه المعركة. لان الاستهداف هذه المرة جاء من « النصرة» لا من تنظيم الدولة، ولانه لم يقترب من البقع الامنية التي ينتشر فيها الجيش، لا بقاعا ولا شمالا. وهذا يعني ان بريتال قد تكون الشرارة الاولى لسيناريو الحرب على حزب الله، كجزء من الحرب التي اشتعلت مجددا في سوريا. وقد يتضاعف الضغط على الحزب، من الان وصاعدا، مع احتمال استعادة مشهد شبيه بما حصل العام الماضي، فلا تبقى المعركة حدودية، بل تنتقل الى الداخل عبر تفجيرات انتحارية، فيما يتوزع اهتمام الجيش، المطلوب تحييده، بين عرسال وطرابلس وغيرهما، ومعارك جانبية لا تغير في اتجاه الأحداث الكبيرة. وهذه التطورات العسكرية اعادت ملف رئاسة الجمهورية الى المربع الاول، وستضرب للانتخابات مواعيد جديدة، كي تتبلور نتائج هذه الجولة من الحروب.