مقاتل في «حزب الله» يروي تفاصيل مشاركته في الحرب السوريّةفي العام 2011 وصلت موجة ما يُعرف بـ”الربيع العربي” إلى سوريا، نزل المعارضون إلى الشوارع يطالبون برحيل الأسد، أراد السوريون تغيير النظام، كسروا حاجز الخوف ورفعوا صوتهم عاليًا. تدريجًا تبدّل ميزان القوى على الأرض، وشارك كثيرون في الحرب ومن جنسيّات مختلفة. من لبنان إلى سوريا، ذهب البعض للقتال مع “داعش” و”النصرة” و”الجيش السوري الحرّ” في وجه النظام بحجّة الدفاع عن “أهل السنّة”، ولحقهم “حزب الله” للدفاع عن المقامات الشيعيّة والقتال مع النظام.
في العشرين
ابراهيم شاب يبلغ الثانية والعشرين من عمره، انضمّ إلى “حزب الله” وذهب للمشاركة في الحرب السوريّة، ضمن واجبه الجهادي في حماية المقامات المقدّسة وحماية الشيعة وحماية الحدود اللبنانيّة من أي مدّ تكفيري. كان الشاب في العشرين من عمره عندما انضمّ إلى الحزب ، ويقول لـ”النهار”: “الانضمام إلى الحزب لا يعني فقط الخضوع لدورات تدريبيّة في القتال، نحن نصلّي ونقيم جلسات دينيّة كلّ يوم جمعة، لكننا لا ندرس التفرقة بين السنة والشيعة، ممنوع علينا أن نشتم أحدًا. ثمّ أجريت دورة لمدّة شهر لأصبح عسكري مرابطة وتثبيت، فتعلّمنا الانضباط والقوانين، ثمّ خضعت لدورات أخرى، هناك اختصاصات كثيرة ضمن الحزب ووحدات كثيرة، كلّ وحدة تعرف دورها ولكنها لا تعلم دور الوحدات الأخرى، وهذا سرّ نجاح حزب الله. أنا كنت في التدخل، كنت من القوات الخاصّة أو ما يُعرف بالنخبة في الحزب. أجريت دورة لمدّة ثمانيّة أشهر، تعلّمنا فيها الكثير من الأمور وخضعنا لمسابقات خطيّة، تعلّمنا كيف نقاتل في المدن والصحارى، وكيف تقام حرب الشوارع والعصابات، أجرينا مناورات عسكريّة بعضها في سوريا وآخرى في إيران، لكن المشاركة في أي حرب تبقى الأهمّ، لأنها تكسبنا خبرة قتاليّة وعسكريّة كبيرة”.
إلى الحرب السوريّة در
شارك ابراهيم في دورات إجباريّة ينظّمها الحزب لتدريب مقاتليه، دورات يخضع لها كلّ الشباب الذين ينضوون تحت رايته ، ليكونوا جاهزين لأي مهمّة توكل إليهم، سواء كانت حربًا في سوريا أو غيرها. ويقول: “دخلت إلى حزب الله وكنت أعلم الطريق الذي سأمشيه، أنا أجاهد في سبيل الله، وسأذهب إلى أي مكان يطلب مني الذهاب إليه طالما وضعي يسمح بذلك، ذهبت بإرادتي إلى سوريا وليس غصبًا عني، كنت أرى الخطر المحدق بلبنان، كان من واجبي الذهاب لأنني شيعي ومستهدف أينما كنت”.
كان يدرك ابراهيم أن رحلته إلى سوريا ليست للاستجمام ولا للتسلية، بل إنه سيشارك في القتال، وقد يعود إلى أهله او لا يعود. يتابع: “الذهاب إلى سوريا خطر، في الطلعة الأولى سألت نفسي مثل كثيرين عن الذي قادني إلى هنا، ولكني كنت مدركًا أن من واجبي حماية المقامات والدفاع عن الشيعة، ولاحقًا قرى مسيحيّة، لأننا مدرّبون ومجهزّون وقادرون على الدفاع. نحن لا نقاتل السنّة بل نقاتل أشخاصا يشكّلون خطرًا على الشيعة والمسيحيين والسنّة أنفسهم، يشكّلون خطرًا على كلّ الناس، أشخاص يريدون رأس حزب الله وليس القضاء على النظام السوري، نحن لا نقاتل من أجل الأسد أو النظام بل لأن المقامات خطّ أحمر ولأن وجودنا مهدّد”.
اكسبت الحرب السورية ابرهيم خبرة قتاليّة مهمّة، بات قادرًا على الدفاع عن نفسه وعن بيته، لكنّه لا يفرّق بين شيعي وسني بل مؤمن بأن الاثنين أولاد دين واحد، كما لا يهمّه بقاء الأسد أو رحيله، لا تعنيه سوى المقامات والخوف على الوجود. يتابع: “لو طلب مني الذهاب إلى حلب، لن أقوم بذلك أنا دافعت عن المقامات وعن حدودي اللبنانيّة. لو لم نذهب إلى القلمون لكانوا وصلوا إلى لبنان دون أن يقوى أحد على مقاومتهم. أنا أعرف قضيتي وأعرف واجبي وأدرك ما الذي يمليه عليّ ديني”.
معركة القلمون: التجربة الأولى
المشاركة الأولى لابراهيم في حرب سوريا كانت في أواخر العام 2012، في معارك القلمون والسحل ويبرود، لكن ما أن انتهت معركة القلمون عاد إلى منزله ولم تطأ قدميه أرض سوريا مجدّدًا: “عندما بدأت الحرب السوريّة، كنا نرسل كخطوط دفاع إلى المراكز التي أخذها الحزب للتموضع أو للتثبيت حتى نعتاد على الأجواء، ذهبت بداية إلى حدود الأمانة إلى الزبداني، ثمّ شاركت في معركة القلمون، بقيت هناك حوالى عشرة أيّام، أخذنا القلمون في يومين، ولكننا بقينا لتمكين سيطرتنا على التلال وتثبيت مواقعنا حتى وصلنا إلى ضيع السحل، بعدها عدت إلى لبنان ولم أعد إلى الحرب”.
وشارك ابراهيم في القتال، وفي قتل من أجمع على اعتبارهم تكفيريين وإرهابيين، حمل سلاحه وقاتل، رأى رفاقه يستشهدون أمامه، ولكنه ثابر في معركته حتى حقّق نصرًا وردّ خطرًا محدقًا على لبنان وحدوده الشرقيّة: “شاركت في القتال، لكنني لم أشتبك معهم من مسافة قريبة ومباشرة، قاتلت عن مسافة 20 إلى 50 مترًا، ولا أعرف إذا قتلت منهم أم لا، أعرف أن كثيرين قتلوا. كنا ثلاث مجموعات، كنا نستعمل الكلاشينكوف والـBKC. كل واحد لديه اختصاص، وبحسب أماكننا تتحدّد نوعية الاشتباك الذي نخوضه، رفاقي حالفهم الحظّ واشتبكوا على مسافة 5 أمتار مع المسلّحين. معركة القلمون كانت خطيرة، فهي منطقة جبليّة جرداء، لا يوجد فيها مكان نحتمي فيه، واحتمال إصابتنا كان واردًا في كلّ لحظة، لذلك كان الهجوم صعبًا، لكن الأصعب منه الثبات في المواقع والمحافظة عليها”.
ذكريات من المعارك
شعر ابراهيم بخطر قريب في القلمون على مقربة من السحل، هناك في إحدى التلال التي استولى عليها الحزب. يتذكر قائلًا: “بعدما أخذنا القلمون وثبّتنا مواقعنا على مقربة من السحل، تعرّضنا لهجوم من أعداد كبيرة من المسلحين، صعدوا إلى تلّة كنا نحتمي خلفها، من وصل إلينا قتلناه، لأنه لم يكن هناك من إمكان لأن نطلّ أمامهم لأننا مكشوفين ومعرّضين للقصف، لاحقًا اعتدنا على الخطورة بإيماننا الذي ثبّتنا”.
هناك صعوبة أخرى يرويها ابراهيم، سمعها من رفاق السلاح، هي إطلاق النار فيما الآخر ينظر في عيونه: “من الصعب إطلاق النار على آخر وهو ينظر في عيوننا، وخصوصًا في المرّة الأولى، كلّ رفاق السلاح يجمعون على الأمر، لكن لاحقًا يصبح الأمر عاديًا. لم تحدث معي، كان اشتباكي مع المسلّحين على بعد 20 مترًا، لكن الاشتباك عن قرب مميّز، وليس خطرًا كما يظن كثيرون، لأن القصف يتوقف لحظتها ومن لديه مهارة وسرعة في استعمال السلاح هو الذي يربح”.
رفيقي الذي استشهد
عندما وصل ابراهيم إلى سوريا، مثل كثيرين، فكّر بأهله وأحبابه وأخوته، لكن بمجرّد خروج الطلقة الأولى من سلاحه، نسي حياته المدنيّة، وصبّ اهتمامه وتركيزه على المعركة وكيف سيحمي نفسه ويخرج حيًا من القتال. خاف ابرهيم من هول ما يراه أمامه، لكن ما أن أطلق الرصاصة الأولى، نسي خوفه ليحمي نفسه ورفاقه، ويقول: “هناك لا نفكّر بالبيت والأهل، بل بالمعركة، ممنوع علينا أن نسهى كي لا نُقتل أو نتسبب في قتل رفاقنا. خلال المعركة كلّ دقيقة خطيرة، لقد رأيت رفيقي الذي قضيت معه لحظات جميلة كثيرة يستشهد أمامي، لكنني لم أنظر إليه كي لا أتأثر وأعجز عن إكمال المعركة وأتسبّب في موتي. لقد استشهد، أصيب في رأسه، ولم أستطع مساعدته. حزنت على فقداته ولكنني فرحت له، لقد اختاره الله الذي لا يختار أيًا كان، الشهادة أجمل له من أن يصاب بإعاقة دائمة”.
الرواتب التي يدفعها الحزب تراوح بين 500 و1300 دولار أميركي وفقًا للمهمّة الموكل بها العنصر، بحسب ما يؤكّد ابراهيم، ولكن هل يستأهل هذا المبلغ الموت؟ يردّ قائلًا: “كثيرون يقولون أننا انضمّينا إلى الحزب طمعًا بالرواتب التي يدفعها، علمًا أنني لو عملت في مطعم سأحصل على راتب أعلى. نحن لم ننضمّ من أجل الراتب ولم نذهب إلى سوريا لزيادة الأجر، نحن لدينا قضية، لدينا مقامات علينا حمايتها، وهناك ضيع شيعيّة حدوديّة علينا حمايتها. الشهادة نعمة ودرجات، أعظمها في ساحات القتال في سبيل الله، لأن عند نزول نقطة الدم الأولى تمحى كلّ الذنوب”.
قد أعود
ذهب ابراهيم إلى سوريا من دون علم والدته ثمّ اعتكف عن الذهاب مجدّدًا بسببها، فيفسّر: “كنا في دورة تدريبيّة استمرّت شهورًا، وذهبنا من هناك مباشرة إلى سوريا، ذهبت من دون علم والدتي، أخبرت شقيقي فقط لأطمئنه. قبل عودتي بأيّام علمت أمي من الشباب الذين كانوا معي في الحرب وعادوا إلى لبنان أنني في سوريا وأشارك في القتال، مرضت والدتي وصدمت بخبر وجودي في سوريا. عندما عدت إلى لبنان بقيت فيه، لأن المرض اشتدّ عليها، وأنا العازب الوحيد في المنزل وعليّ الاعتناء بها. لم تكن تعارض ذهابي إلى سوريا، ولكنها كانت على يقين أن الوجود هناك يعني الموت. من يذهب إلى سوريا لا يفكّر بالعودة حيًا، هناك حرب دائرة وتختلف عن أي دورة تدريبيّة أو مناورة حربيّة”.
بين التحسر والراحة، تتأرجح مشاعر ابراهيم بعدما قرّر وقف قتاله في سوريا: “لا يمكنني القول بأنني لست مرتاحًا، خصوصًا أن العيش تحت وطأة القصف والمعارك متعب ومنهك، ولكن في داخلي حنين وحماسة للذهاب مجدّدًا، خصوصًا عندما يرسل لي رفاقي صورًا لما يحصل معهم. لكنني أخذت قراري ولست نادمًا. يمكنني العودة متى أردت، فلا توجد نقمة عليّ داخل الحزب، ولكن هذا ما كتبه الله لي، وأنا راضٍ بنصيبي، إضافة إلى أن الخطر المحدق على لبنان تراجع، وباتت الأمور أقل احتدامًا”.
عودة ابراهيم إلى القتال ممكنة وورادة إذا تطوّرت الأمور على الحدود الشرقيّة، أو للمشاركة في معركة ضدّ إسرائيل، ويقول: “في حال تطوّرت الأمور واستلزمت عودتي ومشاركتي، لن أتراجع. إسرائيل هي التي صنعت “داعش” وليس السنة كما يُقال، لأنها تعلم أن زوالها سيكون على يد “حزب الله”، لذلك تحاول قلب المعادلة، حاولت القضاء عليه بحربها المباشرة ضدّه وخسرت، فاخترعت داعش، في المعتقدات والكتب الإسرائيليّة مدوّن أن “حزب الله” سيرفع رايته في القدس، ولن أتوانى لحظة عن المشاركة في هذه المعركة. الإمام المهدي سيظهر مع جيشه، وقد يكون حزب الله جيشه وقد لا يكون، لكن المؤكّد أن الحزب يقوم بكلّ ما في وسعه ليمهّد له الطريق، إنّه يجهز الأرضية، وكلّما قوي الحزب قويت دولة الإمام المهدي”.
* النهار