العرب في التحالف الدولي: أهداف «بالمفرّق».. هل تفرّق المصالح مَن اجتمعوا على «داعش»؟حمزة الخنسا – العهد
لم يعد سراً القول إن أهداف الإدارة الأميركية من التحالف الذي تقوده ضد “داعش” في سوريا والعراق، تتخطّى تلك المعلنة والمتعلّقة بمكافحة الإرهاب. لواشنطن مرامٍ غير معلنة، رغم أنها غير خافية على أي متابع لمسار الأحداث. فالتحالف الجديد يضمن للأميركيين موطئ قدم داخل سوريا، ويؤمّن لهم الاستمرار طويلاً في العراق، على مرمى حجر من إيران. وعلى الرغم من التفاوض المباشر بين الطرفين، تتطلّب الاستراتيجية الأميركية للمرحلة، تكثيف الضغوط على طهران ومحاصرة نفوذها قدر الإمكان.
كان دخول السعودية طرفاً أساسياً ومركزياً في هذا التحالف، مطلباً بل حاجة أميركية ملحّة. تريد واشنطن قذائف عربية سُنيّة تدك معاقل “داعش”، جنباً الى جنب مع القذائف الذكية “الصليبية”. تسعى إدارة أوباما الى تلافي خطأ إدارة بوش الابن إبّان غزو العراق.
وفي سبيل “جذبها” الى التحالف، كرّست واشنطن الرياض لاعباً إقليمياً وازناً، عبر التغييرات الجوهرية التي حصلت في العراق، والتغيير المرتجى في سوريا. لكن لمملكة آل سعود أهدافاً تتخطّى الأجندة الأميركية المرحلية المتمثلة بتقليم أظافر “داعش” لا القضاء عليه نهائياً، لتصل الى حدّ تحقيق “حلم المملكة” برؤية سوريا من دون بشار الأسد. يراهن السعوديون على تدحرج العملية العسكرية في سوريا، تحت أية ذريعة ممكنة، لتتحوّل الى حملة للقضاء على النظام. يتطلّع السعوديون الى سابقة تجاوِز التفويض الأممي الممنوح للناتو في ليبيا، يوم أخلّ الحلفاء بتعهداتهم، وانقضّوا على نظام القذافي وقضوا عليه.
لا شك أن السعودية صاحبة مصلحة مؤكّدة في الحدّ من خطر “داعش” في العراق القريب. لا تمانع المملكة إن بقي التنظيم التكفيري “بعبعاً” يخيف العراقيين ويجبرهم على تقديم التنازلات حيث يلزم، لكنها طبعاً تريد أن تأمن شرّه، وهي التي بدأت تتلمّس آثاره داخل مجتمعها وفي بيتها الداخلي، خصوصاً مع انضمام مئات الشبّان السعوديين الى ساحات “الجهاد” تحت راية “الخليفة البغدادي”. أساساً، تتحسّس السعودية “الخطر الشرعي” لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تماماً كما تتحسّس خطره الأمني. فالدولة المزعومة، ووفقاً لـ”دستورها” تتحيّن الفرص لتتمدّد داخل أرض “الرسالات” حيث مكّة والمدينة، لتصبح في “قلب الإسلام” وجودياً ووجدانياً.
فيما يتعلّق ببقية الدول العربية المشاركة في التحالف، فالبحرين مثلاً، لا تستطيع التغريد خارج سرب القرار السعودي الانخراط في هذا التحالف. السلطات في المنامة تعوّل بالكامل على “الاحتضان السعودي” لها في مواجهة التحركات الشعبية التي تجري يومياً في البلاد. هي تدرك أنها لن تصمد طويلاً أمام الحشود الشعبية الغفيرة المطالبة بالتحقوق، إن قرّرت السعودية في ساعة غضب، قطع المدد الاستخباراتي والأمن عن نظام آل خليفة، أو حتى سحب درع الجزيرة من شوارع البحرين. أما قطر، فمشاركتها مهمة. تريدة الإمارة الصغيرة والغنية، تلميع صورتها، خصوصاً بعد الاتهامات ـ تقارير استخباراتية وصحافية غربية وعربية ـ التي طالتها فيما يتعلّق بدعم الجماعات التكفيرية في سوريا. الفرصة مناسبة للدوحة لإطلاق حملة إعلامية ـ ترويجية حول العالم تعرض فيها مساهماتها في مجال ضرب الإرهابيين في سوريا والعراق.
مصر اتخذت موقفاً متمايزاً عن السعودية، وفضّلت البقاء خارج التحالف الذي تقوده واشنطن. أصلاً تنشط القاهرة على خط فتح قنوات التواصل بين دمشق والكثير من العواصم العربية الأخرى. هل هو دور مطلوب منها، أم حراك في مصر لاستعادة دورها في المنطقة؟
لا تختلف دوافع الأردن كثيراً عن دوافع السعودية. فالمملكة الملاصقة لسوريا، كانت على مدى الأزمة في الشام، ممراً ومستقراً للعديد من الجماعات المسلّحة السعودية التجريب والتسليح والعقيدة. وبالتالي، يستشعر البلاط الملكي الهاشمي الخطر “الداعشي” في عدد لا بأس به من مناطق البلاد، خصوصاً تلك التي تملك حدوداً مع سوريا، استخدمها المسلّحون في ذهابهم وإيابهم الى أرض المعارك.
أما تركيا التي تردّدت كثيراً قبل أن تصبح “ملكية أكثر من الملك”، فلها قصة أخرى. أُبلغ المسؤولون الأتراك الذين التقوا وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته الأخيرة الى أنقرة، بأن ورقة “داعش” لم تعد صالحة للعب تركياً. لم تتغيّر اللهجة التركية كثيراً، وبقي موقف أنقرة حيال المشاركة في التحالف غير واضح، الى أن ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى واشنطن. هناك، لم يحظَ أردوغان بلقاء مع الرئيس الأميركي، على الرغم من أنه ذهب “في عزّ” قوته، إثر انتخابه رئيساً للبلاد من قبل الشعب لأول مرة في تركيا.
على بُعد 40 كلم من الحدود التركية، داخل الأراضي السورية، يقع ضريح سليمان شاه، جدّ عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية العثمانية. يُعتبر الضريح أرضاً تركية وتتولى وحدات عسكرية تركية حمايته. هذه الوحدات بقيت في أمان على الرغم كل ما حصل في المنطقة. لكن، في اليومين الأخيرين اندلعت اشتباكات بين عناصر “داعش” وعناصر حماية الضريح، وسرت معلومات عن اعتقال 20 من الحرّاس الأتراك. خرج أردوغان بعدها ليؤكد أن لا مفرّ من الانخراط في محاربة “داعش”، إن على الطريقة التركية، عبر منطقة حظر طيران، أو على الطريقة الأميركية من خلال الهجوم المتدحرج. حادثة الضريح هذه ممكن أن تحصل في أي زمان ومكان، فهل بُني التحالف على سياسة الترهيب للترغيب؟