الأسد يقود سوريا على حدود المواجهةمحمود عبد اللطيف – عربي برس
يشبّه محلل عسكري خطة رئيس بلاده “باراك أوباما” لضرب تنظيم داعش في كل من سوريا و العراق، بـ “النزوة الجنسية” التي تؤمن الإشباع و لا تلزم حكومة أمريكا بأي شيء على الأرض، بمعنى أن الدمار الناتج و الآثار النفسية التي تخلفها أي حرب، ليست من مسؤولية التحالف الدولي التي تحاول أمريكا أن تخرج به إلى المجتمع الدولي مشرعنة عودتها العسكرية إلى المنطقة لتنفيذ خطط قديمة.
- يشكك بعض الصحفيين الذين تورطوا و انزلقت أقلامهم في هوة العداء لسوريا من بقدرة دمشق على الرد العسكري ضد أي عدوان، و تعليقاتهم تلت تصريحات المستشارة السياسية و الإعلامية للرئاسة السورية بثينة شعبان، عن إن حكومة بلادها ستسقط أي طائرة أمريكية أو غير أمريكية تدخل المجال الجوي السوري دون إذن دمشق.
- ترفض إيران الدعوة الأمريكية لدخول التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في شخصنتها للإرهاب بـ “داعش” في خطوة تغض أمريكا و من معها الطرف عن كل الممارسات الإرهابية التي تمارسها بقية الميليشيات المقاتلة في سوريا ضد المدنيين و الدولة في آن معاً، فـمن منظور أمريكا و حلفائها فإن ما تقوم به الميليشيات الإرهابية في محيط دمشق من استخدام مقذوفات مدفعي ( الهاون و جهنم) و الصواريخ في استهداف الأحياء المدنية ضمن الأعمال الإرهابية.
- لـ روسيا موقفها الحاد و الملتزم بأمن سوريا، و أمن المنطقة ككل باعتبارها منطقة نفوذ استراتيجي لها في العالم، لذا فإن الحديث عن دعم موسكو للدولة السورية يأتي وفق التحالفات التي بدأتها الدبلوماسية السوفيتية و استمرت بها الحكومة الروسية بعد انهيار الاتحاد، لتصل إلى مرحلة التأثير الكبير في القرار الدولي منهية حكاية ( القطب الأوحد) في القرار الدولي، و التي كانت أمريكا بطلتها حتى وقت قريب. على ما تقدم ما الذي تملكه دمشق عسكرياً و اقتصادياً و اجتماعياً لمواجهة أي احتمالات الحرب التي يمكن أن تخوضها بمجرد أن تقوم أمريكا بدخول الأراضي السورية بأي طريقة كانت و أياً كانت الأسباب. في الاحتمالات العسكرية لسوريا، لا يمكن إغفال التعاون العسكري الكبير بين سوريا و بقية حلفائها في محور المقاومة، و لأن حلفائها يدركون مدى قوة دمشق في الرد العسكري بشكل منفرد، يذهبون باتجاه دعمها، لا خوض الحرب بدلاً عنها، و لأن أمريكا تدرك تماماً مدى فاعلية الدفاعات الجوية السورية، إضافة إلى عدم دخول جزء كبير من القوات السورية إلى أرض المعركة إلى الآن، كسلاح البحرية و القوات الخاصة، ومعظم قوات النخبة، ناهيك عن سلاح الصواريخ المتوسطة و البعيدة المدى و التي تفرض استراتيجية المواجهة في المعركة الحالية أن لا تستخدم فيها، فطبيعة القتال تفرض استخدام قوات برّية و جوية بنوع معين من الذخيرة، و لسلاح المشاة الدور الأكبر في استعادة السيطرة على الأراضي التي تمدد فيها داعش أو غيره من الميلشيات السوري، و لأن سوريا تدرك تماماً إن هذه التنظيمات اوجدت داخل أراضيها لتخوض معركة استنزاف لقدراتها العسكرية بما يضعف قوتها في مواجهة معركة كالتي حاولت حكومة الكيان أن تجر سوريا إليها عبر اعتداءات لا يمكن تفسيرها خارج هذا الإطار، و حاولت أمريكا قبلاً أن تهدد بها قبل عام من الآن، و الغاية أن يتم إسقاط الدولة السورية من خلال حرب لها محورين، الأول خارجي يعتمد على محور ثان داخل الأراضي السورية، وهذا ما نجحت السياسة السورية في تجاوزه بحنكة تحسب لها.
و لأن واشنطن تدرك تماماً إن تجاوز الخطوط الحمراء السورية، ستجرها نحو مواجهة قد تفضي إلى انتكاسة كبرى قد لا تقوم منها خلال أعوام، و هذا ليس مبالغ فيه، فالخوف الأمريكي من هزيمة سياسية أمام روسيا في أي من الملفات الدولية يدفعها للتحرك بحذر في سياسة الأخذ و الرد، فما الذي سيحدث في أمريكا إن خسرت عسكرياً..؟ على ذلك فإن الحديث عن حرب ضد دمشق يعني حرباً ضد موسكو، و بالتالي لا يمكن لإدارة أوباما أن تستفز موسكو بحيث تدخل معها حرباً في أي منطقة من العالم. كما إن أمريكا تنظر إلى عملاءها في الداخل و مدى تخبطهم في محاولاتهم الفاشلة لخلق انتصار يبث الذعر في الداخل السوري، يجعل الإدارة الأمريكية تتروى كثيراً قبل إعلان الحرب ضد سوريا ، أو تجاوز قرارها السيادي.
فالمجوعات المسلحة التي تحاول أن تخترق دمشق في الفترة الأخيرة من محاور عدة وصلت بهم إلى مرحلة التسلل عبر مجاري الصرف الصحي، فشلت، و لم يتمكن هؤلاء من خلق النقلة النوعية على الأرض التي ترجح لهم كفة الميزان و لو إعلامياً، يضاف إلى ذلك أن الميليشيات المتناحرة فيما بينها في شمال سوريا لم تقدر إلى الآن أي منها على فرض سيطرتها على الأخرى، بل دخلت في حرب ثارات ستطول لمرحلة تجهز إحداهن على الأخرى، ويكمل الجيش العربي السوري على الثانية مستفيداً من ضعفها، بعد حرب الثار… وهنا تدرك أمريكا ومن معها أن البحث عن شريك (عسكري) داخل سوريا قادر على التأثير، هو ضرب من الخيال.
في الشق الاقتصادي، فسوريا لديها قدرة كبيرة على المواجهة إذ أنها تمتلك القوة الاقتصادية التي بدأتها منذ عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، و الذي استمرت عليها الحكومة السورية من بعده، فبرغم إن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها جامعة الدول العربية و العالم على الشعب في سوريا، قدرت سوريا على تأمين مسلتزمات استمرارية الحياة الطبيعية.
فحكومة قادرة على الاستمرار بمشروع دعم الخبز و إيصاله للمواطن بقل من ربع كلفة انتاجه، و قادرة على تأمين المواد الاولية لإنتاج الأدوية محلياً مع استمراريتها في تقديم الخدمات الضرورية في قطاع الصحة و غيره، للمواطن مجاناً هي حكومة لا يمكن التورط معها في حرب.
و بالنظر إلى القدرات الاقتصادية من زاوية أوسع فإن الدولة السورية ما زالت قادرة على التحكم بسوق الأوراق المالية ( حتى بالسوق السوداء لصرف العملات) ، فما حدث مؤخراً من ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وما قابله من سياسة سورية أودت إلى انهيار هذا الارتفاع بسرعة و صورة قياسية، يؤكد أن المخزون الاحتياطي السوري من النقد الأجنبي كافٍ لمواجهة طويلة الأمد في الشق الإقتصادي، وهنا يحسب للدولة السورية أيضاً اختيارها لحلفائها بطريقة ذكية، فإيران و روسيا و الصين ودول أمريكا اللاتينية، أرقاماً صعبة في المعادلة السورية بالنسبة لأمريكا، مما يضع أوباما أمام البحث عن خيارات تكون مؤثرة بشكل حقيقي على قدرة الاقتصاد السوري على الصمود.. لتكون الحرب ذات جدوى. في حين أن المجتمع السوري بات يدرك اللعبة على نحوها الصحيح، و لم يصل إلى مرحلة التعب التي تريدها أمريكا لخلق نوعاً من الرأي العام السوري الذي يمكن أن تستغله دولياً، فمحاولات تصوير المجتمع السوري على إنه منهار نفسياً، ومرد الأمر إلى أن ما كان يسميه الإعلام العربي الحاضن الشعبي لـ “الثورة” أو الميليشات المسلحة انخفض بنسبة كبيرة خصوصاَ في المناطق التي تتواجد فيها هذه الميليشيات و الأمر يعود إلى جملة الممارسات من قبل عناصر هذه الميليشيات تحت مسميات عدة منها “تطبيق حدود الشريعة”، هذا يجعل أمريكا تقف أمام مرآة ممارساتها في سوريا لتتساءل عن سر فشلها، دون أن تدرك أن قواعد اللعبة في سوريا لا تشبه تلك التي في العراق، فالمجتمع السوري إلى الآن لم ينزلق في هاوية الحقد الطائفي بالدرجة التي تريدها أمريكا، سوى بعض الحالات الفردية التي لا تكاد تذكر في سوريا.
في المحصلة.. لا يمكن إنكار الوضع السوري الداخلي و صعوبته، ولكن كل ما يحدث في سوريا، لم يصل بها بعد و – لن يصل- إلى المرحلة التي تريدها أمريكا لشن حرب تنهي الوجود السوري سياسياً و جغرافياً، بما يخدم تقسيم المنطقة، و هي تدرك تماماً إن إصبع دمشق على زناد قرار المواجهة لا يأتي من فراغ، فجملة ما يمارسه الرئيس السوري بشار الأسد، والحكومة السورية من سياسات تذهب إلى الداخل السوري بما يخدم استمرارية إعادة الإعمار و إعادة خطط التنمية إلى مسارها الصحيح الذي كانت عليه قبل الأزمة السورية، يعطي أمريكا و المجتمع الدولي الرسالة الواضحة.. بأن الأسد يقود سوريا على حدود المواجهة في معركة لن تكون سوريا إلا المنتصر فيها.