ما سرّ التسهيلات المقدّمة لهجرة السوريين؟خالد المسالمة – صحيفة البناء
يتناقل السوريون اليوم أخبار قوافلهم المهاجرة الى أوروبا بشكل غير مسبوق، والتي بلغت ذروتها مع بداية صيف هذا العام، وتسري هذه الأخبار في أوساطهم كالنار في الهشيم، خصوصاً بين صفوف الفئات العمرية الشابة، إذ أضحت قضية اللجوء أو الهجرة الى أوروبا قضية الساعة التي يستحيل أن يخلو أيّ حديث لمواطن سوري منها، مهما بلغ مستوى تعليمه أو ثقافته أو مهنته سواء كان داخل البلاد أم خارجها.
في حين امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالصفحات التي تقدم خدمات تأمين طرق اللجوء بترتيب لا يخلو من التلميع والاجتذاب له، وزخرت تلك الصفحات بقصص المهاجرين ومغامراتهم وتوثيقهم لتفاصيلها بالصور، حتى أنّ المتابع للأصدقاء «الفيسبوكيّين» من السوريين يُفاجأ بصفحاتهم الشخصية تعلن عن تحقق الحلم حين تتغيّر صورة الغلاف الخاص بصفحة المهاجر الى أخرى فيها الكثير من النظافة والاخضرار، ويتغيّر مكان الإقامة ليدلّ على البلد الاوروبي الذي وصل إليه وخطب ودّه بالانتساب له والإقامة فيه.
من اللافت للنظر أنّ المسألة تبدو في غاية السهولة واليسر، أو هكذا يروّج لها، وخصوصاً اذا كان الطريق بحراً وهو الأخطر وهذا ما يُشاع بين الباحثين عن اللجوء، ففي غضون أسبوع واحد يجد المهاجر نفسه على شواطئ أوروبا قادماً إليها من داخل سورية أو من دول الجوار.
حتى أنّ تنظيم الرحلات الجماعية صار يتمّ في دول الجوار السوري وبتنسيق مع الداخل، واللقاء والتسليم والاستلام في القارب الراسي على شواطئ المتوسط الأفريقية.
فالخط مفتوح والناس تتدفق بشكل جنوني يكاد يشكل حالة انزياح للجماعة البشرية السورية التي تعاني الأمرّين في دول الجوار والاقليم، في حين تلقى ترحيباً حاراً في بلاد اللجوء وفق ما يتحدث به الواصلون من المهاجرين أو اللاجئين حيث يُستقبل اللاجئون السوريون ويؤمّنون في مساكن جيدة بخدمات فندقية، ويتمّ منحهم إقامة في غضون أشهر قليلة وبعدها إمكانية لمّ شمل الأسرة وراتب شهري، بالإضافة إلى تأمين المأكل والملبس بانتظار تأمين العمل بعد إتمام تعلّم اللغة وهذا يخصّص للاجئين السوريين دون غيرهم.
ويروي أحد هؤلاء تجربته ويؤكد أنّ السلطات الأوروبية التي تستقبل مراكب اللجوء تسأل عن السوريين حصراً وتعاملهم معاملة خاصة دون غيرهم من المهاجرين المحمولين على نفس المركب، الأمر الذي يدعو إلى القلق والريبة، ولا بدّ معه من التساؤل هل الذي يجري أمر عبثي؟ لماذا إلى أوروبا؟ ولماذا الآن؟ ولماذا بسهولة وتيسير وترغيب؟ ولماذا تضيق على السوريين خياراتهم وتسدّ الآفاق أمامهم ليصبح هذا اللجوء ملاذهم الأخير وطريقهم الإجباري؟
كلّ تلك التساؤلات مشروعة وتدفعنا إلى البحث عن إجابات أو إلى الركون للتبريرات التي يوردها اللاجئون أنفسهم، لكن السؤال هنا لماذا الآن؟ وبعد مرور نيّف وثلاث سنوات على ما يجري في سورية التي وصلت الى وضع لا يسرّ الصديق بعكس العدو.
سورية المنهكة المتعبة التي دُمّر فيها كلّ شيء البشر والحجر والتي تعاني أزمات لم يسبق لها مثيل، حتى أنّ الحديث في السياسة وشكل النظام السياسي والاقتصادي والتنظيم الاجتماعي فيها اليوم أصبح ترفاً ليس للسوريين أيّ اهتمام فيه، ربما هذا هو السبب الرئيس لما نتحدّث عنه من هجرة جماعية الى أوروبا يسعى من خلالها المهاجر للحصول على حياة خاصة به وبعائلته الضيّقة بالحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة وهذا هو لبّ الموضوع، فهل تغيّرت أولويات السوريين؟
إذن… ما الذي يدفع المواطن السوري إلى طلب اللجوء الى أوروبا مخاطراً بحياته ومراكماً على نفسه تكاليف وأعباء مادية إلا إذا كان وراء هذا اللجوء الطموح والأمل بالوصول إلى أولوية الحياة الهادئة التي تتوافر فيها شروطها الطبيعية أمان ـ غذاء ـ تعليم ـ صحة ـ الخ… تلك الحياة التي فقدها السوريون في بلادهم وجوارها وهذا ما توفره مسرورة بلدان المقرّ في اللجوء.
هذا فضلاً عن السعي إلى تأمين مستقبل الأولاد بعد أن أضحى المستقبل مجهولاً بالنسبة لهم، لكن ترى هل يكون هذا العطاء بدون مقابل أو كما يُقال من أجل سواد العيون؟ وما هو هذا المقابل غير المرئي وغير المحسوس؟ هل هو أن ينتمي هذا اللاجئ الى الأرض الجديدة وينسلخ عن أرضه ووطنه؟ أم أنّ هناك حاجة في النفوس؟
فإذا كان للسوريين ومع بداية الذي جرى في سورية أولويات تتعلق بمطالب تمسّ بنية نظام الحكم، فلا بدّ من الإقرار اليوم بأنّ أولويات المواطن السوري تغيّرت بعد كلّ هذا الثمن الذي دفعه الوطن من دماء أبنائه وعذاباتهم، فلم يعد معظم السوريين مهتماً بمن يوالي ومن يعارض إلا ترفاً والجميع يناجون الله ويردّدون بالعامية الله يفرجها وكل من يستطيع البحث عن مأوى له ولعائلته يسارع اليه ويتذرّع معظمهم بالتعب وسوء الحال الذي وصلوا اليه والدليل على ما نقول قرار الهجرة الى أوروبا وبهذا الحجم والكمّ والنوع.
لقد خُلق السوريون على هذه الأرض وانتموا إليها وعاشوا على ترابها وقدموا التضحيات من أجلها وبنوها وتعايشوا وتفاعلوا فيها وأتقنوا كلّ ما يوف لهم الحياة السعيدة، لكنهم لم يتقنوا فن الاختلاف فيها لا عليها، والآن تأتي عليهم عاصفة لاجتثاثهم وتشريدهم جميعاً من دون تمييز وتلقف الأصلح منهم ليخدم من نظنّ أنهم أصحاب مشروع تدمير بلادهم.
باختصار… إنها حرب على السوريين أنفسهم، على تاريخهم وحضارتهم وتفرّدهم ووجودهم، فهل نتأمّل ونتفكّر وندرك ماذا يُحاك لنا، وإذا كانت المشكلة الإنسانية والشخصية تتعلق بتحقق أسباب الحياة والعيش هي الدافع للجوء الى أوروبا فلنسع لتحسين أو تأمين شروط عيشنا في سورية، ولنبحث عن حلّ سوري، وبعدها لنأخذ قراراً جماعياً باللجوء الى دمشق فليس الى غيرها مصير ومآب.