تركيا أمام مرحلة «المطبّات» السياسية.. أردوغان يسعى لنظام رئاسي يتربّع على عرشهحمزة الخنسا – العهد
إنتهت مرحلة الانتخابات الرئاسية التركية على خير. اختار الشعب التركي لأول مرة، رئيسه مباشرة لا عبر البرلمان. الهدوء النسبي الذي ميّز العملية الانتخابية لا يبدو أنه سينسحب على مرحلة ما بعد الإنتخابات. أحجام الكتل الموالية والمعارضة بقيت على حالها، ما يعني أن الكباش السياسي سيستمر.
انتقل الكباش السياسي الى داخل الأحزاب نفسها. حزب “التنمية والعدالة” الحاكم أمام استحقاق إبعاد عبدالله غُل عن صفوفه تحقيقاً لرغبة “رئيس البلاد” رجب طيب أردوغان. أما حزب “الشعب الجمهوري” العلماني المعارض، فيخضع رئيسه كمال كيليشدآر أوغلو لأعنف حملة انتقادات قد تخرجه من قيادة الحزب. جرى تحميله مسؤولية خسارة الإنتخابات، لاختياره أكمل الدين إحسان أوغلو، ذا الميول الإسلامية، مرشّحاً لمواجهة الإسلامي أردوغان وحزبه.
في النتائج، لم يكن فوز أردوغان من الجولة الأولى وحصوله على 51.8% من الأصوات، مفاجئاً. أتى استكمالاً للسيطرة التي يفرضها حزب “العدالة والتنمية” على الحياة السياسية والنقابية والبلدية في تركيا. تراكم إنجازات حكومته وإخفاقات معارضيه جعلاه يشعر بفائض من القوة تمكّنه من التفكير في تغيير شكل الحكم في البلاد، وتحويله الى نظام رئاسه يتربّع هو على عرشه.
خصومه، دخلوا الانتخابات مشرذمين وخرجوا منها على تراجع نسبة مشاركة جماهيرهم في الانتخابات، وخصوصاً في معاقلهم التقليدية. حلّ الرجُل ثانياً في المناطق الكردية الواقعة شرق وجنوب شرق تركيا، في خرق مؤثر لمناطق يُفترض أنها محسوبة ـ أو قريبة ـ من المعارضة. فيما لم تصوّت نسبة وازنة من العلويين لمرشح المعارضة بسبب ميوله العقائدية، وفضّلت إعطاء صوتها للمرشح الكردي، ما ساهم في تشتّت الأصوات الرافضة لأردوغان.
تحديات أردوغان المقبلة
لا شك أن أردوغان استفاد من هذه العوامل ليثبّت نفسه ويجد الأرضية لإطلاق مشروعه: تحويل النظام في البلاد الى رئاسي. يمتلك رجُل “العدالة والتنمية” القوي، الوقت الكافي لتحقيق مشروعه. فقد فاز بولاية رئاسية تمتد لخمس سنوات، يحق له الترشّح من بعدها لولاية من خمس سنوات جديدة. ويمتلك أيضاً المقومات اللازمة. فقد عمل خلال المرحلة السابقة على تمهيد الطريق لمشروعه. أزال كل عقبة ممكنة، أبرزها العقبات القانونية والدستورية. أجرى عام 2010 استفتاء على تعديل 60 مادة دستورية، زادت من صلاحية رئيس الجمهورية وقلّصت من صلاحيات مجلس الأمن القومي التركي، ممثل العسكر في السلطة.
لكن، لا تبدو طريق أردوغان الى النظام الرئاسي سهلة. دونها عقبات من النوع الذي قد يُفسد على أي حالم حلمه. فنظام الحكم في تركيا لا يزال نظاماً برلمانياً. بمعنى آخر، فإن الحكومة ورئيسها لا تزال تمثّل السلطة المقررة الأقوى من بين أجهزة الحكم، رغم الصلاحيات التي انتُزعت منها لمصلحة موقع الرئاسة الأولى.
لذلك، يواجه أردوغان اليوم مهمّة إبعاد الرئيس التركي المنتهية ولايته عبدالله غُل، عن حزب “العدالة والتنمية”. أبدى غُل رغبته في استكمال حياته السياسية من داخل صفوف الحزب. وبالتالي فهو مرشّح طبيعي وقوي لتولي منصب رئاسة الحزب، ورئاسة الحكومة، خلفاً لأردوغان. في المقابل، يعمل الأخير على إبعاد غُل، لمصلحة أحد الأشخاص المقرّبين منه، والذين يمكن من خلالهم تنفيذ “المشروع الطموح”. ترتفع أسهم وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، بوصفه مهندس السياسات الخارجية لحكومات أردوغان المتعاقبة. الى داوود أوغلو، تبرز أسماء أخرى مثل وزير الخارجية الأسبق علي باباجان، وبولنت آرتش وغيرهما. يسعى أردوغان لحسم الوضع لمصلحة أحد المقرّبين منه وإعلانه الاسم رسمياً في المؤتمر العام لـ”العدالة والتنمية” في 27 آب الجاري.
في الأثناء، تشير التقديرات الى أن غُل، لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات عزله. الكثير من السيناريوهات تُطرح. أكثرها ترجيحاً أن يلجأ الرجُل، مع المقرّبين منه داخل “العدالة والتنمية”، الى تأسيس حزب جديد ينافس على السلطة، ويضم في صفوفه الكثير من الذين استبعدهم أردوغان عن الحزب. هذا التقدير يتم التداول به على نطاق واسع داخل الصالونات السياسية في تركيا. لكنه يبقى مرهوناً بأداء أردوغان تجاه شريكه السابق.
الصورة ليست زاهية. حزب أردوغان لا يملك الأكثرية المطلقة في البرلمان الحالي، التي تمكّنه من إجراء تغيير دستوري يحوّل بموجبه النظام الى رئاسي يكون فيه هو الأقوى. وبالتالي، فإن أردوغان يجد نفسه أمام خيارين: إما انتظار الانتخابات التشريعية عام 2015، علماً أن نتائجها غير مضمونه لناحية حصول “العدالة والتنمية” على الأكثرية المطلقة في البرلمان. أو الذهاب الى صفقات جانبية مع أحد المكوّنات المهمّة في المعارضة (حزب الشعب الجمهوري أو الأكراد) تمكّنه من إمرار التغيير الدستوري اللازم لتحويل نظام الحكم الى رئاسي، علماً أن الصفقات تخضع لمنطق “الأخذ والعطا”. فهل يبدو أردوغان مستعداً للتنازل أمام أي من مكوّنات الطيف التركي في مرحلة يشعر فيها بفائض من القوة دفعته الى التفكير بتغيير وجه تركيا؟