تعامل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع احتجاجات الشارع التركي التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من 10 أيام، بتعنت وفوقية شديدة، ضارباً بعرض الحائط المطالبة الشعبية برحيله عن السلطة.
واعتمد بموقفه هذا على الـ 50% التي حصدها خلال الانتخابات الماضية، وغير مكترث بالـ 50% الأخرى، مظهراً أنها لا تعنيه وكأنها ليست من ضمن الشعب التركي، إلا أن الطريقة القمعية التي يتعامل بها مع المحتجين في العديد من المدن والمناطق التركية، ستؤدي حتماً لإسقاطه.
الاحتجاجات انفجرت تنديداً بمشروع عقاري حكومي في ميدان تقسيم بإسطنبول، وأردوغان ندد بهذه الاحتجاجات ووصف المحتجين بالزعران، كما رفض أن يتهمه الشارع التركي بالديكتاتور، وأصر على مواصلة هذا المشروع بالرغم من الغضب الشعبي العارم، فوقعت صدامات دامية مع قوات أمن أردوغان وسط شعارات تندد بديكتاتوريته وتطالبه بالرحيل، وإنهاء دور حزب العدالة والتنمية الإخواني في البلاد.
أردوغان يظن نفسه سلطاناً عثمانياً ويدعي أنه سليل السلاطين العثمانيين، علماً أنه بدأ حياته كبائع للمشروبات في حي كاسيمباسا الشعبي في اسطنبول.
بائع المشروبات هذا أمسك بمقاليد الحكم منذ أكثر من عشر سنوات وبغطاء إسلامي متشدد، وتحول إلى إسلامي محافظ يحاول نشر العقل الأصولي وأخونة تركيا، الأمر الذي رفضه الشعب فكان من أهم أسباب الاضطرابات التي تشهدها البلاد.
أردوغان راهن على الاقتصاد لكسب ثقة ورضا الجماهير سيما وأن تركيا فيها أكبر مجتمع استهلاكي في المنطقة، فاحتال على الشعب وشغله بقضية الاستهلاك المحلي، والتفت هو وحزبه للتدخل بشؤون الدول الأخرى وتحديداً دول الجوار وبمقدمتها سوريا.
إلهاء الشعب التركي بالاستهلاك لم ينفع أردوغان طويلاً، فمع بدء الأزمة السورية، وتصاعد أعمال العنف من خلالها، توضح للشعب التركي حقيقة دور الإخوان المسلمين بسفك دماء السوريين، وظهرت للعيان المؤامرة التي تورطت فيها تركيا بقيادة أردوغان وحزبه الإخواني.
الشعب التركي رفض أخونة البلاد، وأظهر دعمه للعلمانية، حتى إن المؤسسة العسكرية رفضت الأصولية والتشدد، ما دفع أردوغان لتهميشها، وإلصاق التهم جزافاً بالعديد من الضباط والشخصيات العسكرية التركية البارزة.
أردوغان وقبل بدء أزمة بلاده، أعلنها صراحة بأنه يريد الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأعرب عن أمله بأن يستجيب البرلمان لطلبه بتعديل الدستور من أجل تعزيز صلاحيات الرئيس قبل حلول موعد الانتخابات، وهذا أيضاً سرع بانفجار الشارع التركي الذي تقود معظمه المعارضة التركية المناهضة لرئيس الوزراء وسياساته القمعية الأحادية التهميشية لجميع الأطراف السياسية والعسكرية في تركيا.
كما أن رجب أردوغان وقبيل اندلاع الأحداث في تركيا واجه انتقادات يومية من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان الذين نددوا بأعماله القمعية سيما وأن عدد الصحفيين المعتقلين في ازدياد دائم، فهو يقمع الإعلام ويمنع حرية الكلمة ولا يصغي للشعب، وجميع هذه الأفعال ذكرها المعارضون له مئات المرات عبر وسائل الإعلام قدر الإمكان، وخلال جلسات البرلمان، وفي تصريحات انفرادية أو جماعية.
هذه المطالب بالضبط وجهها أردوغان زوراً وعدواناً، للرئيس السوري عشرات المرات خلال أشهر الأزمة في سوريا، ولم يكن يظن أبداً أن مطالبه للرئيس الأسد ستنقلب عليه سريعاً، لكنه صدم مؤخراً، فالدروس التي كان يعطيها أردوغان لبعض القادة في المنطقة، تحولت عليه وبات يستمع لدروس الشارع التركي الذي يطالبه بالتنحي نزولاً عند الرغبة الشعبية.
أردوغان تهجم طويلاً على وسائل الإعلام التركية، وزج بمئات الإعلاميين والصحفيين في سجونه بتهمة التآمر على الحكومة، وكذلك فعل مع مئات المدنيين المقربين من المعارضة والعسكريين أيضاً، في حين الرئيس السوري بشار الأسد أعطى مساحة حرية أكبر للإعلام ودعمه وسمح بالإعلام الخاص بكافة قطاعاته، وشجع على كشف مكامن الخطأ والفساد في الدولة، ولم يسجن أي إعلامي أو صحفي أو حتى مدني أو عسكري بحجة التآمر، بل أصدر العديد من مراسيم العفو عن الموقوفين حتى ضمن الأزمة.
رجب طيب أردوغان أثار سخط وحنق وغضب الأوساط الليبرالية التركية عندما عمد للمصادقة على قانون يحد من استهلاك وبيع المشروبات الروحية، علماً أنه كان من أشهر باعتها في اسطنبول سابقاً.
حزب العدالة والتنمية يواجه اليوم الربيع التركي، فالاحتجاجات واسعة وتنتشر سريعاً في كافة المناطق التركية، وهذه الاضطرابات التي أصبحت دموية بسبب السياسة القمعية الأردوغانية، هي اعتراض ورفض واضح لمجموعة عثمانية جديدة تطبق الخناق على تركيا وشعبها لسنوات طويلة، واليوم انتفض الأتراك بوجه الطاغية العثماني تحسباً من أن يصبح رئيساً للبلاد يتمتع بصلاحيات مميزة كجزء من خطة إخوانية لوضع نظام رئاسي تركي جديد.(م.خ) |