في سورية حتى الهواء اصبح علوي

[rtl]في سورية حتى الهواء اصبح علوي[/rtl]

[rtl]وكالة أوقات الشام الإخبارية[/rtl]
[rtl]ربيع الحسن

يقول المنطق السياسي أن كل فريق سياسي أو حزب أو تيار يعتمد على مجموعة من المفاهيم والمبادئ التي يسير بموجبها لتحقيق أهدافه، وخلال فترة زمنية معينة يقوم هذا الفريق أو هذا الحزب بمراجعة لما حققه من أهداف، وعلى ضوء هذا التقييم يبحث عن مفاهيم وأساليب قد تكون كلها جديدة ومختلفة عن السابقة في حال عدم تحقيقه لأي هدف من أهدافه التي خطط للوصول إليها.

بإسقاط هذا المنطق على عمل المعارضة السورية وبالتحديد تلك التي تتبنى مفهوم قيام ثورة في سورية في ربيع 2011، يتبين أن هذه المعارضة لم تقم بأي مراجعة ذاتية على الرغم من عدم تحقيق أهدافها المعلنة وفي مقدمتها إسقاط السلطة السورية، فالسلطة السورية اليوم تجدد نفسها وتملك شعبية أعلى من تلك التي كانت تملكها عشية 15 آذار(مارس)2011، ومع هذا فإن خطاب المعارضة بقي هو نفسه منذ الأيام الأولى والذي ركز على نقطتين أساسيتين وهما: 1- أن هناك ثورة شعبية في سورية ضد سلطة طائفية مجرمة، 2- عدم سقوط هذه السلطة الطائفية حتى الآن يعود لوقوف العلويين بالدرجة الأولى إلى جانبها باعتبارهم استفادوا من الحكم العلوي كما يسمونه.

تطور هذا الخطاب الطائفي خلال سنوات الأزمة حيث بدأ أولا بترغيب العلويين بالانضمام لثورة الشعب السوري(يعني لإثبات أنهم من الشعب السوري) ثم بدأت عمليات الترهيب، مع العلم أن الخطاب الطائفي ضد “الأقليات الدينية” في سورية بدأ منذ الأسبوع الأول للأزمة (تصريح أردوغان أن الرئيس السوري من العلويين وزوجته سنية، خطبة القرضاوي الشهيرة التي شرعت استهداف “الأقليات الدينية” في سورية)، خطاب المعارضة السياسية هذا ضد العلويين ترافق مع عمليات قتل على أساس طائفي منذ بداية الأزمة راح ضحيتها مواطنين علويين مدنيين وعسكريين(نضال جنود في بانياس مدني علوي قتل بطريقة وحشية، عيسى عبود اصغر مخترع في العالم قتل في حمص، العميد عبدو خضر التلاوي وأولاده والتمثيل بجثثهم … كل حوادث القتل هذه جرت بعد أقل من شهر من انطلاق ما أسموه “الثورة السورية”). هذا يدلل على أن هناك تنسيق بين المقاتلين على الأرض وبين المعارضين في الخارج منذ البداية لاستهدف العلويين ، هذا التنسيق قد يكون مقصودا أو ربما اتفقت مصالح الطرفين على ضرورة العمل على الوتر الطائفي، فلو كانت المعارضة منذ البداية هدفها فعلا بناء دولة المواطنة كان عليها أن تدين كل حوادث القتل الطائفي وتتحدث باسم كل السوريين وتقدم مشروعا حقيقيا لخدمة الشعب السوري دون تمييز بين أكثرية وأقلية بدلا من تغطيتها ومباركتها للأعمال الطائفية من خلال التحريض على العلويين وعلى كل من لم يقف مع “الثورة”، وفي هذا الخصوص نقدم مثال عن تفكير المعارضة وهو ما ذكره المعارض هيثم مناع في كتابه “السلفية والإخوان وحقوق الإنسان : صفحة 113″ الصادر في فبراير 2014 الذي قال فيه حرفيا” أن البيانوني المراقب العام السابق (للإخوان) أصر على حذف فقرة “الدين لله والوطن الجميع″ من الميثاق الوطني في مؤتمر القاهرة(مطلع تموز 2012) بحجة ” عدم جرح مشاعر الشعب السوري “.هذا المثال يبين كيفية تفكير المعارضة التي يسيطر عليها المحور الخليجي الذي يهدف لتفتيت سورية وعدم الاعتراف بأي مواطن سوري ليس من الغالبية السنية، علما أن هذه العبارة “الدين لله والوطن الجميع″ كانت شعارا للسوريين في بدايات القرن الماضي مع انطلاق الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي.

في الواقع بقي استهداف العلويين مستمرا للتغطية على فشل الثورة في تحقيق أهدافها وهذا الاستهداف شمل حتى معتقدات العلويين حيث قال بعض المعارضين أن معتقداتهم تشجع على ممارسة الزنا والكراهية وتدمير المجتمع السوري تحت عنوان “الجنس المستباح” وذلك بإغراء أبناء الطوائف الأخرى بالأموال والنساء حتى يكونوا تحت خدمة العلويين ( راجع مقالتي عن العلويين : من الفساد إلى الجنس المستباح وبالعكس) وبهذه الطريقة سيطر العلويون كما قالوا على كل مفاصل الدولة والمجتمع.

هذا التصعيد في الخطاب الطائفي من قبل المعارضة المحسوبة على المحور الخليجي- التركي- الغربي عبر القنوات الخليجية ( الجزيرة- العربية..) ومواقع التواصل الاجتماعي، عزز التطرف في سورية وفي المنطقة وبدأت المجازر تحدث بحق العلويين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين مؤيدين أو معارضين فيكفي أن تكون علويا فقط حتى تقتل أو تخطف. كما شجع الجهاديين من كل دول العالم للقدوم إلى سورية تحت ذريعة أن المسلمين فيها يقتلون على أيدي الكفار وذلك تحت إشراف المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية والقطرية والسعودية (هذه الدول نفسها هي التي أسست ما أسموه “الجيش الحر”).

والمتتبع لردود شخصيات المعارضة عندما كان بعض الصحفيين(على قلتهم) يسألونهم عن المجازر التي تحدث بحق العلويين، يلاحظ تطور ردهم من النفي بعدم وقوع هذه المجازر إلى اتهام السلطة بارتكاب هذه بالمجازر لكي تضمن وقوف العلويين إلى جانب السلطة، إلى الوصول أخيرا لضرورة القضاء على العلويين علنا حتى تنتصر الثورة السورية ومباركة المجازر التي تحدث بحقهم ( تأييد مجازر ريف اللاذقية في 4 آب(أغسطس) 2013 وغيرها) تحت مسمى “التخلص من العلوية السياسية” حيث أول من أطلق هذا المصطلح المعارض المحسوب على “اليسار” صادق جلال العظم في أيلول(سبتمبر) الماضي ثم كرره عدة مرات في كثير من مقابلاته الإعلامية فقد اعتبر أن القضاء على “العلوية السياسية” السبيل الوحيد للحل في سورية والذي أصبح فيما بعد بمثابة آية قرآنية لكل المعارضين الذين يبررون فشل تحقيق “الثورة السورية” لأهدافها حتى اليوم.

فإذا أصبح الناطق الرسمي باسم القوى الفاشية على الأرض بعض المعارضين الذين كانوا محسوبين على الفكر اليساري والديمقراطي فقد أصبحت مقولة صادق جلال العظم هي الحل الوحيد للأزمة السورية، والحقيقة أن كلامه هذا لجريدة الرأي الكويتية لا يختلف من حيث المضمون عن كلام المجاهدين الذين يقاتلون من أجل قيام دولة الخلافة الإسلامية في بلاد الشام فقد قال حرفيا لجريدة الرأي الكويتية في نفس المقابلة(لم يكن اسلام التوتر العالي حاضراً كمناخ عام في سورية سابقاً ولكنه نما وتوسع بالتدريج كرد فعل دفاعي على العنف الأعمى لنظام أقلوي طائفي مسلح تسليحاً عالياً جدا. كما يقول أيضا في موقع آخر في نفس المقابلة: كما ان المدن والقرى والحقول والمزارع التي ضربها جيش بشار الأسد يعود جميعها الى المذهب ذاته، في حين ان أراضي ومناطق ومدن وقرى المذاهب الأخرى بقيت هادئة نسبياً.).. هذه دعوة صريحة لاستهداف العلويين والقضاء عليهم بغض النظر عن موقفهم السياسي وهذا هو نفسه موقف كل الجماعات الجهادية نحو العلويين حيث يعتبرون مشكلة العلوي ليس بسبب وقوفه إلى جانب بشار بل مشكلته أنه علوي فهذا يعني أنه كافر وبالتالي وجب قتله.

اليوم بعد حصول الانتخابات السورية ومشاهدة العالم حجم الإقبال عليها سواء في الخارج أو في الداخل، لم يجد المعارضون الذين يسعون لتقسيم سورية (هيثم مناع صرح عبر الميادين أن هناك معارضين في الائتلاف ومجلس اسطنبول مؤمنون بتقسيم البلد إلى دولتين واحدة في الشمال أسموها دولة الإيمان والأخرى دولة الكفر) سوى إعادة إنتاج الخطاب الطائفي التحريضي من جديد عبر وسائل الإعلام الخليجي وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ففي حلقة فيصل القاسم الأخيرة من برنامجه “الاتجاه المعاكس″ التي كان عنوانها “إلى متى تحكم العصابة العلوية الحاكمة بسوريا عسكرياً وامنياً وماليا” استضاف معارضا سوريا ينتمي للأقليات الدينية “درزي” الذي أعاد نفس الاسطوانة أن العلويين يسيطرون على كل مفاصل الدولة ووصفهم بأنهم أصبحوا كالإخطبوط الذي يهيمن على الدولة والشعب رغم أن نسبتهم كما قال لا تتجاوز 6% من مجموع الشعب فهم يشكلون العمود الفقري للجيش والمخابرات والاقتصاد وهم المدراء والمدرسين وكل شيء، وحتى أن ميزانية الدولة تذهب معظمها للمناطق العلوية لذلك كما قال فإن كل العلويين موظفين في الدولة على عكس سكان المناطق الأخرى، ووصل به الأمر إلى أن قال أن الهواء في سورية أصبح علويا، تخيلوا يا سادة قدرة هذه السلطة في سورية على تحويل حتى الهواء إلى علوي، لكن لم يقل لنا هذا المعارض ما هو التركيب الكيميائي لهذا الهواء العلوي وهل بمقدور السلطة إنتاجه بشكل مستمر بحيث يمكن أن تصدره للدول الشقيقة والصديقة أم أنه مخصص فقط للشعب السوري. فهذا الشعب بناء على مقولة “الهواء في سورية علوي” التي ربما تصبح منافسة لمقولة العلوية السياسية مصاب بالاختناق منذ أكثر من أربعين عاما. وهو كما قال الثورة السورية لم تقم من أجل الحصول على الديمقراطية بل من أجل الحصول على الأوكسجين ( الهواء العلوي خالي من الأوكسجين، ربما مكون من اليورانيوم).

كنا نتمنى قبل أن يقنعنا الضيف بالهواء العلوي أن يقنعنا كيف يمكن أن يتحكم أقل من 6% فقط بكل مفاصل الدولة، فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة بالاعتماد على كلام الضيف فهذا يعني أن كل العلويين بمن فيهم أطفالهم من عمر يوم لهم رواتب من الدولة لأنهم في عداد الموظفين سواء في الجيش أو المخابرات أو….الخ. وجميعهم يملكون منازل وعقارات وكل قراهم تتمتع بأفضل الخدمات.. وبالاعتماد على كلام المعارضين أنفسهم أيضا يمكن الاستنتاج أن جميع العلويين فقراء ماديا ومعرفيا والدليل أنهم يشكلون عمود “جيش الدفاع الوطني”، فقد اتهم المعارضون السلطة بأنها استغلت الحالة المادية المتردية للشباب العلوي وارتفاع نسبة البطالة بين شبابهم وقلة الخدمات في المناطق التي يسكنون بها (وهذه سياسة مقصودة من قبل السلطة كما قالوا) لكي تجندهم في جيش الدفاع الوطني وهؤلاء العلويين باعتبارهم فقراء وبعيدون عن المدنية سرقوا بيوت السنة . فإذا يمكن أن نستخلص من كلام المعارضين فيما يخص العلويين النتائج المتناقضة التالية:

العلويون في نفس الوقت أغنياء وفقراء.. كلهم موظفون وكلهم عاطلون عن العمل أيضا.. كلهم في مؤسسات الدولة المدنية وكلهم أيضا في الجيش والمخابرات والدفاع الوطني.. هم من قتلوا السوريين وهم في نفس الوقت تحملوا كل فاتورة الدم وسقط منهم أكثر من مئة قتيل منذ بداية “الثورة”.. السلطة استغلت حاجتهم وابتزتهم وفي نفس الوقت “سيفرم” كل مواطن من العلويين يتم القبض عليه من قبل الثوار بسبب أعمالهم الإجرامية(كما بشر بذلك فيصل القاسم).. نحن لا نتهم العلويين كطائفة لكن في نفس الوقت فإن عقيدة العلويين فاسدة حيث يوجد ما يسمى “بالجنس المستباح” الذي يستخدموه لإغواء السنة وجعلهم في خدمتهم.. يجب القضاء على العلوية السياسية فقط وليس على العلويين ولكن سوف نلاحق العلويين إلى البرازيل لذبحهم ولو بعد قرون.. الخ

أعتقد أن تسعير الخطاب الطائفي هذه الأيام سببه الانزعاج من إقبال السوريين بكل طوائفهم لانتخاب الأسد، كما أنه بسبب التغطية على الفضيحة التي ظل بعض المعارضين يكذبون بها على العرب والغرب من البداية بأن من يقف مع السلطة هم فقط العلويين وبعض المستفيدين من الطوائف الأخرى والذين أطلقوا عليهم وصف “حثالة السنة و الدروز والمسيحيين و الإسماعيلين..الخ.. فلم يعد ينطلي الكذب على أحد فقد ظهر على العلن أن السوريين جميعا بكل طوائفهم وللمرة الأولى أرادوا أن ينتخبوا رغم علمهم مسبقا بالنتيجة لكنهم أصروا على أن يسجلوا موقفا ضد كل من تآمر عليهم وأرسل لهم السيارات المفخخة والقذائف والصواريخ وحاصرهم اقتصاديا طيلة السنوات الثلاث الماضية ومنع عليهم تأشيرات السفر لمعظم الدول العربية والغربية ، لذا فإنني أعتقد أن شعبية السلطة اليوم هي أعلى من شعبيتها عشية انطلاق الاحتجاجات في منتصف آذار(مارس) 2011 ويعود الفضل بهذا للمعارضة الفاشية، كما أنني أجزم أن زيادة مستوى الخطاب الطائفي عبر القنوات الفضائية سوف يقابله زيادة في مستوى تقبل السوري لأخيه في الوطن كما أنه سيزيد من شعبية السلطة (رغم مساوئها) باعتبارها الخيار الأفضل لأنها تمثل الدولة والجيش في الوقت الحالي…

وبهذا يمكن القول أن المعارضة السورية التي مازالت تتبنى الخطاب الطائفي على الرغم من فشله في إسقاط السلطة يمكن اعتبارها تعمل خارج المنطق السياسي، وهنا يمكن الاستنتاج أن الاستمرار بهذا الخطاب ما هو إلا دليل إفلاس كبير لهذه المعارضة وستكون له نتائج عكسية إيجابية على أرض الواقع..

كاتب سوري[/rtl]

» بن علوي متعاطف مع قطر
» بن علوي: الوزراء سيعلنون ما توصلوا إليه في 24 الجاري
» بين حسن عليق وعبد الرحمن الراشد...هكذا اصبح وسام الحسن قديسا
» يومَ اصبح الشيخ معاذ الخطيب نذير شؤم للمعارضين...جواد الصايغ
» تنبؤات الحريري: سقوط النظام السوري اصبح قريبا