رضا الناس غاية لا تدرك ورضا آل خليفة.. مستحيل الإدراك!ليلى سعيد – خاص الخبر برس
ثلاث سنوات مرّت على شعب البحرين، وهو يرزح تحت وطأة عنجهيّة آل خليفة، الذين تتحكّم بهم النزعة القبليّة القائمة على تنزيه النفس ودونيّة غيرهم، فالمواطن بنظرهم ليس إلّا وسيلة لتحقيق مآربهم على الساحة الدوليّة، حيث تتم مصادرة أفكاره وإنجازاته تحت مسمّى إنجاز الوطن، حقوقه تشمل كلّ ما صاغته اللجان الحقوقيّة الخاضعة للسلطة التي تتغنّى بحقوق الإنسان، بيد أنّها تستثني بديهيّات الحقوق كحقّ تقرير المصير.
ثلاث سنوات، منذ اندلاع شرارة ثورة هذا الشعب، ثورة حفظت لنفسها مساحة في تاريخ ثورات العالم، إذ إنّها ثورة سلميّة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، انطلقت بيضاء بورودها لكنّها استمرّت حمراء بدماء شهدائها.
هذه الثورة التي ووجهت داخليّاً وخارجيّاً، لم تكن وليدة لحظة تهوّر شباب، أو عنفوان، أو حماس انتقل من البلدان العربيّة التي ثارت هي الأخرى على حكّامها الديكتاتوريين، وإن تأثرت بها، بل تفجّرت من تراب وطن يرزح تحت وطأة حكّام قساة ظالمين، حكموا البلاد منذ أكثر من 230 عاماً بيد من حديد، فارضين أنفسهم على شعب أصيل هو صاحب الأرض، حين غزوا البحرين وقهروا البحرينيّين: إذ سرقوا خيراتهم، ونهبوا ثرواتهم، وقتلوا شبابهم، وشرّدوا عائلاتهم، واعتقلوا رموزهم وعذّبوهم.
ثلاث سنوات والسلميّة شعار الثورة، لم يحد الشعب عنها قيد أنملة، رغم الضرائب الباهظة التي دفعها ولا يزال يدفعها، وهنا لا بدّ من وقفة عند قول نيلسن مانديلا: «المقاومة السلميّة تكون فعّالة فقط، حين يحترم خصمك القواعد ذاتها، فإن واجهك بالرصاص، فلا مفرّ من أن تواجهه بالرصاص»، وعند شرط غاندي رائد حركة اللاعنف في مواجهة الاستعمار، لنجاح هذه السياسة وهو أن يتمتّع الخصم ببقيّة من «ضمير» وحريّة تمكّنه في النهاية من فتح حوار موضوعيّ مع الطرف الآخر، فإلى أيّ مدى يتحقّق هذان الشرطان في البحرين؟
أكثر من مئة شهيد سقطوا بسبب الغازات المسيّلة للدموع، ومن رصاص الشوزن المحرّم دوليّاً، ومن الإرهاب النفسيّ، ومن التعذيب في السجن، ومئات الجرحى، عشرات المفصولين من أعمالهم، وآلاف السجناء الذين يذوقون ألوان التعذيب بوسائل مستحدثة لا تخطر في بال بشريّ؛ هدفها إماتة السجين نفسيّاً وجسديّاًّ، نساء وشيوخاً وأطفالاً يعاملون بطرق انتهاكيّة لكرامتهم وحاطّة من قيمتهم، فكم من بيت اقتحم من دون إذن قضائيّ ودون مراعاة لحرمة، وكم من مواطن ومواطنة استوقفوا على الحواجز لساعات، وكم من مسجد هدم، وقرية استبيحت ليل نهار، والشعب الأبيّ سلميّ، لا يخرج عن دائرة إحراق الإطارات وإغلاق الطرق أمام هجوم المرتزقة في خطوة لحماية قراهم وأعراضهم، ومع هذا تعلو الأصوات مستنكرة هذه الأفعال في تناقض واضح مع تأييدها لبعض الثورات التي اعتمدت على وسائل وأساليب غير سلميّة حقيقة.
كلّ هذا يجري على الساحة الشعبيّة، أمّا على الساحة الرسميّة فبعض الأحزاب المعارضة تعمل على تسريع وتيرة حوار مزمع مع آل خليفة، الذين يوظّفون أزلامهم ومواليهم ليعملوا على تشويه موقف هذه الجمعيّات بل وصورتها، في المحافل العربيّة والدوليّة عبر إلصاق كلّ ما هو شائن بها، ووصل بها الأمر إلى اعتقال بعض أعضاء هذه القوى المعارضة وزجّهم في السجون ومنعهم من السفر.
لكنّ الأمر زاد عن حدّه، فكان لا بدّ أن ينقلب ضدّه، وقد وصلت معاناة الشعب إلى أقصاها ما دفعهم ومن باب الحاجة أم الاختراع إلى أن يغيّروا في منهجيّة دفاعهم إلى بعض التفجيرات التي أدّت أحياناً إلى وقوع قتلى في صفوف المرتزقة ومن استدعتهم حكومة البحرين من الإمارات والسعوديّة لقمع هذا الشعب السلميّ والمسالم.
وهنا انطلقت الإدانات، في البحرين ودول الخليج والبلدان العربيّة والغربيّة، واستنكرت الشخصيّات الرسميّة والدبلوماسيّة والعلمائيّة، هذا الفعل وتحرّكت الحكومة لإصدار القرارات لمحاربة ما سمّته بالإرهاب، وحرصت على التوجيهات الخاصة بالإدانة من قبل علماء المنابر الذين أدانوا التفجير، شيعة وسنّة، والشيعة أدانوا قبل السنّة لأنّ ما جرى أُلصق بهم مباشرة، ولكن بالرغم من هذا فقد استصغرت السلطة هذه الإدانات والتي صدرت من أكبر علماء البحرين الشيعة، بل واعتبرتها دفاعاً عن التفجير، لا إدانة له. فهل من اطّلع على المواقف الشيعيّة من قبل السلطة لا يفقه العربيّة؟؟ أم يفقهها ولكن يتجاهلها لغاية في نفس يعقوب؟
المعادلة صارت كالآتي: القوى المعارضة الشيعيّة تحاول إنجاح حوار لا يمكن له أن يستنهض من حفرة الفشل التي تحفرها السلطة وأزلامها متّهمة إيّاها بما تقترفه، والشيعة أدانوا التفجير قبل السنّة ولم تعتبره السلطة إدانة بل دفاعاً، فالنتيجة أما آن لمن يريد رضا آل خليفة أن يدرك أنّ رضاهم غاية لا تدرك؟؟!
*مقالات الخبر برس