هل الحسم فعلا مستحيل ؟ - غالب قنديل

هل الحسم فعلا مستحيل ؟ - غالب قنديل

يتكرر في الكثير من التحليلات والتقارير والمواقف المتعلقة بالوضع السوري كلام عن استحالة الحسم في الصراع الدائر بين الدولة الوطنية السورية وعصابات الإرهاب القاعدية التي تقودها جبهة النصرة وتضم في عدادها خليطا من الأخوان المسلمين وجماعات التكفير الدولية متعددة الجنسيات وما ألحق بهؤلاء من العصابات المحلية التي تحوي خليطا من اللصوص وقطاع الطرق.

أولا: إن العنصر الحاسم في البت بفكرة الاستعصاء هو توازن القوى داخل المجتمع السوري وانعكاسه على جبهتي الصراع أي الدولة الوطنية والجيش العربي السوري من جهة والعصابات الإرهابية العميلة للناتو من جهة أخرى.

إن أي متابع للأوضاع السورية عن كثب يعرف جيدا أن الغالبية الشعبية السورية التي تمثل كتلة صلبة عابرة للطوائف وللمناطق والتي عبرت منذ بداية الأزمة عن مساندتها للرئيس بشار الأسد ولجميع المبادرات التي اتخذها وعن دعمها للجيش العربي السوري في مجابهة الإرهاب والتمرد، هذه الكتلة توسعت في مسار الأحداث ولم تتقلص وقد انضمت إليها شريحتان:

فالشريحة الرمادية التي كانت تقف على الحياد باتت بعد استفحال الإرهاب وانكشاف فصول العدوان الأجنبي على البلاد تقف بوضوح إلى جانب الجيش العربي السوري والدولة الوطنية والرئيس الأسد لأنها ترفض الفوضى وترغب بشدة في استعادة الاستقرار السوري في ظل الدولة المركزية بعيدا عن أي تدخل أجنبي وبعيدا عن إرهاب القاعدة الدموي.

ثمة شريحة مهمة من قطاعات الشعب التي كانت متأثرة بشعارات الإصلاح في بداية الأحداث ، اكتشفت عن كثب مصداقية الرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية في السعي إلى الإصلاحات بالتوازي مع اكتشافها لارتهان الواجهات المعارضة إلى الأجنبي ورفضها للحوار و بالتالي فهذه الشريحة مع تمسكها بتطلعاتها الإصلاحية ترفض حكم الرعاع والقتلة والإرهابيين الذي بات مضمون المشروع الحقيقي للمعارضات السورية المرتبطة بالغرب كما يعيشه السوريون ميدانيا في مناطق وجود العصابات التابعة لجبهة النصرة وهذه الشريحة تتناغم مع تيارات المعارضة ورموزها التي تتجاوب مع مبدأ الحوار والشراكة الوطنية وتملك مصداقية رفض التدخل الأجنبي ومقاومة العدوان الاستعماري.

ثانيا: إن أكثرية كاسحة في المجتمع السوري تقف بعواطفها وبوعيها ووجدانها خلف الدولة الوطنية وجيشها ورئيسها وما من شك أن فئة اجتماعية رقيقة تمثل قاعدة تنظيم الأخوان وبعض الجماعات المعارضة الأخرى ما تزال على عدائيتها تجاه الدولة والجيش بدوافع وحسابات مختلفة لكن هذه الشريحة تتقلص حتى تكاد تنغلق على أقلية واضحة في الشارع السوري وهي تخسر المزيد من مكوناتها في كل منطقة يتواجد فيها مسلحو جبهة النصرة وينشرون إرهابهم بسبب التركيبة الدموية لهذه العصابات المسلحة بتسمياتها المختلفة سواء عندما كانت "جيشا حرا" أو عندما تسمت بوصفها فصائل تضم خليطا من التكفيريين متعددي الجنسيات ومن السارقين والقتلة والفارين من وجه العدالة وقد تصدرها في أكثر من مكان في الأرياف السورية مهربون وتجار سلاح ومخدرات.

ثالثا: هذا التوازن في المجتمع السوري يحسم الوجهة المبدئية لتطور الصراع ولا شك أن أوساطا كثيرة من الغالبية الداعمة للدولة وللجيش تضغظ لاستعجال الحسم العسكري وهي لا تجد مجالا للكلام عن تسوية مع العصابات الإرهابية ولا مع الجهات العميلة للأجنبي فذلك أمر يناقض تجذر الحس العروبي والوطني لدى جميع السوريين وهو ما بات يرمز إليه في مواقفه وخياراته الصلبة والمقاومة الرئيس بشار الأسد الذي يتصدى لحرب عالمية قل نظيرها.

أما إذا كان المقصود باستعصاء الحسم هو حساب توازن القوى البشرية والعسكرية بين الجيش العربي السوري والعصابات الإرهابية فالأكيد أن ذلك الاستنتاج خاطئ من غير التقليل من أثر وجود عشرات آلاف الإرهابيين بينهم آلاف الأجانب والمحترفين في ارتكاب المذابح على الأراضي السورية ولا من خطورة تضخم حجم كميات الأسلحة والأموال التي ألقيت بتوجيه أميركي بين أيديهم ومن غير التقليل أيضا من عبء الاستنزاف الاقتصادي الناتج عن استمرار الأحداث والهجمات الإرهابية والذي تسعى الدولة الوطنية لمجابهته بديناميكية استثنائية تقتضيها طبيعة التطورات.

إن العوامل المشار إليها تعني أن كفاح الدولة السورية وشعبها وجيشها ضد الإرهاب سيطول وان جميع التسويات المعلقة سياسيا لن تقود إلى وقف الإرهاب وان جميع الاتصالات والمساعي الدولية لا قيمة لها في المساعدة على وقف النزيف السوري ما لم تقم على مبدأ دعم الدولة الوطنية ضد الإرهاب الدولي واتخاذ الإجراءات الرادعة لجميع الدول المتورطة في دعم الإرهاب بالمال والسلاح وفي تقديم التسهيلات للإرهابيين وهذا يضم عمليا كلا من الولايات المتحدة ودول الناتو و في المنطقة حكومات تركيا وقطر والسعودية وليبيا وغيرها من المتدخلين في الشأن السوري الداخلي الذي لم يعد مسموحا التعامل معه خارج قاعدة أن عصابات إرهابية تقاتل دولة وطنية وان تلك العصابات هي أداة عدوان أجنبي وكل كلام آخر عن الوضع السوري تزوير وتخريف.

» هل فعلا اتفقوا في الدوحة؟ ناصر قنديل
» درس لبناني من غزة>>>غالب قنديل
» حزب الحرب الأهلية – غالب قنديل
» حرب غزة و آفاق النصر....غالب قنديل
» سر الصلابة السورية – غالب قنديل