محاولة فاشلة لـ«الائتلاف» السوري للتواصل مع «داعش»محمد بلوط – صحيفة السفير
استعاد الجيش السوري، أمس، تل الجابية الإستراتيجية في محيط بلدة نوى، غرب حوران. وتمثل استعادة التل عودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل أسبوع، عندما دخلت ألوية المعارضة المسلحة التل الذي يصل غربي درعا بالقنيطرة الوسطى والجنوبية، كما تمثل انهياراً لجهود المعارضة المسلحة، للتوسع انطلاقاً من منطقة فصل القوات في الجولان المحتل، للاستيلاء على قلب خط الدفاع السوري الأول عن الجولان، في مواجهة الرفيد وتل الفرس المحتل، والتقدم نحو القنيطرة المدمرة.
وكانت المعارك قد اندلعت حول نوى، التي تحيط بها تلال الجابية والجموع والسين حوران، بين تجمع يضم ألوية “امية”، و”شهداء اليرموك”، و”أحرار نوى” الذين يقودهم العقيد المنشق عبدالله القراعزة، و”اسود السنة”، وبين اللواء 112 السوري المدرع، ومفرزة الأمن العسكري، التي كانت لا تزال تتمركز على أطراف نوى، باتجاه الشيخ مسكين، رغم سقوط الجابية.
وكان الجيش السوري قد أرسل تعزيزات إلى المنطقة، للدفاع عن تل الجموع، الذي يشكل استكمالا لتحصيناته في خط الدفاع الأول، وهو تل يضم أسلحة استطلاع، وكتائب الإشارة في هذا الجزء من خط الدفاع السوري.
ومن المفترض أن يحاول الجيش السوري استعادة سلسلة التلال الحمر الغربية والشرقية، على بعد خمسة كيلومترات من نوى، وهي تلال مشرفة على منطقة خط الفصل مع الجزء المحتل من الجولان السوري، استولت عليها وحدات من “أحرار الشام”، و”جبهة ثوار سوريا”، و”جبهة النصرة” في الأسابيع الماضية، ورفعت “النصرة” أعلامها عليها، بعد ثمانية أشهر من محاصرة التلال.
وتشكل هذه المناطق، قلب بؤرة تستند إلى ظهير الاحتلال الإسرائيلي، يمكن للمعارضة أن تتحرك فيها بسهولة لو نجحت بتوسيعها. ويقول مصدر سوري معارض في المنطقة إن الجيش السوري، قد يحاول دخول نوى نفسها في الساعات المقبلة، بعد أن قصفها براجمات الصواريخ، لمنع تحرك المسلحين فيها، فيما كانت وحداته الأخرى تتقدم نحو تل الجابية، مضيفاً أن القصف أوقع 20 قتيلا وجريحاً في نوى.
“الائتلاف” و”داعش”
إلى ذلك، جرت قبل ثلاثة أشهر، بحسب مصدر في “الجيش الحر”، محاولة للتواصل بين “الائتلاف الوطني” المعارض و”داعش”، عندما عقد “وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة” اسعد مصطفى لقاءً في غازي عينتاب التركية، بحضور ضابط الاستخبارات التركية في المنطقة حكمت يوزو. المحاولة التي جرت لوأد فأس الحرب بين “الحر” و”داعش”، انتهت من دون نتائج، بسبب استمرار المعارك بين “الدولة الإسلامية” والجماعات المنخرطة تحت “قيادة هيئة الأركان”، خصوصاً “الجبهة الإسلامية”.
ويواجه “الائتلاف” عقبات كثيرة لاستعادة المبادرة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، إذ بدأت الدول الداعمة له بالتخلي تدريجياً عن تمويله مباشرة، أو تمويل بعض مشاريعه، التي تسمح له ببسط نفوذه بين السكان. وباتت عمليات الإغاثة، التي كانت احد مصادر مشروعيته، عملا لا يختص به وحده، بسبب تحول المساعدات الغربية مباشرة، إلى المجالس المحلية، وتعدد الهيئات التي تشرف على عمليات الإغاثة أو مشاريع الإعمار المحدودة التي يحاول إنجازها.
وتتفاقم الأزمة مع ازدياد التنافس داخل “الائتلاف” بين جناحه القطري، ممثلا بمصطفى الصباغ، والجناح السعودي المهيمن الذي يقوده احمد الجربا. ويبدو أن القطريين قد طووا نهائياً صفحة “المجلس الوطني”، الذي يقوده جورج صبرا، ولهذا اضطر المجلس إلى تأجيل اجتماع هيئته العامة أربع مرات متتالية منذ بداية العام الحالي، بسب عدم توفر أكثر من مليون ونصف المليون دولار في صناديقه، وعدم كفايتها لدفع تكاليف السفر والإقامة لما تبقى من أعضائه الـ320، وذهب رئيسه جورج صبرا، إلى قطر في نيسان الماضي، للحصول من أميرها تميم بن حمد على مساعدات مالية لإعادة تفعيل المجلس، من دون نتيجة.
وكانت انتخابات “المجالس المحلية” قد أفضت إلى خلاف حول “قيادة المجلس الأعلى للمجالس المحلية”، الذي تدّعي “وزارة الإدارة المحلية” وقوعه تحت سلطتها، فيما تحاول كتلة الصباغ في “الائتلاف”، عبر جمعياتها في غازي عينتاب واسطنبول، وتوزيع الأموال القطرية المنشأ انتزاع قيادته بحجة تبعيته سياسياً لكتلتها. ويعكس ذلك استمرار الصراع القطري – السعودي على مستويات داخلية، بالتنافس مباشرة على الهيمنة على شبكة السلطات التقليدية والمحلية.
وعلى مستوى “الائتلاف” لا يبدو أن القطريين قد تخلوا كلياً عن فكرة إعادة السيطرة على “الائتلاف”، الذي انتزعه منهم تحالف العلمانيين من مجموعة ميشال كيلو، مع رجل السعودية الأول في “الائتلاف” احمد الجربا.
ويتجه الجربا إلى محاولة البقاء على رأس “الائتلاف”، من خلال إيصال بدر جاموس في انتخابات حزيران المقبل إلى منصب الرئيس، فينتظر ستة أشهر، هي مدة ولايته، كي يعود مرة ثانية إلى المنصب. ويمنع النظام الداخلي الرئيس “الائتلافي” من البقاء رئيساً أكثر من ولايتين متتاليتين.
ويقول باحث اجتماعي في المنطقة، رافق عمليات انتخاب “المجالس المحلية”، إن التجمعات السكانية التي تتجاوز الثلاثين ألف نسمة، مارست وحدها حق الانتخاب، فيما عين أعضاء المجالس في بلدات يقل سكانها عن ذلك العدد، بالتوافق بين العائلات الكبرى والأعيان ورجال الدين. وقال الباحث الاجتماعي، لـ”السفير”، إن عملية التوافق جنبت المعارضة في تلك البلدات، مواجهة مرشحين من الموالين للنظام السوري، واحتمال حصولهم على نسب من التأييد، يصل بعضها إلى 30 في المئة.
ويواجه “الائتلاف” في ميدان الإغاثة، وتثبيت سلطته المحلية، منافسة مباشرة من بعض الدول، التي فضلت التواصل مباشرة مع المجالس، من دون المرور عبره ما يفضي إلى قضم المزيد مما تبقى له من مصداقية في الداخل السوري. ويقوم صندوق الائتمان الألماني لإعادة اعمار سوريا، بتوزيع بعض المعونات، وتمويل المشاريع الصغيرة في المنطقة، بتمويل إماراتي وأميركي وألماني. ومنذ أسبوعين بدأت الأموال بالوصول إلى سراقب لإصلاح تمديدات الماء والكهرباء. وخطفت “أحرار الشام” رئيس المجلس المحلي، وفرض احد مقاتليها على رأس المجلس بديلا عن المخطوف، وفرضت استخدام مقاتليها لحماية عمليات إعادة الإعمار، كشرط لتنفيذها.
وأخفقت وحدة الدعم والتنسيق التي يقودها أسامة القاضي، بوضع هيكلية مستدامة لتوزيع الإغاثة بشكل متكافئ. وتعاني الوحدة الأكبر في “الائتلاف”، من صراع مستمر بين رئيسته سهير الأتاسي والمدير التنفيذي أسامة القاضي، الذي عين قبل عام تقريباً، بعد اتهامها بسوء الإدارة.
وأنشأت الجماعات “الجهادية” هيئة مستقلة للإغاثة لاستتباع المجالس المحلية، الإطار الوحيد المنتخب في الداخل السوري، وكف يد “الائتلاف” عن أي نشاط أو صلة بالسكان. ونجحت “جبهة النصرة”، و”أحرار الشام”، و”لواء التوحيد”، و”لواء الحق”، في إقامة الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة، كمنافس آخر في ميدان الإغاثة.
ويقول باحث اجتماعي في المنطقة إن المجالس المحلية نفسها بدأت بإقامة “علاقات دولية” مباشرة، للاستغناء عن الوسطاء من “ائتلاف” وغيره، والحصول على تمويل مباشر من بعض الدول. ونجحت مجالس تلبيسة والرستن بفتح قنوات تمويل مباشر مع كندا وفرنسا، من دون المرور بوحدة الإغاثة والدعم، أو “الائتلاف”. ويشير إلى أن وصول الأموال إلى المنطقة يؤشر إلى احتمال التسبب بصراعات في المنطقة بين الجماعات “الجهادية” على أولوية استقبال الأموال، وطرق صرفها.
ويعتبر أن المنافس الحقيقي للإدارات المحلية، هو النظام السوري، الذي لا يزال ينفق ما يقارب الثلاثة مليارات دولار سنوياً، على رواتب الموظفين، وهو ما تعجز عنه الإدارات المحلية، فضلا عن موازنات التنمية. ويدفع النظام رواتب الموظفين في كل المناطق، من دون استثناء، وحتى تلك التي خرجت عن سيطرته، وهو ما يعني أن كثيراً من الموظفين وعائلاتهم لا يزالون يدينون بشكل أو بآخر، بالتبعية للحكومة المركزية.