ولماذا يستيقظ القوم من حلم اسقاط النظام السوري؟اسماعيل القاسمي الحسني – راي اليوم
ما أجمله من حلم لولا أن (…)، كيف لا يكون جميلا والوسادة التي يضع عليها صاحبه رأسه، وسادة تركية بما تعنيه كل أبعاد تركيا ماضيا وحاضرا، كيف لا وجسد صاحبه مُمدد على فراش أمريكي وثير الدبلوماسية، محشوا بقطن بريطاني ناعم الملمس وإن كان مسموما، معطرا بروائح فرنسية، يخدر عبقها عقل الحكيم، الى جنبه غادة ألمانية تدلّت أفنانها قرابينا، كصلاة استغفار لقومها من جرم المحرقة، يلتحفان كساء شفته (جعلته شفافا) سياسة ايطالية؛ لا يُصنع ولا يُبتدع جورومنسي ملكي كهذا، إلا لحلم يرقى لخطر اسقاط النظام السوري، ونحن نسميه اسقاط الدولة السورية؛ كيف لا، وكلما راوح الحلمُ الوقت، زادت الرحلات لأجمل عواصم العالم، وتذوق صاحبه مزيدا من كواعب الغرب، وتوسعت قنوات صرف مليارات الدولارات متدفقة كالسيل نحوه، في لوحة أشبه بنهر النيل الذي لا يجف، تقوم على ضفتيه مزارع لأحلام أخرى، تتوالد من رحم المأساة، لا أعلم ظروفا أطيب من هذه، قد يتخيلها عقل أوشبه عقل حالم.
يعارض البعض وصف شعاره ذلكم “اسقاط النظام” بالحلم، يقول إنه هدف استراتيجي وطني واقليمي، بل وحتى ديني موحا به من السماء، يكرر فتاويه تراتيلا مشايخ، ما رأينا غيرتهم على حالة التبعية الغذائية لأمتهم، فأعلنوا ثورة من الفتاوى تدخل الجنة كل من استصلح أرضا وأنتج طعاما للناس، ما سمعنا أصواتهم عالية تحث الشباب على الجهاد في بناء مصانع الدواء وغيره، لا يشعرون بالغبن أبدا حيال ذلك ويغضبون، علماء دين ومشايخ “اسلام” غير الذي جاء به رسول الهدى (ص)، لم يسهموا بكلمة واحدة ولا بدرهمأوحتى دانق، لتشييد مراكز البحث العلمي والاختراع والابداع، اختزلوا علة وجودهم في القتل واراقة الدماء واغتصاب النساء، شوهوا كما لم يشوه مخلوق آخر خلافة الله في الأرض، وصدّقوا قبل غيرهم تعجب الملائكة: “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء”؛ نقول جوابا إن كان الأمر يستحق ردا، كل هدف مستقبلي ليس إلا حُلما، ولن يخرج عن وصفه بذلك، ما لم يتحقق واقعا؛ هل يختلف عاقلان حول هذا؟ قطعا لا، إذن وفق الملموس القوم يتحدثون عن “حلم”، المسألة في تصنيفه ضمن أضغاث الأحلام أم لا، ولا يمكن معالجة شعارهم خارج هذه الدائرة؛ صحيح أنه يتعذر على ابن سيرين تفكيك طلاسمه، ويستعصي على ابن شاهين فك رموزه، بل قد يعجز دون مجرد قراءته ارطاميدورس افاسي نفسه، لكن نحن مجبرون على التعاطي مع حلم تمطط ثلاث سنوات، ويبدوأن صاحبه يرفض الاستيقاظ منه، ولعل السبب يكمن في صعوبة الاستغناء عن الوسادة التركية الخالية.
من غليون الى كيلو، سلسلة حلقات مترابطة وإن تباينت مكونات شخصياتها وألوانها الفكرية والسياسية، منها الخطيب وصبره والجربا والمالح وآخرون، كلهم كتبوا حول تجمعهم المسمى “الائتلاف”، حتى العسكريين الأسعد وادريس، أوصرحوا بأنفسهم عبر الفضائيات الأكثر مشاهدة، بعد أن فرشت لهم سجاد الشهرة، وقدمت بين يدي كل ظهور لهم مقبلات الاشلاء والدمار، وفاكهة الرؤوس المقطوعة وعصير الدماء، متهمين بقية عناصر مُكوّنهم بالمتاجرة بالوطن، والارتهان للعدوفضلا عن المستعمر القديم، وبالقبض من دول الخليج كسماسرة أعراض، وأرواح شركاء وطن وتاريخ كأنهم مجرد خردة؛ كل منهم يبرئ نفسه ويتهم بقية من في”الائتلاف”، وفي النهاية هذا الكائن المسخ مكون منهم هم جميعا وليس من سواهم؛ يقول مثلا لا حصرا ميشال كيلوردا على سؤال مذيعة البي بي سي، حول أخطر خطأ ارتكبه الائتلاف:” ليس لدينا خطة سياسية يقبل بها الداخل ويلتزم بها الأطراف في الخارج”. إذن كل ما هوقائم عليه ذلكم الكيان هوشعار “الحلم” ولا شيء غيره، والتمسك به ليس لأنه قابل للتحقيق، بل لأنه ثروة باطنية كامنة في نفوس عليلة، يستثمر فيها الأجنبي (عربي وغربي) أموالا طائلة، مقابل تدمير بلد وإبادة شعب ومحوحضارة هي أصل التاريخ البشري، الذي يطارد شبح مشرقيته كيان الغرب، وينغص على زعمائه اكتمال الشعور بالألوهية على العالم.
بدأ هذا الحلم الجميل في نظر أصحابه، بلقطات سريالية ساحرة، منها إن كنتم تذكرون إقامة الرئيس السوري في غواصة روسية بقاع البحر، ومنها يدير حربه ضد شعبه، طبعا تحت اشراف رئيس مبتدئ اسمه فلاديمير بوتين، يحكم بلدا ضعيفا مجهريا لا يملك تاريخا ولا مؤسسات ولا أجهزة، لا يُسمح لك بتخيل التفاصيل حتى لا تنكشف سذاجة الصورة، ماذا عن بقية أركان النظام؟ هل سخرت روسيا العظمى كل غواصاتها كمقرات إقامة لهم في قاع البحر؟ ماذا لواضطر الرئيس لعقد اجتماع فهل يتنقلون اليه عبر غواصات صغيرة ذات مقعدين؟ ثم ماذا عن زيارات شخصيات رسمية اجنبية، يتحتم على الرئيس استقبالها في قصره مثل الابراهيمي والعربي وغيرهما؟ هل يتسع الخيال لوجود نفق يربط طرطوس بدمشق مثلا؟. وللقارئ إن شاء أن يقف على التفاصيل التي تتبع بالضرورة الصورة لتكتمل، ليجد نفسه فعلا امام عرض سريالي غبي للغاية؛ لا عتب على من أبدعها، لكن المأساة في عقول تداولتها على انها واقع لا يرقى اليه شك، وصحف وقنوات إعلامية مازال البعض يؤمن بمهنيتها وبحرفيتها تناولتها كمادة واقعية؛ في حين أن الرئيس لم يغادر قصره، ويقوم بجولات تفقدية مفاجئة ومنظمة على حد سواء، ويتابع أعماله ونشاطه كغيره من المسؤولين. حين تعرض صور زياراته ولقاءاته، يقول أصحاب الحلم إنها خيالية وهمية ومركبة، أما الصورة التي لم يرها أحد، سوى عبر تصريحاتهم وكتاباتهم فهي قرآن جديد، تنزلت فصوله عليهم حديثا في غار البيت الأمريكي، كافر من حاول تفسيرها، مرتد آبق من شكك في واقعيتها.
وتمطط الحلم الى سيناريوآخر بديع، لقد حوصرت كل دمشق وسقطت جميع أحيائها بيد عظماء البشر، لقد تقدموا، ها هم يطبقون على القصر الرئاسي، فرّ الجميع لا يلوي أحد منهم على شيء، لم يبقى دون تحريره سوى شرطيان وجندي كسير يذودون عنه الأغبياء، المجاهدون ساندتهم الملائكة، هكذا رآهم بالعين المجردة كبار الدعاة، وسلطت الزكام على الشرطيين، حتما سيسقط القصر خلال بضعة أيام فقط، لابد أن يتمدد الحلم قليلا، فالغانيات في اسطنبول لا حصر لعددهن، إذن سيسقط القصر خلال أسابيع، نتراجع تكتيكيا قليلا، لم ننته من زيارة بقية العواصم، وعليه يجب أن يتم تحرير القصر في بضعة شهور فقط قطعا قبل شهر رمضان؛ مر على هذا السيناريوالمضحك ثلاثة أعوام، طابور الحسناوات يكاد يأتي على آخره، عواصم العالم ملت وجوها باتت أشبه بمواد بلاستيكية، أعيدت رسكلتها مرارا حتى تحللت.
إذا أردت أن تصبح فاحش الثراء، واشهر الأسماء، نزيل أكبر القنوات الفضائية، وضيفا مكرما في قصور الرؤساء، فما عليك إلا مقاسمة “الحلم”، ولا شيء عليك فالحلم جميل جدا، وإن لم يعد قابلا للتمدد لكنه مازال موجودا، وإن كان وجه الواقع فيه أنهار من الدماء وجبال من جثث الأبرياء، فصاحبه لن يُحاسب يوم القيامة، كيف يُسأل وقد اجتمع في من يؤمن به قول الصادق: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حت ىيستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.
فلاح جزائري