كيف خرج «قادة المحاور» من التبانة؟غسان ريفي – صحيفة السفير
يصف أحد رفاق الراحل «أبو عربي» في التبانة، أن ما تشهده المناطق الساخنة اليوم هو عبارة عن تسوية سياسية ـ أمنية أكثر منها خطة متكاملة لبسط هيبة الدولة وسلطة القانون على الجميع. ويلفت رفيق «أبو عربي» النظر الى أن المباراة انتهت بصافرة إقليمية ـ محلية، وخرج اللاعبون من أرض الملعب، لكن «بطولة الدوري» لا تزال مستمرة، وربما تحتاج بعض المنافسات المقبلة الى «مباراة» جديدة، سواء باللاعبين القدامى أو باللاعبين الجدد. وأكد أن هذا السيناريو ليس جديداً على طرابلس، فقد شهدت أمثاله في حقبات ماضية وكان آخرها مصالحة الـ«س ـ س» في العام 2009، لكن كل ذلك يبقى معرّضا للانهيار عندما تقتضي مصالح الكبار.
لا يختلف ما ساقه رفيق «أبو عربي»، عن القناعة الراسخة لدى كل أبناء طرابلس، بأن إنجاز الحل الأمني بهذا الشكل والسرعة وبين ليلة وضحاها، كان على الطريقة اللبنانية ووفق قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وأن عملية إخراج ما يعرف بـ«قادة المحاور» من مناطقهم جاء بناء لتسوية محلية كبرى.
وتشير المعطيات الى أن عددا من التيارات السياسية والدينية المعنية ليس لديها أي مصلحة بأن يقع أحد من «قادة المحاور» في قبضة الأجهزة الأمنية، لأن اعترافاتهم قد تكشف أسرارا كثيرة عن أدوار قامت بها خلال المرحلة الماضية، وعن بعض مصادر التمويل التي لا تزال مجهولة.
وعلمت «السفير» أن نقاشات عديدة حصلت بين كثير من المعنيين بشأن كيفية التعاطي مع «قادة المحاور»،أو مع بعض أصحاب الرؤوس الحامية في تلك المناطق، وكان توافق على ضرورة تطبيق الخطة الأمنية وفق قاعدة «أكل العنب وليس قتل الناطور»، خصوصا أن أي حصار قد يفرضه الجيش اللبناني على أي محور، سواء في التبانة أو في جبل محسن، لتوقيف رؤساء المجموعات، سيؤدي الى مواجهات عنيفة كما حصل ليل الأربعاء ـ الخميس في التبانة، وهذا الأمر سيحوّل الخطة الأمنية الى معارك متنقلة تستنزف الجيش وتضعه في مواجهة مع أهله، وتسفر عن مزيد من الضحايا، بدلا من أن تحقق هدفها بإحلال الأمن والاستقرار في مدينة لم تعد تحتمل أي نوع من التوترات.
وخلصت تلك النقاشات الى أن إخراج «قادة المحاور» من مناطقهم الى أماكن بعيدة، أو القبض عليهم، سيؤدي الى تعطيل دورهم والقضاء على نفوذهم، وبالتالي فإن الأمرين يحققان الغاية المرجوة، لكن الثاني قد يؤدي الى ما لا تُحمد عقباه، وسيجعل الجيش في تلك المناطق في مواجهة حتمية مع الأهالي، في حين أن الأمر الأول سيعيد «قادة المحاور» الى أحجامهم الطبيعية، بعدما قامت بعض التيارات السياسية والدينية بـ«نفخهم» بالتحريض السياسي والشحن المذهبي وبتأمين المال السلاح لهم بهدف استخدامهم لتحقيق مصالحها السياسية على حساب أمن طرابلس وسلامة أهلها طيلة ثلاث سنوات خلت.
وما ساهم في تسريع الأمور، هو انطلاق المرحلة الثانية من الخطة الأمنية التي شملت المداهمات والتوقيفات ومصادرة السلاح، وهي المرحلة التي شهدت سلسلة إشكالات بين الجيش والأهالي، بدءا من الحارة البرانية وصولا الى مناطق عدة في التبانة، وفتحت المجال أمام بعض المستفيدين للاصطياد بالماء العكر والتفتيش عن دور من خلال التحريض على المؤسسة العسكرية، وتصفية الحسابات مع بعض الأطراف الدينية في المدينة.
وتقول المعلومات إنه بعد جولة العنف الموضعية التي شهدتها التبانة بين الجيش والمسلحين وأدت الى جرح عسكري وشخصين مدنيين والى إحراق منزلين وثلاث سيارات، تداعى مشايخ وفاعليات المنطقة الى اجتماع سريع، وبحثوا في الخطر الداهم على منطقتهم التي خرجت من المواجهات مع جبل محسن، لتجد نفسها في مواجهة مع المؤسسة العسكرية، بما يمكن أن يحوّلها الى مخيم نهر بارد ثان، خصوصا في ظل الوهم الكبير المسيطر على بعض «الرؤوس الحامية» حول الجهاد والاستشهاد.
ووجد المجتمعون أن الحل الوحيد لحماية التبانة هو خروج «قادة المحاور» الى مناطق بعيدة، على غرار ما فعل رفعت عيد وعدد من قيادات حزبه العسكريين في جبل محسن، لأن هذا الأمر من شأنه أن يريح النفوس وأن يبعد الكأس المرة عن المنطقة.
وفي هذا الإطار جرت اتصالات استمرت طيلة يوم الخميس الفائت مع عشرة أشخاص من الأسماء المعروفة في التبانة والحارة البرانية والمنكوبين والصادرة بحقهم مذكرات توقيف، أدت الى إقناعهم بضرورة المغادرة.
وعلمت «السفير» أن بعض هؤلاء غادروا الى تركيا عن طريق البحر، وأن آخرين لجأوا الى مناطق بعيدة في الضنية وعكار.
وترى أوساط طرابلسية أن ما جرى سيحوّل هؤلاء الى «غب الطلب» حيث يمكن أن يعودوا في أي لحظة الى محاورهم عندما تستدعي الحاجة السياسية لذلك، فيما ترى أوساط أخرى، أن الحاجة السياسية للتوترات الأمنية قد تستخدم كثيرا من أبناء التبانة ومحيطها، وليس بالضرورة هؤلاء الذين باتوا على يقين بأنهم كانوا مجرد أدوات وتحولوا بعد ذلك الى مطاردين ومطلوبين للعدالة، لافتة الانتباه الى أن عدم قيام الدولة باستدارة كاملة تجاه تلك المناطق لإعادة إنمائها كما يجب، وإجراء مصالحة بين التبانة وجبل محسن على مستوى القاعدة، ومسح صورة الحرب من شوارعها لمرة أخيرة ونهائية، سيبقيها عرضة للاستخدام، وسيبقي أبناءها وقودا لمشاريع سياسية مستقبلية قد تطل برأسها في أي وقت.
في سياق متصل، وزير العدل اللواء أشرف ريفي أكّد أن «لا جولة عنف جديدة بعد اليوم في طرابلس»، مشيرا إلى أن «أغلب المطلوبين أصبحوا خارج البلاد، وبناء لمعلومات مؤكدة أن المسؤول السياسي في الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد هو خارج البلاد، بعكس ما تحدثت بعض المعلومات».
وأعلن ريفي، في مؤتمر صحافي عقب رعايته مصالحة بين عائلتَي الاسود والليزا في دارته في طرابلس: «إن الرئيس سعد الحريري يفكر جدياً بتحويل شارع سوريا الى شارع نموذجي وتحفة فنية يفاخر بها، على غرار ما فعل رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في بيروت، وان يصبح الصراع العسكري والقتال والحروب والقصف من الماضي».