المُنتظِر على «سكة العتيبة» : انتهى .. حول.. حكاية الساعات الأخيرة من الكمين

المُنتظِر على «سكة العتيبة» : انتهى .. حول.. حكاية الساعات الأخيرة من الكمين

المُنتظِر على «سكة العتيبة» : انتهى .. حول.. حكاية الساعات الأخيرة من الكمين
14/03/2

وكالة أوقات الشام الإخبارية -
جمال شعيب
وصل الرتل متأخراً عن موعده، تجاوزت الساعة منتصف ليل طويل من الانتظار، كانت مجموعة الاستطلاع (كشافة المسلحين) تتقدمه بمسافة، أشار بيده لهم بالانتظار، مرت دقائق أخرى كأنها ساعات، نظر إلى مقدمة الرتل الثاني وكأنه يقيس المسافة بين أول القطار ونهايته على مسطرة عينيه، رفع يده، أعاد النظر إلى الوسط وهو يتلمس رائحة الهواء ساحباً كميةً كبيرةً منه إلى صدره، حدّد الجسد الذي يتموج أمام ناظريه بشكلٍ أسرع من غيره، هذه نقطة الوسط المتعامدة على النقطة التي زرعها بيديه، انتظر تعامدهما واختفاءه خلفها، كما يتعامد ظل القمر على صفحة تموّجات الشمس من حوله، ضغط بيده على «الزر» هامساً «لأجلكم جميعاً»، فتضاعفت التموّجات وومض نورٌ ساطعٌ في المكان، تلاه صوت انفجارٍ ضخمٍ ارتجّت له الأرض بارتداداتٍ سريعةٍ متتالية، انتظر مجدداً، وضغط على الزر الآخر لتسبقه رشقاتٌ غزيرةٌ من مختلف أنواع الأسلحة، لم يكن أمام الأهداف المتحركة شمالاً ويميناً فرصةً للرد على مصادر النيران، سقطوا جميعاً، ومن لم يسقط ارتمى أرضاً زاحفاً نحو ساترٍ أو كوم شجيراتٍ صغيرةٍ تملأ المكان، لم تسعفهم تلك السواتر بالنجاة، كانت غزارة النيران على امتداد بقعة الكمين محسوبةً بالمليمترات، غطّت السماء رصاصاتٌ من مختلف الأحجام، لتتغطى الأرض بعشرات الأجساد تحمل سلاحها على كتفها دون أن يتسنى لها أن تستخدمه ولو لمرةٍ أخيرة.
واصلت مجموعات الاشتباك التعامل مع من تبقى على قيد الحركة، ترك مكانه وتوجه إلى سيارته، لم يحمل معه سوى جهازه اللاسلكي، صعد إلى السيارة، شغّل محركها ورجله على دواسة الوقود.. كأنه يحثّها على الانطلاق. كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة فجراً، تحرّك رتل السيارات، حمل جهازه اللاسلكي وهو يشد بيده الأخرى على المقود المهتز بقوةٍ تحت وطأة سرعة السيارة، التي تجاوزت ٢٠٠ كلم بالساعة، فوق طريقٍ وعرةٍ وظلامٍ دامس، وهو يجيب مناديه على الطرف الآخر «بدأنا الإحصاء، ١٥٠ وأكثر، سجل عندك، إنه الكمين الأكبر». كلماتٌ قليلةٌ عبّرت عن تقدير «المنادي»، وصمتٌ طويلٌ على إيقاع طرقٍ عنيفٍ كانت تمارسه إطارات السيارات على حجارة الطريق، التي غدا تطايرها أشبه بتطاير شظايا العبوات التي فجّرها للتو.
وصل إلى حيث يستطيع أن يتابع باقي التفاصيل عبر الشاشة، طلب إعادة عرض المشاهد مراراً وتكراراً، اقتطعوا هذه، أزيلوا هذه الثواني القليلة التي تكشف القليل عن هذا «السلاح»، أضيفوا قليلاً من الألوان، تجاوز هذا المقطع، لا داعي لعرض هذا المشهد فسيكشف «سراً» لا زلنا نحتاجه، تبقى بضع ثوانٍ منه، هذا يكفي، هذا كل ما يحتاج أن يعرفه الآخرون.
أعطى بعض الأوامر، ابتسم لسماع بعض التعليقات عن ما يمكن أن يحدثه عرض هذه المشاهد، خاصةً لدى المحللين هنا وهناك، ضحك كثيراً لقول أحدهم «كان لازم نصوروا ألوان حتى ما يقولوا تمثيل»، أجابه احتفظ بهذه الفكرة وذكرني بها عندما أصحو غداً، وذهب ليأخذ قسطاً من الراحة هو بأمس الحاجة إليها منذ وقتٍ طويل.
باكراً حضر إلى موقع «المكمن»، كان الجنود قد أنهوا عملية التجميع الروتيني للجثث، التحفظ على الهويات والمتعلقات الشخصية، فرز الأسماء والجنسيات، سأل عن عدد الجنسيات غير السورية، فسمع صفيراً طويلاً.. متبوعاً بعبارة أكثرهم لا يملكون وثائق ثبوتية، فهم منه أن الأغلبية من غير السوريين، لكن كان جُلّ اهتمامه مُنصبّاً على معرفة من بقي حياً، وهل هم من المقاتلين العاديين، سأل عن بعض الأسماء بعينها، خاصةً تلك التي لطالما تجنّب قتلها في كمائن أخرى، فهؤلاء مطلوب القبض عليهم أحياء وهو كان قد ألغى عدة عمليات تفجير كي لا يصابوا بأذى، فالبعض عادة يكون بقاؤه حياً أثمن بكثير من قتله بعبوة، سُرَ لمعرفة وجود عددٍ لا بأس به من الأسرى، وبعدما تأكد من إنجاز فريق «التغطية»، محو كافة الدلائل العسكرية ذات البُعد الأمني، طلب من الجنود استدعاء الإعلاميين الذين تجمعوا في مكانٍ قريب، والسماح لهم بالبدء بالتصوير والنقل المباشر.
حين يصل الإعلاميون، يختفي هو خلف «رفاق السلاح»، يتحول إلى رجلٍ آخر يشبههم جميعاً، في اللباس والتحرك، وتكون تعليماته في مثل هذه اللحظات عبارةً عن إشاراتٍ تفهمها العيون التي تنتظر، ويكون هو مستمعاً جيداً، لكافة التصريحات، لما يتناقش حوله الإعلاميون، ولما ينقلونه على الهواء مباشرةً من معلومات، يشير أحياناً إلى أحدهم بتصحيح جملةٍ ما لإعلاميّ «غُر»، أو توضيحٍ لذاك الذي تحدث عن أمورٍ لم تحصل، ويبتسم فهو يعرف أنّ الوقوف في هذا المكان مربكٌ لمن يختبره جيداً حتى بات يعرفُ لون كل متر من بقع التراب وسبب تغير اللون بين منطقة وأخرى.
ينزوي بعيداً مع مجموعة «المُقربين»، يستمع لآخر التقارير حول أعداد الفارين، وخصوصاً مجموعة الاستطلاع التي سُمِح لها بتجاوز نقطة «المكمن»، كي يتم التفجير لحظة مرور الرتل الأكثر عدداً، يطلعه «كشافوه» عن وصول الفارين إلى منطقةٍ قريبةٍ واختبائهم خلف بعض السواتر والسواقي، يطلب مراقبتهم وعدم التعامل معهم، وتتُبع الباقين، وإحصاء الأعداد بدقة، خصوصاً من اتجه نحو نقطة الانطلاق الرئيسية، يسأل عن «رصد اللاسلكي»، فيتم إبلاغه بحالة الجنون التي انتابت طرفي الإرسال والاستقبال (من أرسل المسلحين ومن كان في انتظارهم عند نقطة الوصول)، يشدّد على إبقاء تفاصيل الرحلة الأخيرة لقتلى الكمين طيّ الكتمان قدر الإمكان، مؤكداً على ضرورة الاستمرار في الرد على «الصُراخ» المتواصل على الطرف الآخر من «أثير المسلحين»، ثم يقول بصوتٍ عالٍ ومسموع «عندما تنطلقون لتعقّب الفارين، تأكدوا من اخبار رفاقهم بذلك، خاصة عند بدء الاشتباك معهم»، يشير لسائقه بتجهيز السيارة، يسأله عن جهوزية الشريط المنوي تسليمه للإعلام، يتأكد من الالتزام بكافة التفاصيل، ثم يحمل جهازه الخاص، ينادي المُنتظر على الطرف الآخر، فيجيبه، يخبره بوصول الطرد الذي طلبه، شكراً .. تمّ، بدّل.. انتهى..
سلاب نيوز

» الكمين الدموي في العتيبة: ما هي وجهة المسلحين؟
» كيف سقطت مدرسة الشرطة في حلب ؟.. تفاصيل الساعات الأخيرة
» ما هي المكائد المحمومة في الساعات الأخيرة من حياة الملك عبد الله؟
» الكشف عن تفاصيل الساعات الأخيرة لقيادات الإخوان قبل طردهم من قطر
» كتب ناصر قنديل: الساعات الحاسمة