بالتفاصيل الكاملة.. سحر الربيع العربي ينقلب على السعودية!
حمزة الخنسا – خاص الخبر برس
بعيداً عن الروايات الرسمية، والتي عادة ما تأتي على لسان سارديها ومروّجيها، وردية زاهية. هل فعلاً راكمت السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر ما اصطلح على تسميته ربيعاً عربياً، نتائج وانتصارات فاقت توقعات ملكها والأمراء؟
السنوات الثلاث الماضية حفلت بالكثير من الوقائع الميدانية والأحداث السياسية التي من شأن الخوض في تفاصيلها أن يعطينا إجابة على السؤال الكبير، قد تكون أكثر قرباً الى الواقع. تبدّل المزاج الدولي حيال ما يحصل في منطقة “الربيع العربي”، وانطلاق عجلة التسويات تشي بالكثير من التبدّل المحتمل على خارطة التحالفات في المنطقة، والتي لن تكون السعودية في منأى عنها.
في كانون الأول من العام 2011، كانت أول صدمة تلقتها السعودية ناتجة عن انطلاق موجات “الربيع العربي” في تونس، حين شهدت أنحاء متفرقة من المملكة المقبوض عليها بالحديد والنار، إحتجاجات شعبية عارمة. لم تحظَ هذه التحركات بتغطية وسائل الإعلام العربية ولا العالمية. فالإعلام العربي بمعظمه معروف التوجّه والتمويل، أما وسائل الإعلام العالمية الكبرى فشغلت تفاصيل صفقة السلاح الكبرى بين الرياض وواشنطن، والتي تخطّت تكلفتها وقتها الـ 30 مليار دولار، جلّ هواءها وصفحاتها. أدار العالم ظهره للشعب السعودي في شوارع الرياض والقطيف وجدة وغيرها. كما أنه لم يهتم لممارسات السلطات الأمنية السعودية في قمع الاحتجاجات.. هذا على مستوى الداخل السعودي.
أما في ما يتعلّق بالبلدان العربية التي ضربتها موجة الربيع، دعونا نسلسلها الواحدة تلو الأخرى لنرى ماذا جنت السعودية من التغيّرات الحاصلة فيها.
تونس: بن علي في القصر الملكي
من المعروف أن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كان حليفاً قوياً ومتقدماً للسعودية في منطقة المغرب العربي. لم تهضم السعودية سقوطه. أمّنت له مخرجاً آمناً واستضافته على أراضيه. لم تسلّم السلطات السعودية بن علي لسلطات بلاده الجديدة المنتخبة من لمحاكته.. هل استلام الاخوان المسلمين للحكم في تونس بعد الحليف بن علي يعد ربحاً سعودياً استراتيجياً؟
ليبيا: الاخوان مكان القذافي!
لا يختلف اثنان أن العقيد الراحل معمّر القذافي، كان من أشد خصوم المملكة العربية السعودية، ومن ألد أعداء ملكها بشكل شخصي، فهو متهم بمحاولة اغتياله. تخلّصت السعودية من القذافي، لكن ماذا حقّقت من بعده؟ من استلم الحكم في ليبيا الجديد؟ إنهم الاخوان المسلمون من جديد.. أعداء السعودية.
مصر: تقدّم سعودي غير مضمون
يبدو أن مصر هي الساحة الوحيدة التي حقّقت فيها السعودية تقدّماً ملحوظاً. رغم أن سقوط الرئيس السابق حسني مبارك شكّل ضربة قوية لها في منطقة تأثير مباشر على فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان. لكن احتضان الرياض لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، وتغطية الخطوات التي قام بها تجاه نظام الاخواني محمد مرسي، أعاد لها موطئ قدم جديد في القاهرة التي نجحت قطر، شقيق السعودية اللدود، في الاستحواذ على القرار فيها لأكثر من عام. السؤال المركزي الذي يطرح نفسه في هذه العجالة: هل ستسلّم القوى الشعبية والمدنية المصرية المعروفة بديناميكيتها، لوجود تأثير سعودي على قرار البلاد؟
اليمن: حدود السعودية الملتهبة
في اليمن، وعلى عكس ما يحاول بعض الإعلام ترويجه، فقد حَمَت السعودية رأس الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومنحته حصانة من الملاحقة القانونية بموجب المبادرة الخليجية التي رعتها. وها هي القوى السياسية والقبلية والعشائرية اليمنية تتصارع على المكاسب. ومن نافل القول إن اليمن، وفقاً للمصلحة السعودية، ظلّ طوال عقود غير مستقر لا أمنياً ولا سياسياً، لكنه كان مكموشاً من قبل سلطة مركزية يسيطر عليها حليف الرياض علي عبد الله صالح وأبناؤه والقبائل الحليفة له، فيما اليمن اليوم غير مستقر لا سياسياً ولا أميناً، وهو غير مكموش ولا سلطة مركزية قوية لديه، بينما الأطراف القريبة من السعودية والبعيدة عنها “فلتانة”.. وهذا ما تخشاه السعودية.
سوريا: دمار المشروع السعودي
في سوريا، حدّث ولا حرج. استطاعت السعودية إطالة أمد الحرب في سوريا، وتدمير بناها التحتية بفعل دعمها لمجموعات مسلّحة من كل حدب وصوب. لعله هذا الشيء الوحيد الذي استطاعت السعودية فعله في سوريا.
العالم اليوم يُفهم المعارضين السوريين، وعلى جرعات مخفّفة، بأن الرئيس السوري بشّار الأسد باقٍ الى ما بعد بعد جنيف 2. خطط الأمير بندر بن سلطان في القلكون والغوطتين وحلب تتساقط كأحجار الدومينو. الجيش السوري الحر، فقد 80% من مواقعه على الأرض لصالح من تخشاهم السعودية كالنصرة وداعش وحاشا وتنظيمات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان. الائتلاف الوطني المعارض، أصبح جبهات وجهات متعدّدة الولاءات. في المقابل، يتقدّم الجيش السوري على أكثر من جبهة. وفي الغوطتين وحمص، الجيش السوري إنجازات ملحوظة ويستعيدون مناطق واسعة من سيطرة المجموعات المسلّحة.
جنيف 2 بات قريباً، السعودية راهنت على معارك مفاجئة لاستعادة الأرض وبالتالي فرض شروطها في جنيف، غير أن كل المعارك التي خيضت على عجالة كانت نتائجها كارثية. هل ستسمر السعودية في تعنّتها أم سيُلين موقفها قبل 22 كانون الثاني المقبل موعد عقد المؤتمر؟ هذا مؤشر جيّد.
لبنان: تراجع السعودية وفريقها
في لبنان، هل حقاً تراجع تأثير حزب الله الى حدود الضاحية الجنوبية لبيروت؟ هل انسحب من سوريا وأنهى احتلاله لها؟ الكاتب والمحلل السياسي الكبير محمد حسنين هيكل، قال خلال لقائه مع الإعلامية لميس الحديدي، على فضائية “CBC” المصرية مؤخراً، إن “حزب الله لازال فاعلاً ولاعباً رئيسياً في المنطقة، وينبغي أن يؤخذ حسابه”.
إنطلاقاً من هذا الكلام ، هل من المفيد الخوض في قياس قدرة حزب الله على التأثير في الساحة اللبنانية؟ وهل يبقى أي قيمة للترويج السعودي بأن الحزب منهك ويتراجع دوره وتأثيره، خصوصاً بعد أن تراجعت السعودية نفسها وأجبرت فريق 14 آذار على القبول بالانضمام الى حكومة واحدة مع حزب الله؟
البحرين: التسوية على نار هادئة
الى البحرين، حيث النموذج القطري بدأ يلوح في الأفق. صحافيون كبار وسياسيون مقرّبون من البلاط الملكي البحريني، يتحدّثون عن أمر أميركي أُبلغ الى العائلة المالكة يقضي بضرورة إجراء تعديلاء وتغييرات على الوجوه الحاكمة منذ في البلاد. الأمر يقضي بـ”استراحة” رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وهو أقدم رئيس وزراء في العالم، تولى منصبه منذ استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1971. يأتي هذا الحراك الداخلي في البحرين تنفيذاً لتسوية تُطبخ على نار هادئ بين لندن وواشنطن وطهران. هذه التسوية حتماً ستقضي بانسحاب “قوات درع الجزيرة” السعودية من البحرين، والتي ينظر إليها البحرينيون على أنها قوات احتلال سعودية لبلادهم.
النووي الإيراني: بداية انحدار الدور السعودي
أما ما يتعلّق بالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول (5+1). يبدو جلياً أن تركيز الإعلام الرسمي السعودي على تصوير هذا الاتفاق على أنه ثنائي بين طهران وواشنطن حصراً، بينما واقع الحال يقول إن الاتفاق جرى بين إيران والمجتمع الدولي. لم تأتِ أية فقرة من الاتفاق على ذكر “أن تخلي إيران عن برنامجها النووي”، فضلاً عن أن برنامج إيران النووي كما ثبت للعالم أجمع هو سلمي لأغراض علمية وتجارية، لا وجود لـ”سلاح نووي” لدى إيران للتخلى عنه بموجب الاتفاق الأخير مع الغرب.
في هذا السياق، يقول معهد “ستراتفور” الاستخباري الأميركي في تقرير نُشر في 27 تشرين الثاني الماضي، إن المملكة السعودية ستكون الخاسر الأكبر وستتأثر سلباً أكثر من إسرائيل من الإتفاق النووي بين إيران والغرب، سيّما وأن أهميتها بالنسبة لواشنطن استندت إلى عامل أوحد: “كونها المنتج الأكبر للنفط ” وحظيت بحماية الولايات المتحدة “للعرش السعودي من أعدائه في العالم الاسلامي وآخرهم ايران”. أما مرحلة ما بعد الاتفاق فتقتضي بتراجع الالتزام الأميركي لحماية آل سعود، سيّما وان التنازلات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة تدل على أن “خيطاً مشتركاً يربط الطرفين بعضهما ببعض”.
وأكد “ستراتفور” أن الولايات المتحدة ليست في صدد “التخلي عن إسرائيل أو السعودية، بل المحافظة على علاقتها معهما وفق شروط معدّلة”، ونصح “السعوديين والاسرائيليين بالتكيّف مع التطورات الجارية التي لم يعهدوها من قبل – بمعنى آخر تعايش أميركي مع ايران مستقرة وقوية بعض الشيء بصرف النظر عن ايديولوجيتها”.
على العموم، فإن أكبر خسارة يمكن أن تتعرّض لها السعودية، بوصفها مملكة تعتمد على الحماية الأمنية والسياسية الأميركية، تكمن في توتّر علاقاته مع واشنطن. هذا التوتر بدأ ينعكس بوضوح على صفحات كبريات الصحف الأميركية والبريطانية التي بدأت تفرد مساحات واسعة لقضايا حقوق الإنسان، وقيادة المرأة، ونظام الحكم القبلي، وغياب دستور ينظّم الحياة السياسية في المملكة. هذه الملفات وعلى الرغم من “ثانويتها” بالنسبة لصنّاع السياسيات في العالم، إلا أنها تعتبر مقياس لدرجة رضى الـ”BIG BROTHER” الأميركي على حلفائه في دول العالم الثالث. هذا المؤشر يبدو أنه اليوم في أدنى مستوياته.
*مادة خاصة بموقع الخبر برس
الأحد أغسطس 09, 2015 7:15 pm من طرف النائب محمد فريد زكريا
موضوع: بالتفاصيل الكاملة.. سحر الربيع العربي ينقلب على السعودية! 
