يعتقد المتابع للخطابات الأميركية المتتالية، في ما يتعلق بالأزمة السورية، وما تحمله هذه الخطابات من تهديدات بالتدخل العسكري ضدّ سورية،
الصادرة عن المسؤولين الأميركيّين، بدءاً بالرئيس الأميركي باراك حسين أوباما مروراً بوزيرةِ خارجيتهِ هيلاري كلينتون وصولاً إلى القرار الذي أصدره وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أول من أمس، والذي يقضي بإرسال حاملة الطائرات «يو اس اس جون ستنيس» إلى مياه الشرق الأوسط، يعتقد المتابع أنّ الأميركيّين بدأوا بتنفيذ تهديداتهم، وهذا التحرّك لحاملة الطائرات هو نقطة البدء بالتنفيذ.
ولكن السؤال هنا: هل الولايات المتحدة الأميركية ومعها حلفاؤها الأوروبيون والإقليميون والعرب، يستطيعون خوض معركة عسكرية ضدّ سورية؟ وهل ظروف هذه الحرب مؤاتية؟ وإذا لم تكن كذلك فما العبرة من قرار بانيتا هذا؟
إنّ المعطيات الميدانية على أرض المعركة السورية والظروف الدولية والإقليمية تقول إنّ الحلف الغربي ـ الإقليمي ـ العربي ضدّ سورية فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ انتصار ضدّ الدولة السورية، ولم يعد بإمكان من يقف ضدّ سورية ومحور المقاومة في المنطقة أن يراهن على سقوط النظام السوري، فهذه المرحلة تمّ تجازوها، ونحن الآن بصدد تثبيت مقولة «الشرق الأوسط لأهله»، ونشهد سقوط مقولة «الشرق الأوسط الجديد»، بحسب مراقبين، وتتجلى هذه المعطيات في الآتي:
ـ تفكك المعارضات السورية وتنوّع القيادات العسكرية المعارضة التي تقاتل ضدّ الدولة السورية، وهذا الأمر يعني تعدّد جهات التمويل والدعم لهذه المعارضات، الأمر الذي يشتت قوى المجموعات المسلحة ويجعلها بلا جدوى، باستثناء دخولها المحرقة السورية التي صنعها الجيش السوري، حيث باتت مجرّد وقود لمعركة إعلامية خاسرة خاضتها هذه المعارضات في دمشق وخسرتها، وتخوضها في حلب الآن ووصلت إلى نهايتها. وهذا ما يفسّر دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وبعض المسؤولين الأميركيين، منذ بضعة أيام، المجموعات المعارضة المسلحة إلى التوحّد تحت قيادة محدّدة.
ـ عدم قدرة الحلف الأميركي- الأوربي- العربي على إنشاء حلف عسكري من خارج مجلس الأمن لشن الحرب على سورية، وذلك لإدراك هذا الحلف أنّ العمليات العسكرية ضدّ سورية ستهدّد بجرّ حلفاء سورية، ولا سيّما إيران وروسيا والصين إلى التدخل، وستسمح للرئيس بشار الأسد بزيادة حشد المشاعر الشعبية ضدّ الغرب، ما يعني دخولهم في حرب خاسرة.
ـ استمرار الجيش السوري في مواجهة المجموعات المسلحة وتكبيدها يومياً خسائر كبيرة في صفوفها، إضافة إلى التفاف الشعب السوري بغالبيته حول جيشه وقيادته.
ـ ثبات الموقف الروسي والصيني من الأزمة السورية، وتجدّد التأكيدات كلّ يوم من هاتين الدولتين بالوقوف إلى جانب الدولة السورية.
ـ هذه المعطيات التي فرضها السوريون على أرض الواقع، بل الإنجازات التي حققوها خلال مواجهة حقيقية مع أدوات هذا المشروع الغربي، والتي لازالت قائمة منذ 18 شهراً، جعلت هذا الحلف يتردّد كثيراً ويعيد حساباته لجهة التدخل العسكري ضدّ سورية، واقتصرت كلّ طموحاته راهناً على إنعاش معنويات مقاتيله المنهارة.
ومن أجل ذلك لجأ إلى القيام بعدة خطوات، وأبرزها:
- قيام وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا بإرسال حاملة الطائرات إلى مياه الشرق الأوسط، مع تحقيق أهداف أخرى دعائية تخدم معركة أوباما الانتخابية، لأنّ الأميركيين لن يخوضوا حرباً قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني من العام الحالي، وهذه الخطوة تصبّ في مصلحة هذه الانتخابات ولكسب الناخبين اليهود في أميركا لصالح أوباما، في ظلّ ما نشهده من صرخات بين رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو وبين معارضيه حول الحرب على إيران، وبهدف القول «للإسرائيلين»: لا تقلقوا نحن معكم».
- إعادة تكرار، على مدى الأيام القليلة الماضية، أسطوانة «ضرورة إقامة المناطق العازلة في سورية» على الحدود مع تركيا وعلى الحدود مع لبنان من قبل وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو ووزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، مع إيمانهم المطلق بعدم إمكانية تحقيق هذا الأمر.
- إيعاز الأميركيين لبعض المجموعات في شمال لبنان بافتعال أحداث جبل محسن وباب التبانة واتهام النظام السوري بتصدير الأزمة، والضغط باتجاه الإسراع في إنشاء مناطق آمنة للسوريين.
ما تقدم، يؤكد أنّ الإدراة الأميركية الحالية لن تقود حرباً بالمعنى التقليدي ضدّ المنطقة، وما إرسال حاملة الطائرات إلى الشرق إلا قنبلة دخانية للتغطية على فشل المجموعات المسلّحة، ومحاباة اليهود لكسب تأييدهم، ولا زالت تستخدم أسلوب الحرب الناعمة، وكلّ ما يعنيها في الوقت الراهن إبقاء المنطقة في وضع ساخن ومتفجّر حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية.
البناء