هذا ما شاهدته الأقمار الاصطناعية عند اغتيال الحريري
عصام نعمان – صحيفة البناء
فجّر المحقق السويدي الدولي بو أستروم قنبلة استخبارية وسياسية مدوّية عشيّةَ انعقاد «المحكمة الخاصة بلبنان» المولجة محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري كشف في مقابلة مع قناة «الجديد» التلفزيونية جملة أسرار ليس أقلّها إتهامه ضمناً رئيس فريق حماية الحريري ومرافقه اللواء وسام الحسن بالمشاركة في عملية اغتياله في 14 2 2005. استروم لم يكتفِ باتهام الحسن بل وسّع دائرة اتهاماته لتطاول سورية وحزب الله ومجموعة من الشهود والمتورطين.
ما سرّ توقيت هذه الكشوفات بعد نحو 9 سنوات على ارتكاب الجريمة النكراء وقبل نحو شهر من موعد انعقاد المحكمة الخاصة 16 1 2014 لمحاكمة أفراد بعضهم أموات والبعض الآخر أحياء متوارٍ معظمهم عن الانظار؟
لعلّ من المفيد بادىء الأمر إبراز أهم كشوفات استروم واتهاماته على النحو الآتي:
كان يُفترض باللواء الحسن أن يكون في موكب الحريري عند مغادرته منزله لكنه في اللحظة الاخيرة أبلغ الشخص الذي حلّ محله مباشرةً عدم اشتراكه في الموكب بدعوى اضطراره للذهاب الى الجامعة لإجراء اختبار أو امتحان.
لم تقع لجنة التحقيق على برهان بأن الحسن كان حقاً في الجامعة وقت الإغتيال كما تأكدت من أنّ هاتفه لم يكن مغلقاً كما ادعى بدليل تلقيه جملة اتصالات آنذاك.
الحسن كان الشخص الوحيد الذي يعرف الطرق التي يسلكها موكب الحريري وهو الذي ابلغ الشخص الذي حلّ محله في اللحظة الاخيرة بأن يسلك الموكب طريق «ميناء الحصن» عند عودة الحريري من مجلس النواب إلى منزله.
كان الحسن مصدر لجنة التحقيق للحصول على معلومات من عائلة الحريري أو وثائق عن الحريري أو مذكراته وهواتفه الخليوية. لكن المشكلة بحسب استروم كانت « الدور الذي لعبه الحسن صباح 14 شباط عندما ترك موكب الحريري واختلق ذلك الهراء حول الامتحانات وكل تلك الامور التي تثبّتت لجنة التحقيق من عدم صحّتها. لذا لم يكن المحققون يعرفون نوع المعلومات التي يُخضعها الحسن للغربلة قبل تسليمها اليها».
قال استروم: « كانت هناك كاميرا للمراقبة مثبتة على مبنى مصرفHSBC سجلت اللحظة التي مرَّ خلالها موكب الحريري ثم دوّى الإنفجار … علماً انه كانت في الطرف الآخر من طريق ميناء الحصن كاميرات مراقبة اخرى لكنها اختفت. قوى الامن الداخلي زعمت أنها احتفطت بها في مكان آمن لكن لا احد كان يعرف الى اين ذهبت الكاميرات وأشرطتها. وهذا أيضاً يرسم علامة استفهام».
قال أستروم إنه ليس لديه ادنى فكرة حول ما إذا كان الحسن منح القتلة معلومات طمعاً بالمال « لكن هذا بالطبع خيانة عظمى. إنها خيانة لربّ عمله وللمنصب الذي كان يشغله. لا اعتقد ان المال كان السبب. لكن لا بد انه كان هناك لنقل حافز او قوة ما قد يكون تهديداً».
أضاف أستروم: « فرضية الإنتحاري ابوعدس مُستبعدة وعندما نقلتُ ذلك الى ميليس رئيس لجنة التحقيق أجابني: « ليس مهماً فقد مات الرجل»…
وقال أستروم: «معلومات الشاهد محمد زهير الصديق كانت اكاذيب لا تنسجم مع الوقائع ولا ادري كيف أُدخل الى التحقيق. وأعتقد بناء على فرضياتي أن أفراداً من حزب الله متورطون في التحضير والتخطيط. لكن ذلك لم يُستكشف بالكامل بعد. لذا علينا ان نتتبع هذا المسار في التحقيق».
قال أستروم ايضاً إن السؤال المطروح كان مَن يملك القدرة على ارتكاب جريمة بهذا الحجم. كانت هناك لائحة تضم الجميع: سورية وحزب الله و»اسرائيل» و»القاعدة» وغيرهم. أضاف: « لم يكن هناك دافع شخصي لدى حزب الله لقتل الحريري لكنه كان مجرد أداة لجهة أخرى تربطه بها علاقات متينة. في رأيي سورية هي العقل المدبّر».
أقرّ أستروم بأن الولايات المتحدة و»اسرائيل» كان لديهما اقمار اصطناعية فوق موقع الجريمة. لكن « لم نحصل على أي معلومات حيوية أو صور الاقمار الإصطناعية لا من «إسرائيل» ولا من الولايات المتحدة».
هذا ملخّص الاسرار والمعلومات التي «تبرّع» استروم بكشفها بعد تسع سنوات فأثار ضجّة وأسئلة لافتة من أطراف المشهد السياسي اللبناني ولاسيما بين قلّة من المراقبين بقيت بمنأى عن الأفرقاء المتناحرين وذلك على النحو الآتي:
لماذا امتنعت لجنة التحقيق عن مساءلة وسام الحسن حتى لا نقول ملاحقته بسبب تخلّفه المريب عن موكب الحريري في اللحظة الاخيرة وثبوت عدم صحة دعواه بأنه ذهب الى الجامعة لتقديم امتحان أو إجراء اختبار كما عدم ثبوت إدّعائه بأن هاتفه كان مغلقاً خلال وقت الإغتيال بدليل تلقّيه اتصالات عدة ؟ ومن هي الجهة او الجهات التي ضغطت على لجنة التحقيق لتتوقف عن مساءلته او ملاحقته؟
ما الغاية المتوخاة من وراء كشف هذه الحقائق والوقائع حول دور الحسن وسلوكيته الآن أي عشية انعقاد المحكمة الخاصة الناظرة في الجريمة؟ ومن تراه يقف وراء هذا الكشف المفاجئ؟
لماذا لمّح استروم الى امكانية ان يكون لأفراد من حزب الله دور في عملية الاغتيال وأن سورية قد تكون في رأيه العقل المدبّر طالما هو أكّد ان القرائن تشير الى دور للحسن في الإغتيال؟
اذا كان لبنان قد بقي نحو ثلاثة أشهر بعد اغتيال الحريري تحت سيطرة السوريين كما قال القائد السابق لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي في تعليقه على كلام أستروم فما الذي منع الحكومة اللبنانية وقد آلت مقاليدها الى جماعة الحريري من مباشرة تحقيق جدّي لمعرفة مصير أشرطة الكاميرات التي أخفيت؟
لماذا امتنعت لجنة التحقيق الدولية ناهيك بجماعة الحريري عن مطالبة الولايات المتحدة و»إسرائيل» علناً بضرورة تسليم ما لديهما من صور الأقمار الإصطناعية لواقعة الاغتيال؟ الأقمار الإصطناعية شاهدت فلماذا اصحابها لا يشهدون؟
طالما ثبت للجنة التحقيق الدولية بشهادة أستروم كذب مزاعم العديد من الشهود ولاسيما محمد زهير الصديق فلماذا امتنعت المحكمة الخاصة عن محاكمة هؤلاء؟ بل لماذا امتنعت عن وضع محاضر استجوابهم بتصرف المدير العام السابق للامن العام اللواء جميل السيد المتضرر الاول من أكاذيبهم بعدما قدّم دعاوى بحقهم وبحق شركائهم في التزوير؟
هل كشف الاسرار والمعلومات المثيرة بلسان أستروم غايته استثارة الإهتمام بالمحكمة الخاصة عشية انعقاد جلستها الاولى؟ ام حثّ الحكومة اللبنانية على تسديد القسط المالي المتوجب للمحكمة؟ أم العودة الى تركيز الشكوك على حزب الله وسورية واحتمال تورطهما في عملية الإغتيال؟
الأسئلة والشكوك كثيرة وقد ادت وتؤدي الى تأزيم الاوضاع المشحونة وكأن لبنان بحاجة الى ازمــة اضافية في غمرة المشاكل والإضطرابات التي تحاصره من جميع الجهات…