لماذا يزدري الاميركيون العرب؟ نبيه البرجي

لماذا يزدري الاميركيون العرب؟

نبيه البرجي

سيراً على الاقدام، كم من الوقت يستغرق الانتقال من ثقافة القبيلة الى ثقافة الدولة؟
السؤال لاننا لاحظنا مدى سيطرة البداوة، بكل ابعادها العصبية والثأرية، على رؤيتنا للتحولات التي تجري على المستوى الاقليمي كما على المستوى الدولي. وها اننا نرى كيف ان الاتراك الذين دفعهم رجب طيب اردوغان الى حافة الانفجار يعيدون النظر في ادائهم التكتيكي والاستراتيجي على السواء بعدما لاحظوا ان ألسنة اللهب لامست حتى ثيابهم الداخلية. الاميركيون ايضا يتغيرون، على الاقل لان الكرة الارضية تدور. لماذا نبدو وحدنا وكأننا غابة من تماثيل الشمع؟
يلفتنا كلام لاستاذ جامعي اميركي من اصل عربي حين يسأل «لماذا يزدري الاميركيون العرب؟»، مع ان ما قدمه العرب للسيدة (الجليلة) اميركا يفوق ما قدمه الاوروبيون واليابانيون وكل الآخرين الذين على العكس اخذوا، ومنذ مشروع مارشال، من الامبراطورية اكثر بكثير مما قدموا لها.. فقط عودوا الى تقارير معهد استوكهولم للدراسات الاستراتيجية، وهو الذي تتمتع ارقامه بصدقية عالية، لتدركوا كم دفع العرب على مدى العقود الاربعة المنصرمة ثمناً لاسلحة تم شراؤها من الولايات المتحدة. تريليونات الدولارات ذهبت الى مستودعات الصدأ…
ومع ذلك لم نستطع ان نصد دولة بائسة مثل اريتريا عندما احتلت جزراً يمنية، ولم نستطع حتى ان «نرغم» اي ادارة اميركية، من عهد ليندون جونسون الذي حملته عشيقة يهودية على الوقوف الى جانب حكومة ليفي اشكول في حرب الايام الستة (1967)، وحتى عهد باراك اوباما حيث لم يأبه بنيامين نتنياهو على الاطلاق بتحذيرات جون كيري بأن العلاقات بين واشنطن وتل ابيب قد تتعرض لتلك اللحظة الرمادية اذا ما استمرت المراوغة على مائدة المفاوضات..
بل ان الاميركيين يزدروننا لالف سبب وسبب. لاحظنا كيف تعاطوا بلهفة مع الايرانيين عندما ظهر على شفتي حسن روحاني ظل لابتسامة، وكيف لم يكترثوا بكل صيحات الاحتجاج التي صدرت عن بعضنا. الاحتجاج على ماذا؟ ومن قال ان اميركا استعربت من اجل ذلك الطراز الحديث من الاعراب؟
ثمة جامعة عربية، وشاءت الصدفة (الصدفة الفذة ام الصدفة البلهاء؟) ان يكون اسم امينها العام نبيل العربي وليس نبيل الياباني او نبيل الايرلندي (مع انه لبعض الوقت كان نبيل العثماني)، فماذا عساها تفعل لمصر التي تواجه، فعلاً، مأزقاً تاريخيا بعدما وضعت، بطريقة ما، بين منطق العمامة ومنطق الخوذة؟ وماذا عساها تفعل للعراق الذي يتحلل كدولة ويتحلل كشعب؟ وماذا عساها تفعل لليبيا، وحيث الميليشيات بأشكالها المزرية تتبادل القذائف المدفعية بين الغرف؟ وماذا عساها تفعل لليمن الذي اندلعت فيه حروب المائة عام؟ وما عساها تفعل للبنان الذي ينزلق اكثر فأكثر في التيه، ان لم يكن في المجهول؟ وماذا عساها تفعل للصومال الذي اضحى اكواما من العظام التي تقاتل بعضها البعض؟
ولعل السؤال يبقى ماذا عساها ان تفعل لسوريا، وبعدما ارتضى نبيل العربي ان يتقمص حينا دور النادل وحينا دور المهرج، فالمعلومات تشير الى محاولة اخرى، وعلى غرار كل المحاولات السابقة، لاعادة تنظيم المجموعات المقاتلة وتمويلها ومدها بالاعتدة الحديثة، ودائما عبر الاردن الذي يمارس تلك الازدواجية العارية، بل والمخجلة، من اجل تأمين التوازن على الارض، اي ان على السوريين ان يطحنوا بعضهم البعض، وفي جولة راعبة اخرى، لكي لا ينعقد جنيف -2، ولكي لا يتم ارساء قواعد التسوية السياسية قبل معالجة الاختلال الراهن.
الحلقة الجهنمية مرة اخرى، كما لو ان الجثث التي تناثرت في كل الارجاء السورية، وكما لو ان المدن التي دمرت، والحقول التي احرقت، والناس التي تقطعت بها السبل لا تكفي كلها من اجل لحظة واحدة من الوعي، والنظر الى الاشياء بمنطق العصر لا بمنطق الجاهلية…
وعلى هذا الاساس، يدير الاميركيون لنا ظهورهم. لا، لا. يطمئنوننا الى انهم سيبقون حماتنا، فهل نحن فعلا دول من ورق؟ اجل دول من ورق حين نلاحظ كيف اهتزت كل هياكلنا العظمية حين رأينا كيف ان الايراني الذي لا يملك ثرواتنا ولا اراضينا ولا ترسانتنا البشرية المترامية، يفاوض الاميركي من موقع الند للند، بالرغم من كل التعبئة السيكولوجية ضده وعلى مدى ثلث قرن من الزمان..
قد تكون هذه فرصة للانتقال، ولكن ليس سيراً على الاقدام، من ثقافة القبيلة الى ثقافة الدولة، فالثابت ان الاميركيين والايرانيين ماضون نحو تفاهم ما، اتفاق ما، يندرج في السياق الخاص بارساء قواعد جديدة للعبة في المنطقة كما في العالم، فلماذا الجزع، ولماذا اللعب السيزيفي وراء الضوء، فيما يفترض ان نواجه التغيرات بعقلانية، وبديناميكية وايضا برؤية مختلفة، اي بخلع ثوب البداوة الذي يستوطن عظامنا، والتعاطي الشفاف والفذ مع كل ما يستجد حولنا..
واضح ان المشهد الاقليمي سيتغير. الاتراك لاحظوا ذلك، وتحولوا نحو البراغماتية بعدما ظنوا انهم بات على قاب قوسين او ادنى من استعادة السلطنة، والاوروبيون الذين غالبا ما يلعبون دور الكومبارس الاميركي استعاضوا عن كل مقارباتهم السابقة بمقاربة جديدة بالرغم من كل الاغراءات العربية التي قدمت اليهم لكي يساهموا اكثر فأكثر في تمزيق العرب…
نسأل، وقد لاحظنا كيف كانت ردة فعل بنيامين نتنياهو على مجرد الكلام عن تفاهم اميركي-ايراني.حالة من الهذيان اعترت الرجل، فكانت مواقفه التي حملت يوئيل ماركوس على الدعوة الى القبض عليه حتى لا يقدم على اي خطوة مجنونة. لماذا يصر البعض ، اذاً، على ان نكون على خطى نتنياهو وقد آن الاوان لاعادة ترتيب اعدائنا واصدقائنا. بالمناسبة، نتنياهو عدو ام صديق؟
الديار

لماذا يزدري الاميركيون العرب؟

» لماذا يولول قادة العرب ؟ ...نبيه البرجي
» نبيه البرجي: كتابة في سذاجتنا … العرب البائدة
» لماذا ادار الجولاني ظهره للجمهور؟ ....نبيه البرجي
» نبيه البرجي: ذلك الشيء الذي يدعى العرب – انتظروا، قريبا دول اخرى تتحطم و…تتناثر!!
» لماذا غاب اردوغان !.....نحن العرب نعلن فشلنا ....نبيه برجي