أصدقاء سوريا ، بداية النأي بالنفس

أصدقاء سوريا ، بداية النأي بالنفس

أحمد الحباسى تونس
يجمع المتابعون للشأن السوري أن المؤامرة على سوريا قد انتهت مع رفع المندوب الروسي في مجلس الأمن يد الفيتو في سابقة تاريخية تحدث لأول مرة لها علاقة بمصالح العملاقين في الشرق الأوسط ، الفيتو الروسي كما تحدث الكثيرون لم يكن مناكفة سياسية أو نزوة حكومة روسية بل كان قرارا مدروسا و موقفا استراتيجيا حكيما يعلم الروس أنه الفرصة الأخيرة للحفاظ على آخر موطأ قدم في المياه الدافئة و رجوع روسيا من تغريبتها الطويلة منذ انفراط عقد الاتحاد السوفيتي السابق لتصبح الرقم 2 على الساحة الدولية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ، لذلك تنبأ كثير من المحللين بأن ذلك الفيتو الأول هو بداية الصراع بين روسيا الاتحادية و الإدارة الأمريكية التي أدارت كل خيوط اللعبة منذ رحيل ميخاييل قوربا تشاف صاحب سياسة البرسترويكا الشهيرة .
بعيدا عما يقال هنا و هناك ، فان الإدارة الأمريكية ” المنسحبة” من العراق تحت وقع ضربات المقاومة العراقية و فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد و سقوط اقتصادي كبير إضافة إلى فضائح “أخلاقية” بسبب معتقل قوانتنامو و ما حدث في أبو غريب ، الرافضة شعبيا على الأقل و الغير قادرة عسكريا لأسباب عديدة على أية حرب في منطقة الشرق الأوسط ، هذه الإدارة قد “فوجئت ” تماما ببداية حراك شعبي في سوريا لم تتوقعه باعتبار هـدوء الساحة الســورية و ما يعرف عن القبضة الأمنية للنظام ، و أرادت استثمار هذه التحركات الشعبية لإسقاط الرئيس الأسد بعد أن وعدت عديد الأطراف الإقليمية بالمشاركة الفاعلة في هذه المؤامرة الخبيثة ملمحة أن النظام على قدر كبير من الإنهاك و قابل للسقوط بمجرد بعض طلقات الرصاص على الحدود مع تركيا .
المتأمل جيدا للموقف الأمريكي سيجد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم ” تشارك” في المؤامرة على سوريا فعليا كما كان الجميع يتصور و أنه عدا الدعوة الأمريكية في أوت 2011 لرحيل الرئيس الأسد و بعض المشاركات الخجولة و غير الفاعلة في اجتماعات ما يعرف بأصدقاء سوريا هنا و هناك و محاولات الضغط عبر مجلس الأمن و بعض المنظمات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان ، فان الإدارة الأمريكية قد وقفت موقف المتفرج على أحداث رتبها عملاءها في الخليج مع الجانب التركي و الأردني و بعض رموز 14 آذار المحسوبين على المشروع الصهيوني في المنطقة ، هذا العطل الأمريكي المفاجئ للبعض ( تذكروا معي سيل الانتقادات المتواصلة منذ بداية الأزمة الموجهة للإدارة الأمريكية من عملاء الخليج و من المجلس السوري ” المعارض” الذي تحول إلى ما يسمى بالائتلاف السوري ) ، كان متوقعا للكثير من المتابعين المقدرين أنه بوجود الفيتو الروسي فقد فقدت الإدارة الأمريكية هامش المناورة و لم يعد بإمكانها إلى إدارة أزمة دولية خرجت عن نطاق السيطرة.
اللافت للانتباه في الأزمة السورية ، أن هناك في الإدارة الأمريكية من هو ساخط تماما على الرئيس أوباما و فريقه السياسي بالخصوص لأنه برعونة الموقف الأمريكي و عدم قدرته على التعامل مع المستجدات التي فرضها الفيتو الروسي ، قد مكن إيران للمرة الأولى منذ سقوط الشاه محمد رضا بهلوى ، من فرصة التواجد العسكري بكثافة على الساحة السورية إلى جانب القدرات القتالية للحليف الآخر حزب الله ، بحيث أن هذه الحرب قد جعلت إيران و حزب الله ينتشران في سوريا لتعزيز قدراتها في مواجهة هذه المؤامرة و الحال أن السياسة الأمريكية كانت تعمل دائما على تحجيم دورهما و عزلهما عن ” النشاط” في محيطهما بكل الطرق، بالنتيجة كان الجميع يتوقعون انتصار معركة القصير بعد أن تغيرت موازين القوى على الأرض خاصة و أن عملاء الخليج قد نقلوا من الأسلحة و الجماعات الإرهابية ” المتدربة” على حرب العصابات ما أصبح يمثل خطرا على القدرات القتالية للجيش السوري المتعود على الحروب الكلاسيكية ، و بالنتيجة أيضا فقدت الإدارة الأمريكية السيطرة سياسيا و ” عسكريا” على هذه المجموعات الإرهابية التي بات خطرها مهددا لعروش الخليج المتآمرة و بإمكانه تهديد المصالح الأمريكية في أماكن عديدة كما حدث في نيجيريا .
لقد أجمع الملاحظون أنه بعد الفيتو الروسي ، كان هناك اعتقاد جازم لـدى الجانبين السوري و الروسي أن القضاء نهائيا على المؤامرة يحتاج إلى نصر عسكري واضح و مهم على الساحة السورية ، يأتي انتصار معركة القصير كما أثبتت التصريحات الصادرة عن المجلس العسكري “المعارض ” و سقوط حمد بن خليفة و جنون الدبلوماسية السعودية وصمت لسان أوردغان وحرج النظام الأردني و رجوع عقاب صقر إلى لبنان من رحلته ” الإنسانية” على التخوم السورية التركية ليضع مسمار النهاية في نعش المؤامرة و يفرض على الجميع البحث عن مخرج سياسي للازمة يكرس الرئيس الأسد و محور المقاومة تحت كل عناوينه المنتصر الوحيد و الرقم الصعب في معادلة جديدة سيتم رسمها سواء في مؤتمر جينيف 2 أو في مراحل سياسية و إستراتيجية لاحقة يكون فيها الطرف الروسي جزءا مهما.
انفرط عقد “أصدقاء سوريا” نهائيا ، و بات الجميع في سباق محموم مع الوقت للنأي بالنفس من تبعات و ارتدادات المشاركة في هذه الخطيئة القبيحة التي مثلت تعبيرا واضحا عن مدى ، ما وصلت إليه كل أنظمة الخليج من عمالة و سقوط في بئر الخيانة و خدمة المشروع الصهيوني ، ما وصل إليه مشروع الإسلام السياسي في تركيا من تخبط أوصل تركيا من حالة تحالف استراتيجي مربح مع الجانب السوري إلى حالة قطيعة تامة ستكون لها تداعيات خطيرة في المستقبل ، ما وصل إليه جماعة 14 آذار من رهانات خاسرة متكررة على النفوذ الأمريكي في المنطقة ، ما وصل إليه النظام السياسي العربي من خرق لكل المبادئ المقررة بميثاق الجامعة العربية التي تحولت إلى عراب لكل المؤامرات الصهيونية ، بل أكاد أجزم أن تصريحات العقيد الكعيدى رئيس ما يسمى بالمجلس العسكري السوري منذ يومين تمثل كشف حساب معبر عن هزيمة مدوية حدثت في معسكر “الأصدقاء” و بداية انهيار منظومة كاملة نشطت على مدى أكثر من عامين في تنفيذ مؤامرة قذرة بكل المقاييس.
يجمع المتابعون اليوم أن سوريا لم تعد مستعجلة للذهاب إلى مؤتمر جينيف 2 لغياب المصلحة من هذا المؤتمر ، بل أنه من الواضح أنه بانكفاء الجميع و ظهور بوادر الانشقاق و التنصل من هذه ” الثورة” و توابعها و بقاء النظام السعودي المصر الوحيد على البقاء في معركة الأمل الأخير ، أن سوريا لم يعد يهمها انعقاد هذا المؤتمر لان الحاجة ملحة الآن لحسم الأمر على الميدان بإخراج و تصفية الجماعات الإرهابية المتبقية ، هذا الأمر مكلف جدا لكن من المفيد اليوم المطالبة بأن تلعب إيران و حزب الله الدور العسكري المطلوب لحسم الواقع على الأرض حسما نهائيا بدون الالتفات نهائيا إلى نعيق الغربان في معسكر الهزيمة ، بالتوازي فانه من المطلوب من الحليف الروسي توفير كل أسباب الدعم المطلوب لإنهاء هذه الأزمة لان ذلك سيوفر على الجانب المنتصر كثيرا من أوجاع الرأس و يدفع جماعة ” النأي بالنفس” الآن إلى تقديم كل التعويضات عن هذه الحرب الخبيثة حتى يمكنهم تجنب إرهاصات ما بعد صمت المدافع ، و اللبيب من الإشارة يفهم .

أصدقاء سوريا ، بداية النأي بالنفس

» النأي بالنفس بين أمس واليوم .. ومايحصل في عرسال أهم نتائج ذلك النأي .. بقلم : مي حميدوش
» لبنان وخدعة النأي بالنفس
» مجزرة دمشق بين النأي بالنفس والصمت المطبق .
» أهكذا تُترجم "سياسة النأي بالنفس"؟ ..حسان الحسن
» كتبت غدي فرنسيس: أسطورة النأي بالنفس تفضحها الوقائع اللبنانية