تسعى واشنطن للتملص من نتائح صعود القوة الروسية و إنكار وجود قوة عالمية صاعدة تنافسها على الدور القيادي في النظام العالمي وتملك مقومات لعب دور المرجع الأكثر قدرة وتوزانا وإستقرارا لقيادة المنظومة العالمية بإنصاف ومراعاة للمصالح الحيوية المتبادلة ورسم المعادلات و حدود نهاياتها
موسكو منذ تولي بوتين مقاليد الرئاسة ترسم خطة التقدم المضطرد بهدوء وترتكز إلى ثبات إيران وقدراتها من جهة وصمود سوريا وقتالها من جهة مقابلة لتوصل واشنطن إلى التسليم بحقيقة أن الهزيمة في العراق وأفغانستان هي نهاية العهد بالأحادية الدولية وكما هي نهاية العهد بالإمبراطورية العسكرية وربما آخر أيام الحضور والنفوذ الفاعل في آسيا
حروب واشنطن التي بدأت مع الربيع العربي لم تكن مؤسسة على وهم فارغ بل على حسابات قوامها ان القبول بتسليم الأخوان المسلمين دفة النظام العربي الجديد يشكل جوابا قادرا على تعويض الخيبة العسكرية والتأسيس لمنظومة تحفظ المصالح الأميركية والأمن الإسرائيلي و تملك الشرعية الشعبية والدينية
دار الزمان دورته خلال عامين و حاولت واشنطن تثبيت المعادلة الجديدة وكانت العقدة السورية نقطة الضعف التي سقطت في حفرتها خطة الأخوان ومنها تغيرت المعادلة وسقطت قطر و إنقلبت في مصر الأوضاع ووقف أوباما يندب كل شيئ ضاع
تبدلت الخطة وجاء بندر بن سلطان بيمينه القاعدة وبيساره الفتن المذهبية والأمل بتغيير جديد يعيد الإعتبار لحماية المصالح الأميركية والإسرائيلية مقابل تتويج السعودية على رأس نظام جديد تضيع فيه كيانات العرب ما عداها في الحروب الطائفية و المذهبية
مرة أخرى كانت العقدة السورية و كانت التجربة المرة في ريف اللاذقية و مصير القاعدة و معها سقطت الفتنة وسقط بندر وتقدم الجيش في البلدين العربيين الحاسمين مصر وسوريا وعادت واشنطن إلى نقطة البداية حيث يبدو واضحا خط النهاية
موسكو تمسك بالبر الاسيوي و إيران تدير أمن الخليج وسوريا صاعدة بقوة التماسك والقوة والصمود وواشنطن تنكفئ بداية نحو البحار فتجد في المتوسط شريكا في نشر الأساطيل وفي الخليج من يقاسمها السيطرة وفي البحر الأحمر فرصا متعثرة و تعود إلى المحيطات
التسليم بالحقائق و الإنكفاء عبر المضائق فوق قدرة الغطرسة رغم وضوح الجنرالات بتعثر كل خطط الحروب لكن كان لا بد من التجربة والتفكير بخيار ثالث بين الهزيمة والحرب الشاملة
الضربة المحسوبة كانت الجواب وموسكو تتفرج وتسهل للأميركي الدخول للمنطقة المحرمة والتوغل في وحول المستنقع حيث التراجع يصير مستحيلا والتقدم اشد إستحالة
حصل ما أراده بوتين ووقع أوباما في العقدة المستعصية وراهن على حلفائه وإذ هم يستاقطون واحدا تلو الآخر وللمرة الأولى في مشروع حرب مقلقة ومتأرجحة الأفق يجد أميركا بين حلفاء يتضاءلون والأهم أنه للمرة الأولى من خمسين حليف عليه القتال مع خمسة وعليه أن يفتقد بريطانيا وكندا للمرة الأولى
موسكو تنتظر ببرود وتتفرج وتسهل التوغل في وحول مستنقع العناد حتى تصل الأمور إلى لحظة القرار ويصعب التقدم فيرجع اوباما للعبته الداخلية ويقرر التوجه للتصويت في الكونغرس المنقسم بين خيار حرب شاملة و خيار الإنتظار لتبلور المعادلة
موسكو سلحت سوريا بما يليق ويستحق الإنتظار فإن وقعت الحرب سيكون مصيرو اشنطن هزيمة مجلجلة من الخليج إلى المتوسط إلى امن إسرائيل وأسعار النفط ومستقبل الهيبة المهدورة
واشنطن تجمدت وتوقفت عن التوغل ولم يبق إلا سلم الأمان الروسي في قمة موسكو وأعلنت أن أوباما مشارك أملا بتراجع منظم لكن بوتين قيصر اللحظة وسيد لعبة الشطرنج قرر ان يرد لقوته الإعتبار
موسكو تبلغ الترحيب بقدوم اوباما لكنها تقول لا قمة ثنائية فيتصل أوباما ليحدث القيصر تمهيدا لللقمة ومحاولة للبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه فينقطع حبل الإنتظار ومكتب القيصر ينتظر ثم يعتذر عن تأمين الإتصال
على اوباما والكونغرس إنتظار موسكو للبحث عن طريق الخروج من المستنقع و زمان الهيبة ما عاد ممكن الترقيع و على اللغة القديمة ان تنسى او تضيع
في موسكو الإنتظار الطويل والصبر البارد و القيصر يترك باب الإحتمالات أما في واشنطن فلا مكان إلا للإنتظارات والتسليم بتغير المعادلات