إحدى أشهر المقولات عدوانية وعنصرية لدايفيد بن غويون هي أن "عظمة إسرائيل ليست في قنبلتها الذرية، ولا ترسانتها العسكرية، لكن في انهيار دول ثلاث: مصر والعراق وسورية"، ويقول إبان حرب استلاب واغتصاب فلسطين، وتهجير وتشريد الشعب الفلسطيني: "الكبار سيموتون والصغار سينسون".
منذ سنين بعيدة والأهداف الاستعمارية الغربية نفسها، حيث ثمة مشاريع لاستهداف المنطقة والأمة العربية.
كانت قبل سايكس - بيكو وبعدها، تعددت الخطط والمشاريع، ومن أبرزها باستمرار كان بعث حروب طائفية ومذهبية، تجلّت في أبشع صورها بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث كان أول قرار للحاكم الأميركي بول برايمر حل الجيش العراقي، واستدراج كل أشكال الفتن.
وهي منذ 28 شهراً ونيّف تتجسد بمختلف الأشكال في الحرب الكونية العدوانية على سورية، التي استخدمت وتُستخدم فيها كل أساليب ووسائل الحروب الاستعمارية الإجرامية ضد الشعوب، والتي وُظّفت لها برامج إعلامية بامكانيات مالية وتكنولوجية مذهلة، فاختلقت أوصافاً ومصطلحات ومفاهيم فظيعة، ولجأت إلى جرائم الخطف على نحو ما جرى في الحرب اللبنانية القذرة (1975-1990)، واعتمدت المذابح والقتل الجماعي، محاولة بشتى والوسائل والسبل استدراج الفتن القبلية والمذهبية.
خلال أكثر من 28 شهراً من الحرب على سورية فُضح ما يسمى "الاعتدال العربي"، وبان بوجهه القبيح الذي كان قد اختُبر في الماضي البعيد والقريب، حينما كان ينسق مع الغرب والكيان الصهيوني في الاعتداءات والمؤامرات على مصر وعبد الناصر، من حرب السويس عام 1956، إلى عدوان حزيران 1967، إلى مجازر أيلول في الأردن عام 1970 وتصفية المقاومة الفلسطينية.
إلى لبنان، والتواطؤ المفضوح للأعراب مع اجتياح الصهيوني عام 1982، ومحاولات بعضهم مع الدولة العبرية إبان التحرير العظيم عام 2000 لعدم تنفيذ الانسحاب، والذي تجلى في أبشع صورة إبان حرب تموز 2006؛ حينما تآمر العرب وبعض الداخل اللبناني على المقاومة الإسلامية الباسلة، التي سطّرت أعظم ملاحم البطولة والصمود والانتصار.
لعل ما يثير الدهشة والاستغراب الآن، ذاك التحالف السريالي - الشيطاني بين من يقول إنه يمثّل "الاعتدال العربي" وجماعات التطرف والتكفير، في ما أخذوا يُطلقون عليه معركة بلاد الشام الكبرى التي تضم سورية ولبنان والعراق.. وفلسطين بالطبع.
وإذا كانت الوقائع الميدانية على الأرض السورية بدأت تؤشر إلى الضربة القاصمة للمشروع الجهنمي، فإن الصمود السوري الأسطوري وفشل كل أشكال الفتن المذهبية التي أرادوها في سورية ولبنان، قد شكّل عاملاً هاماً لبداية صحوة عربية، تجلّت بشكل ساطع في الانتفاضة المصرية، حيث إن الغالبية الساحقة من الشعب المصري تصدّت وتتصدى لحكم "الإخوان"، ما جعل انتفاضة شعب مصر وجيشها امتداداً طبيعياً لصمود سورية، لتبدأ في المنطقة مرحلة جديدة كانت أشكالها بدأت تتبلور قبل أسابيع بعد اجتماع قمة الثماني في إيرلندا، حيث اتجهت واشنطن لتغيير القيادة الميدانية الإقليمية في الحرب على سورية وحصرها في السعودية، محوّلة تركيا وقطر إلى موقع المساند والداعم.
بعد أن فشلت على مدى أكثر من 28 شهراً المهل التي حددت لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وهي بأي حال لم تزعج الولايات المتحدة الأميركية، لأن سورية تدمَّر، لكن واشنطن أمام التطورات الميدانية التي يحقق فيها الجيش العربي السوري انتصارات كبرى، لم تعد تستطيع الاحتمال، لأنها كل ما أرادته قبيل وبعد قمة الثماني، هو إعادة التوازن العسكري، الذي تريد أن تستثمره قبل نهاية شهر أيلول حيث الموعد المنتظر لمؤتمر "جنيف-2".
خلال المدة الفاصلة ثمة الكثير من الوقائع والمعلومات عن أن هذه البلاد، أي بلاد الشام، ستشهد المعركة الكبرى، فالتقارير الأمنية والدبلوماسية تؤكد على وضع سيناريوهات لإحداث الفوضى الكبرى حول سورية، فتن واصطرابات وفوضى داخلية في لبنان، بدأت مع أحمد الأسير، ولم تمرّ على متفجرة بئر العبد، وبالتأكيد لن تنتهي عند القبض على خلية "جبهة النصرة" في البقاع الشمالي، ثمة ما هو أدهى حيث يريدون السيطرة على بعض المرافئ الحساسة، كمرفأ طرابلس، والاعتداء على الجيش، وأعمال تفجير وغيرها.
ولمواجهة المرحلة المقبلة وتطوراتها، كان القرار أولاً بتحويل القيادة للسعودية، وتوحيد المجموعات المسلحة، وتوفير الدعم لها بالسلاح النوعي.
ثانياً: الاستعانة بعناصر عالية التدريب لخوض حرب عصابات في مواجهة الجيش السوري، ومن هنا كانت تلبية "طالبان باكستان" النداء، فأعلنت عن توجه نحو 1700 مسلح إلى سورية تلبية لطلب الأصدقاء العرب.
ثالثاً: إشغال الساحات المحيطة بسورية، ومن هنا نرى ارتفاع وتيرة أعمال الارهاب والتفجير في العراق، وتوتير الأوضاع في لبنان، وتوفير الدعم للحركات المتطرفة في الشمال، وتوفير الملاذات الآمنة لمجموعات سورية مسلّحة، مع تصعيد ضد المقاومة وحزب الله، وإشغالهما بفتن مذهبية.
وإذا كانت هذه الحلقات لم يقيَّض لها النجاح، فإن سورية، وخصوصاً خلال شهر رمضان المبارك، كانت أمام مؤامرة من نوع جديد، تجلّت بالضغط الاقتصادي، ومحاولة محاربة الشعب السوري في قوته ورغيف خبزه.
وحينما تمكّنت الدولة الوطنية السورية من توفير علاجات - ولو كانت جزئية - لهذه المشكلة، ثمة عودة إلى الأصل، بتفعيل الدور "الإسرائيلي" مجدداً في العدوان على سورية، سواء عبر ممارسة عدوان عسكري واسع النطاق، أو عبر عدوان موضعي، وتنفيذ غارة هنا أو هنالك، أو حتى نشر إشاعات عن استهداف موقع استراتيجي، وذلك في إطار العودة إلى ما يسمى اختبار الإرادة السورية في الرد، أو استدارج رد سوري بما يفسح في المجال لرد اسرائيلي واسع النطاق وشامل، يتمكن من خلالها المسلحون من مختلف الاتجاهات من العودة إلى التمدد والانتشار.
بأي حال، لنلاحظ أن الجيش المصري ثابت في مواقفه، والجيش العراقي يتصدى بقوة وثبات لأعمال التفجير والارهاب، ويحبط المزيد من عمليات التسلل نحو سورية.. تركيا أصبحت منهمكة في مشاكلها الاقتصادية والشعب يزداد نقمة على أردوغان.. في لبنان، ثمة رؤية واضحة للمخطط الشيطاني، سواء كان لونه أزرق أو شكله مثلثات ومسدسات..
سورسة الان - الثبات