علي البقاعي
[rtl]قبل أربعة وستين عاماً تحديداً في الثامن من تموز عام 1949 وعلى رمال بيروت اخترقت رصاصات «الخلود» صدر أنطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي. في تلك الليلة من تموز ارتكبت المدينة التي تسمّى بـ»أم الشرائع» إحدى أكبر الجرائم الوطنية والسياسية والأخلاقية والقضائية والإجتماعية في تاريخ الأمة السورية والعالم العربي عندما وقّع «حكام الطوائف» في لبنان آنذاك أمر تنفيذ حكم الاغتيال إعداماً في حق رجل نذر حياته لعوّة أمته وعظمتها وحريتها.[/rtl]
[rtl]قرار اغتيال أنطون سعاده بتهمة «الخيانة العظمى» والثورة على الدولة اللبنانية وتغيير النظام كان حجة واهية ابتدعها أهل الحكم في لبنان على تنوّع مذاهبهم وانتماءاتهم إذ لم يكن قرار الاغتيال إلاّ أمراً مباشراً من أجهزة المخابرات الأجنبية بوضع حد لأنطون سعاده الذي بدأ يشكل خطراً على مشاريعهم الاستعمارية في سورية الطبيعية.
إغتيال أنطون سعاده كان قراراً دولياً إذ أجاب عن سؤاله لنفسه: «من الذي جلب على شعبي هذا الويل؟» فكانت كتاباته الباكره عن الويلات الطائفية والمذهبية والكيانية والتقسيمية والاستيطانية التي نتجت من اتفاقيات سايكس بيكو ومعاهدات سيفر ولوزان وكان أوّل من استشرف الخطر الناتج من وعد بلفور المشؤوم لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
اغتيل أنطون سعاده لأنه كان أوّل من حذّر من خطر الطائفية على كيانات الأمّة السورية وأوّل من وقف في وجه المستعمر الفرنسي أثناء محاكمته الأولى مدافعاً عن حقه في تأسيس الحزب عام 1932 ولأنه كان أول من طالب الاستعمارين الفرنسي والبريطاني بوقف التدخل في شؤون الأمة السورية الداخلية وأوّل من أرسل مذكرة إلى عصبة الأمم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بأنها لا تملك الحق في تقرير مصير فلسطين بل إن من يقرر مصير فلسطين هي الأمة السورية مجتمعة ولأنه كان أوّل من كتب وحاضر وتحدث عن دور البترول في مقالته المشهورة «البترول سلاح إنترنسيوني لم يستعمل بعد» وأهمية هذا السلاح في حماية مصالح الأمة القومية من الأطماع الغربية والاستيطان اليهودي.
اغتيل أنطون سعاده لأنه كان أول من وضع البراهين العلمية عن وحدة سورية الطبيعية تاريخياً وجغرافياً فكان كتابه «نشوء الأمم» علامة فارقة مبيناً تاريخها الجلّي وعلاقة كيانات الأمة ببعضها ومكامن القوة في وحدتها ودورها الريادي في العالم العربي الذي تشكل فيه سورية القوة الرئيسية في مقاومة الأخطار القادمة عليها فهي سيف العرب وترس العرب والمؤهلة لقيادة العالم العربي.
اغتيل سعاده لأنه كتب عن خطر المذهبية والطائفية في تأخّر الأمة وتراجعها وأنها هي الخطر الأكبر على وحدة الأمة الثقافية والجغرافية والإقتصادية و»أن اقتتالنا على السماء يفقدنا الأرض».
اغتيل سعاده لأنه كان أوّل من تحدث عن الإرث التاريخي والجغرافي والديني والثقافي للأمّة وأهمية هذا الإرث في وحدة الأمّة وتقدّمها ورقيّها ولأنه آمن بأن في النفس السورية كل الحق وكل الخير وكل الجمال و»أن الدماء التي تجري في عروقنا هي عينها ليست ملكاً لنا بل وديعة الأمّة فينا متى طلبتها وجدتها» .
اغتيل سعاده لأنه كشف زيف الحكام الطائفيين المذهبيين الذين ينبطحون أمام الأجنبي لأجل تنفيذ مآربهم الخاصة والذين لم تختلف حزبياتهم الدينية والمذهبية عما كانت عليه لحظة اغتياله إذ تكاثرت كالفطريات ففرخت أحزاباً وتنظيمات وحركات ومجموعات وعصابات بعشرات المسميّات التي لا تعرف من الدين إلاّ المسمّى وكلّها تدعي حماية الوطن وضمان مستقبله وصيرورته وعزته وإستقلاليته فيما ليست إلاّ اداة طيعة في يد من يدفع لها أكثر ويموّل مشاريعها المذهبية.
اغتيل سعاده لأنه أوّل من وضع في دستور حزبه مبدأ «سورية للسوريين والسوريون أمّة تامة» وأوّل من وضع مبدأ فصل السلطات ومبدأ «فصل الدين عن الدولة» وأوّل من وضع مبدأ المساواة بين كل أبناء الأمّة رجالاً ونساءً من الفئات والمذاهب كافة على أساس المواطنية والذي لو طبق في أمّتنا لما كنا نعاني ما نعانيه اليوم من حروب وصراعات دينية وعرقية وكيانية وكان أوّل من دعا إلى إيجاد قضاء عادل بعيداً عن المذهبية والحزبيات الدينية.
اغتيل سعاده لأنّه كان أوّل من نادى بخطة اقتصادية موحّدة وأوّل من تحدّث عن اقتصاد الأمّة المتكامل بين كيانات الأمة التي تتكامل لناحية الإفادة من الموارد الطبيعية ومن الكفاءات العلمية الموجودة في كيانات الأمّة السورية.
رغم كل الصعاب التي مر بها بقي حزب سعاده يناضل في ساحات الصراع مبشراً بما نادى به الزعيم وبما مات لأجله وفي قلب وعقل كل مؤمن بالفكر القومي الإجتماعي قوله: «إنكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ». وقد أصبح هذا اليوم قريباً جداً لأن كيانات الأمة بدأت تدرك أهمية وحدة سورية الطبيعية أو المشرق أو بلاد الشام والعراق أو مهما تكن التسمية.
أعتقد أنه آن الأوان للمطالبة مرة أخرى بإعادة محاكمة أنطون سعاده أسوة بما فعله عدد من النواب اللبنانيين قبل أكثر من عشر سنوات عندما طالبوا عبر البرلمان اللبناني بإعادة محاكمة الزعيم. بلى يجب إعادة المحاكمة لأجل أن تتوضح الحقائق وتعاد كتابة تاريخ تلك المرحلة من تاريخ لبنان وإظهار من كان الخائن لوطنه ومن الذي كان يعمل لعزّته.[/rtl]
[rtl]الثبات[/rtl]