[rtl]
عبدالله علي ـ عربي برس
مرسي له تأثير كبير على ما يحدث في سوريا، فحتى عدد القتلى بدأ بالانخفاض منذ خطابه يوم الأربعاء فصرنا نسمع عن أعداد بالثلاثين بعد أن كانت تأبّى النزول عن المائة خلال شهور طويلة من الصراع. قد تكون مجرد صدفة وربما لا تكون كذلك، ولكنها تبقى ملفتة للانتباه، لاسيما وأن أحاديث الشارع السوري واهتمامات نشطائه ومثقفيه قد قفزت عن منصة الدم السوري وتعلقت بأهداب مواقف مرسي وخطاباته المثيرة للجدل والكثير من التعليقات الساخرة.
فقد انقسم السوريون حول مرسي كما انقسموا على كل شيء آخر، البعض يرى فيه رئيساً شرعياً لا يحق للشعب إسقاطه بالتظاهر، والبعض الآخر لا يرى فيه إلا مندوباً لجماعة الإخوان المسلمين جاء إلى الحكم عبر صفقة دولية أشرفت عليها الولايات المتحدة الأميركية. وقد ازداد اهتمام السوريين بأحداث مصر خصوصاً في اليومين الماضيين حيث تسنّى لهم سماع مرسي يخطب مرتين متتاليتين في لحظة تاريخية قد تكون مفصلاً من مفاصل دولة مصر التي يحمل لها السوريون الكثير من المشاعر الخاصة التي تميزها عن كافة الدول الأخرى. ويمكن القول بدون مبالغة أن هذا الاهتمام بالشأن المصري قد ساوى إن لم يكن طغى على اهتمام السوريين بشأنهم الخاص، وقد يكون وراء ذلك مغزى واضح هو إدراك السوريين العميق بأن ما يحدث في مصر سيكون له تأثيره الضروري على ما يحدث في بلدهم.
لا يخفي الموالون للنظام السوري فرحتهم بالنجاح الباهر الذي حققته تظاهرات 30 يونيو، وكانت نشوتهم لا تقدر وهم يرون هذه الجموع البشرية التي تخطت التوقعات تملأ الساحات والميادين على امتداد الأراضي المصرية، فأيقنوا أن سقوط مرسي الذي تبنّى دعوة للجهاد في بلادهم، أصبح قاب قوسين أو أدنى وهو ما يعني أن مشروع أخونة الحكم في العالم العربي انتكس نكسة كبيرة قد لا يستطيع النهوض منها رغم كل مشاريع النهضة التي يزعم أنه جاء لتحقيقها.
أما المعارضون فقد تفاجأوا بل صدموا بالمشهد "الفوق" مليوني الذي رسمته ريشة "تمرد" كالوشم على الجسد المصري، وكان إرباكهم واضحاً في التعبير عن معاني المشهد وتداعياته وأبعاده. فمنهم من استخف به ومنهم من خشي منه ومنهم من حرّض عليه. وكان التعليق الأبرز والأكثر تداولاً أنه لا يحق للشعوب إسقاط الرؤساء الشرعيين عبر التظاهر بالشارع لأن الديمقراطية لا تسمح بإسقاط الرئيس إلا عبر صناديق الاقتراع، كما ذهب إلى ذلك إعلامي الجزيرة سوري الجنسية فيصل قاسم عبر تغريدات متكررة على حسابه في تويتر.وسرعان ما جاء الرد على قاسم من الإعلامي المصري عمرو أديب الذي هزأه بأسلوبه المعروف وطلب منه ألا يتدخل في شؤون مصر.
وقد تصاعدت وتيرة اهتمام السوريين مع بيان الجيش الذي أعلن فيه مهلة ثمانٍ وأربعين ساعة لتلبية مطالب الشعب، ومع تصاعد الاهتمام تصاعد أيضاً الانقسام، فبعض السوريين يرون الجيش المصري على أنه جيش وطني قرر الانحياز لمطالب الجماهير ووقف في وجه مرسي وطغمته الحاكمة، والبعض الآخر لا يرى فيه إلا أداة بيد أميركا والغرب مبدياً خشيته أن يكون تدخل الجيش لمنع ثورة 30 يونيو من إحداث تغيير حقيقي في موقع مصر من السياسة الإقليمية ولاسيما العلاقة مع الكيان الصهيوني ما من شأنه تهديد اتفاقية كامب ديفيد أو على الأقل وضعها على طاولة البحث، وهو ما قد يعتبر من أكبر الخطوط الحمر التي يرسمها الغرب لتحديد علاقته بدولة مصر وبأي نظام حكم يجلس على عرشها.
وفي هذا السياق يرى الكاتب الصحفي المعروف "باسل ديوب" أن مصر أشبه ما تكون بمستعمرة أميركية، وأن كل الخيارات لتطور الأحداث فيها سيئة، مؤكداً أن كل القوى السياسية في مصر لا تستطيع الخروج من العباءة الأميركية ولا تقول لا، ويصف الجيش المصري بأنه جيش لا وطني وتابع.
أما الناشط الإعلامي المعارض "موسى العمر" فقد عبر عن مخوفه من أن يكون ثمة قراراً قد اتخذ بإزاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي وتولية العسكر زمام السلطة، وأضاف متحسراً على إضاعة مرسي للفرصة: "بإعتقادي أن الرئيس مرسي لو أعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة لقطع الطريق على المعارضة والجيش" ليقول بصراحة: "التاريخ يقول : الجيش والعسكر يا ريس مرسي لا صاحب لهم .. لا أمان لهم .. وسينقلبون"، لكن معارضين آخرين رأوا أن خطاب مرسي الأخير كان خطاباً مدروساً ومن شأنه وضع الجيش أمام خيارين إما التراجع عن إنذاره وإما القيام بانقلاب عسكري مؤكدين أن كلا الخيارين أمرّ من بعضهما بالنسبة للجيش.
ووسط هذا الانقسام الذي أحدثه خطاب مرسي بين النشطاء والمثقفين حول مواقفه والتداعيات المرتقبة، يبقى أن الشريحة الواسعة من الشعب السوري تنظر بقلق إلى ما يجري في مصر وتلهج بالدعاء الحار والصادق أن يحمي الله مصر وأهلها من كل سوء.
[/rtl]