دام برس:
عندما التقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأمريكي أوباما في البيت الأبيض في السادس عشر من أيار/مايو، كانت أكثر الموضوعات إلحاحاً هي الحرب في سوريا. فتركيا لم تواجه تهديداً من هذا النوع منذ أن طالب ستالين بأراضي من الأتراك عام 1945.
في عام 2011، قطعت الحكومة التركية جميع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة الرئيس بشارالأسد، وبدأت في دعم جماعات المعارضة السورية التي تسعى للإطاحة به. إلا أنهذه السياسة فشلت حتى الآن وعرضت تركيا للمزيد من المخاطر، كانآخرها التعرض لهجومين مميتين بالقنابل في بلدة الريحانية الحدودية التركية، التينفذتها -- على الأرجح -- قوات موالية للأسد رداً على الدعم التركي للثوارالسوريين.
لقد نعمت تركيا على مدى العقد الماضي بسمعتها كبلد مستقر في منطقة غيرمستقرة. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2012، صنفت وكالة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني السندات التركية بأنها من الدرجة الاستثمارية، وذلك للمرة الأولى منذعام 1994. فالسمعة الدولية المتطورة للبلاد خففت من حدة مشكلة اقتصادية مزمنةألا وهي: نقص رأس المال. وقد بشر الجذب المستمر للاستثمار الأجنبي على مدىعقد من الزمان بحدوث نمو هائل تجاوز في بعض النقاط 8 في المائة سنوياً، ممادفع بتركيا إلى دخول مجموعة العشرين للدول الصناعية.
ولأول مرة في تاريخها أصبح غالبية المجتمع التركي من الطبقة المتوسطة، وهو الأمرالذي ساعد «حزب العدالة والتنمية» برئاسة السيد أردوغان على الفوز بثلاثة انتخابات متتالية منذ عام 2002.
بيد أن الحرب في سوريا تهدد هذه المكاسب وكذلك المستقبل السياسي للسيد أردوغان. فتركيا لن تكون في مأمن من تداعيات الدولة المجاورة لها ، أو من نظام الأسد الذي يسعى للانتقام من أنقرة لدعمها الثوار. وقدحققت تركيا نمواً اقتصادياً لأنها تمكنت من جذب استثمارات دولية؛ كما أنهااستطاعت جذب هذه الاستثمارات لأنها دولة مستقرة. إلا أن امتداد الفوضى منسوريا يهدد بإنهاء المعجزة الاقتصادية التركية.
لدى تركيا مجتمع يتألف من 500 ألف شخص من العلويين العرب، الذين لهم قربىعرقية مع مجموعة مشابهة في سوريا كانت قد أيدت، مع استثناءات قليلة، نظام الأسد ضد الثوار الذين تترأسهم قيادة سنية.
ويهدد هذا الصراع الطائفي بالتسرب عبر الحدود إلى تركيا، الأمر الذي يؤدي إلى تأليب الثوار السوريين والأتراك السنة ضد الموالين لنظام الأسد،خاصة في مقاطعة هاتاي الواقعة في أقصى الجنوب حيث تتركزالطائفة العلوية. وهناك أيضاً خطر نشر الأسلحة الكيميائية وانتشار الموادالسامة فوق الأراضي التركية؛ كما أن قرب مقاتلي تنظيم «القاعدة» في سوريا يشكل تهديداً خطيراً على الاستقرار التركي المعروف.
وقد أيقظت الحرب السورية أيضاً الجماعات الماركسية المتشددة التي كانت خاملة سابقاً في تركيا. وتعارض هذه الجماعات بشدة أي سياسات حكومية تعتقد أنها تخدم مصالح الإمبريالية الأمريكية، وشنت عدداً من الهجمات من ضمنها الهجوم على السفارة الأمريكية في أنقرة في 2 شباط/فبراير. وتفيد تقاريروسائل الإعلام التركية أن هذه الجماعات الماركسية، بالتعاون مع عناصر تابعة لنظام الرئيس الأسد، قد تكون وراء هجوم 11 أيار/مايو الذي راح ضحيته 51شخصاً في الريحانية.
إن هذه أخبار سيئة بالنسبة لمحاولة السيد أردوغان إعادة تشكيل النظام السياسي التركي ليصبح على غرار النموذج الرئاسي الفرنسي القوي.فالسيد أردوغان قد جذب جميع نجوم السياسة في الداخل من أجل أن ينتخبوه رئيساً في عام 2014. وحتى أنه توصل إلى اتفاق سلام مع "حزب العمال الكردستاني"، وهي الخطوة التي كانت تعتبر من المحرمات ولا يمكن تصورها قبل سنوات قليلة.
فمن خلال عملية السلام التي دخل فيها مع زعيم "حزب العمال الكردستاني"السجين عبد الله أوجلان، ضمن السيد أردوغان بصورة فعالة الاستقرار الداخلي في البلاد في الفترة التي تسبق عام 2014، كما أمّن لنفسه بعض الدعم الكرديعلى الأقل. بيد إن التأثير المحتمل للانكماش الاقتصادي الناجم عن الحربفي سوريا يمكن أن يخل بخططه.
ويدرك السيد أردوغان تماماً أنه ما لم يضمن قدر أكبر من المساعدات الأمريكية ضد نظام الأسد، فيمكن أن تصبح تركيا الخاسر الأكبر في سوريا،ويصبح السيد أردوغان الخاسر الأكبر في صناديق الاقتراع إذا لم يتمكن من حشد أغلبية مطلقة في عام 2014. وهذا أيضاً من الأخبار السيئة بالنسبة للولايات المتحدة، التي تعتبر تركيا واحدة من الدول القليلة المستقرة، التي تدعم بقوةالقيم الغربية في المنطقة.
وتعتقد الحكومة التركية أنه ما لم يتم ترجيح موازين القوى في سوريا لصالح الثوارفي الوقت الحالي، فسوف يتحول الصراع السوري إلى حرب أهلية طائفيةلا تنتهي وتجذب مقاطعة هاتاي -- ومعها بقية تركيا -- نحو حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
إن واشنطن هي الوحيدة التي يمكنها أن تغير المعادلة. ففي أعقاب اجتماع القمة الذي انعقد بين أوباما وأردوغان في 16 أيار/مايو، ظهر خياران على الطاولة.
إن إدخال المزيج من القوة الأمريكية، من خلال تسليح الثوار أو فرض منطقة حظرالطيران، سوف يغير الديناميكية العسكرية والإقليمية، ويساعد على توحيد "أصدقاءسوريا" كثيرة الخلافات وراء القيادة الأمريكية. إلا أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر هو الخطوة الوحيدة التي ستحشد الأطراف المتباينة -- التي ترغب في التحرك ضد نظام الرئيس الأسد -- نحو العمل الموحد.
إن الحروب في الكويت والبوسنة هي حالة معبرة في هذا الصدد حيث أثبتت قيمةالقيادة الأمريكية. فهذه القيادة تعمل على ترجيح ميزان القوى لصالح الثوار وتوفيرالغطاء الدبلوماسي لتركيا في مواجهة غضب إيران وروسيا. ومن خلال تقديم حافزمضاد لموسكو والتهديد بالعمل المنفرد إذا لم تستخدم موسكو نفوذها لوضع حدللنزاع، يمكن للولايات المتحدة أن تثبت أنها جادة في التدخل. وهذا من شأنه أنيخفف أيضاً الضغط على تركيا، المترددة في اتخاذ مزيد من الخطوات في سوريادون موافقة ضمنية روسية على أقل تقدير. فروسيا هي العدو التاريخيلتركيا والبلد الوحيد في المنطقة الذي يتمتع بقدرات اقتصادية وعسكريةأكبر من تركيا. ويخشى الأتراك من الروس ولن يواجهوهم وحدهم.
وإذا ما أصبح إقناع الروس مستحيلاً، فيجب على واشنطن العمل على إيجاد منطقةعازلة في شمال سوريا على طول الحدود التركية لحماية المناطق التي يسيطر عليها الثوار. ومن شأن هذه المنطقة العازلة التي تكون تحت حماية القوات الجوية الأمريكية وقوات التحالف الدولي، أن تمنح الثوار نقطة انطلاق لشن عمليات ضدالرئيس الأسد، وتساعد تركيا أيضاً على دفع الصراع مرة أخرى نحو سوريا منخلال نقل الثوار ومقرهم إلى المناطق العازلة داخل الأراضي السورية بدلاً من توفيرملاذ للمتشددين على الأراضي التركية. (ومن المرجح أن يكون هناك دعم إقليمي لمثل هذه السياسة، بما في ذلك من الأردن، التي ستستفيد أيضاً من وجود منطقةعازلة داخل جنوب سوريا.)
ومن شأن المشاركة الأمريكية الأكثر حسماً أن تنهي في وقت واحد الشكوك القائمةحول التزام الولايات المتحدة تجاه سوريا، وتُنقذ تركيا من جرها إلى مزيد من الصراع الذي يهدد بتبديد التقدم التي أحرزته نحو حل الصراع الكردي، ويقوض الانجازات الاقتصادية الهائلة التي حققتها.
كتب الموضوع سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب الذي صدر مؤخراً "صعود تركيا:
. جيمس إيف. جيفري هو زميل زائر متميز في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق.
سونر چاغاپتاي و جيمس جيفري
معهد واشنطن ونيويورك تايمز